لها أون لاين
سقطت في درعا مئذنة المسجد العمري، وهي لمن لا يعرفها تحمل رمزيتين، الأولى ثورية، لأنها شهدت بدايات الثورة السورية، عندما أخذتها السلطات البعثية ذريعة لإطلاق صفة "الإرهابيين" على رجالات الثورة، بحجة أنها عثرت على أسلحة في المسجد.
وقد شهد المسجد بعد ذلك سلسلة من الأحداث، منها حدوث مجزرة قتل فيها العشرات من أبناء درعا، ومنها صور أخذها رجال النظام البعثي وهم يعبثون بمحتوياته.
الرمزية الأخرى التي يحملها مسجد العمري، رمزية تاريخية إسلامية، لأنه مسجد أمر ببنائه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) تعلوه مئذنة هي أول مئذنة تبنى في بلاد الشام قاطبة، وفق ما يؤكده المؤرخون.
تحولت مشاهد سقوط المئذنة، وتهدّم المسجد العمري، مادة رائجة لوسائل الإعلام المختلفة، نشرت صوره غالبية الصحف، وبثت مشاهد مصورة له غالبية المواقع الإعلامية، ومواقع التواصل الاجتماعي.
من المؤسف جداً أن ما يحدث من هدم للمعالم الإسلامية لم يعد يحرك سوى أنظار ونقرات المتابعين والقراء في العالم العربي والإسلامي، ومن المؤسف أن هذه الأحداث لم تعد تهم سوى وسائل الإعلام، ليس لأنها معنية بنصرة المسلمين، ولكن لأن مثل هذه الأحداث تشكل مادة دسمة، وصيداً للقراء والفضوليين والمتابعين.
يبدو واضحاً أن غالبيتنا ـ نحن المسلمين ـ، لم نعد نصلح لحمل رسالة الإسلام، ولا لنصرة دينه.. حقيقة مرّة يعرفها كل واحد منّا، ولكن يخجل أن يقولها لنفسه، فكيف أن نتحدث بها.
تحليل يهودي تحدث ذات مرة عن رهان إسرائيلي على "موت ضمير المسلمين"، وكان الرهان ينصب على اغتيال أحد الرموز الإسلامية الفلسطينية، وهو الشيخ أحمد ياسين، الذي لم تستطع قوات الاحتلال قتله خوفاً من رد فعل إسلامي موحد، ولكن الرهان الإسرائيلي أكد في عدة مناسبات، أن العرب لم يعد لهم ردة فعل تجاه سقوط أي من مقدساتهم ورموزهم، خاصة بعد اقتحام المسجد الأقصى للمرة الثالثة آنذاك.
الرهان كان يؤكد على أن رد فعل الفلسطينيين أنفسهم، الذين أطلقوا انتفاضة الأقصى الأولى ـ الانتفاضة الفلسطينية الثانيةـ كرد على اقتحام الأقصى من قبل جنود إسرائيليين على رأسهم رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون،  لن يقوموا برد فعل مماثل بحال تم اقتحام الأقصى مجدداً، وهو ما حدث ويحدث بالفعل حالياً.
لذلك أعطت التحليلات السياسية تطمينات لقيادة الأركان الإسرائيلية، أن العرب لم يعد لديهم رد فعل مؤثر، تجاه أي أمر مماثل، وبالفعل هذا ما حدث، فقد اغتالت قوات الاحتلال الشيخ أحمد ياسين في 22 مارس 2004، بعد خروجه من صلاة الفجر، ولم يحرك العرب ساكناً، باستثناء الخطابات الرنانة والتنديدات المبجلة!
اليوم الإسرائيليون، والإيرانيون، وحزب الله، ونظام البعث، والبورميون الذين يحرقون المسلمين أمام كاميرات العالم، ونحن أيضاً، نعلم أن العزة بالإسلام، ونصرة المظلوم، والبنيان المرصوص، والجسد الواحد الذي دعا إليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعمل على تنميته وتأصيله في نفوسنا، قد مات واضمحل.
لذلك لم يعد غريباً أن تسقط مساجد أخرى، وتنتهك حرمات أكبر، وتدمّر رموز دينية وتاريخية أكثر، دون أن تحرك في ضمائر المسلمين والعرب شيئاً، بل سيقفون متفرجين، كما يفعلون اليوم تماماً.
ولكن تبقى بارقة أمل، ليس في حالنا، ولكن في أحاديث الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام، الذي قال ((إِنَّكُمْ تَتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللهِ))رواه الترمذي وحسنه، وحسنه الألباني.

JoomShaper