وائل بن إبراهيم بركات
إن مستقبل الثورة في سورية إلى خير.. وهذا التآمر الكبير من العالم كله شرقه وغربه ما هو دليل إلا على خيرية هذه الثورة المباركة. وقد حفظ الله بلاد الشام وتكفل بها.. وهذه الثورة بحاجة إلى: مبشرات وأسس وقواعد تسير عليها في طريقها لتحقق الأمل المنشود والنصر والتمكين بإذن الله تعالى.
أولا : المبشرات:
إننا مأمورون من رب العباد ومن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بزراعة الأمل في دروب الألم، وأن نبشر الناس رغم الجراح.. "بشّر هذه الأمة بالسّناء والتمكين في البلاد والنصر والرفعة في الدين، ومن عمل منهم بعمل الآخرة للدنيا فليس له في الآخرة نصيب".([1])
إن ربط الثورة السورية بالمبشرات هو أصل البناء لمستقبل سورية، فالثوار ينتظرون مشيئة الله بتسليم واطمئنان، يقول الله  تعالى قاصّاً قول نبيه موسى عليه السلام لبني إسرائيل: ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف: 128).
لقد جاء بعض الصحابة يشتكون من أذى قريش، واضطهادهم ، فما كان منه صلى الله عليه وسلم  إلا أن بشرهم بنظرة مستقبلية مشرقة، جاؤوا إليه يطلبون منه حلا أو دعاء ولكنه صلى الله عليه وسلم  أخذ بأيديهم إلى أفق واسع، لم يكن يدور في بالهم وتفكيرهم، جاء من حديث خَبَّابِ بن الأرت رضي الله عنه قَالَ: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقُلْنَا : أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلَا تَدْعُو لَنَا، فَقَالَ: "قَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ، فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ،  فَيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعَظْمِهِ،  فَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ، وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ" ([2])
وعندما يعيش الإنسان في ظل هذا الأفق الواسع، يجعله يتأمل حقيقة نفسه، فيعيش في واحة الأمل والتفاؤل، ناظرا لمستقبله برؤية واقعية، مستندا على كتاب الله وسنة رسوله في بناء حياته. وبالتالي يتعامل مع أي مشكلة تواجهه وفق هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ"([3]).
والمتأمل في هذه الثورة المباركة يجد مبشرات الثورة كثيرة جدا ومن أهمها:
·    عودة الرجال والنساء والشباب والفتيات إلى ربهم، وهتافهم بالقيادة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم للأبد.
·    ومن المبشرات وضوح حقيقة الصراع الذي يجري على الأرض فهو بين الحق والباطل، بين الصدق والكذب والتلفيق، وبين الوضوح والخداع والتدليس، وبين العدل والظلم.
·    كسر حاجز الخوف من الفقر.. من الذل .. من الدنيا .. من الجاه .. فحمل الثوار أرواحهم على أكفهم رخيصة في سبيل الله.. يهتفون: "هي لله، هي لله" فتساوت الحياة مع الموت.
·    ومن المبشرات ذكر ما اختص الله به بلاد الشام من فضائل ومن هذه الفضائل:
1- ثبتت البركة للشام بخمس آيات في كتاب الله تعالى: قال تعالى : ﴿وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها﴾ (الأعراف : 137) ، وقال تعالى:﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير﴾  (الإسراء: 1) ، وقال تعالى في قصة إبراهيم : ﴿وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين*ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين﴾ (الأنبياء: 70-71)، وقال تعالى ﴿ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها وكنا بكل شيء عالمين ﴾ (الأنبياء: 81)، وقال تعالى في قصة سبأ: ﴿وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرىً ظاهرة وقدّرنا فيها السير سيروا فيها ليالَ وأياماً آمنين﴾ (سبأ: 18)
2-  دعاء النبي صلى الله عليه وسلم  للشام بالبركة: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال :" اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا".([4])
3-  بسط الملائكة أجنحتها على الشام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  "طوبى للشام" فقلنا لأي ذلك يا رسول الله ، قال "لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها"([5])
4- كفالة الله تعالى للشام وأهلها: عن عبدالله بن حوالة الأزدي قال: قال صلى الله عليه وسلم: "سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق" قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، فقال: "عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم فإن الله توكل لي بالشام وأهله"رواه أبو داود، وصححه الألباني.
5- الأمان عند الفتن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينما أنا قائم إذ رأيت عمود الكتاب احتمل من تحت رأسي، فظننت أنه مذهوب به، فأتبعته بصري، فعمد به إلى الشام، ألا وإن الإيمان حين تقع الفتن بالشام" ([6])
6- أهل الشام ميزان لصلاح الأمة وفسادها: عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة" ([7])
8- حرام على منافقيهم أن يظهروا على مؤمنيهم: عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ الْأَسَدِيِّ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: "أَهْلُ الشَّامِ سَوْطُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، يَنْتَقِمُ بِهِمْ مِمَّنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَحَرَامٌ عَلَى مُنَافِقِيهِمْ أَنْ يَظْهَرُوا عَلَى مُؤْمِنِيهِمْ، وَلَا يَمُوتُوا إِلَّا غَمًّا وَهَمًّا" ([8])
9- فسطاط المسلمين دمشق: عن أبي الدّرْدَاءِ أنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "فُسْطَاط المُسْلِمِينَ يوْمَ المَلْحَمَةِ بالْغُوطَةِ إلَى جَانِبِ مَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا دِمَشْقُ مِنْ خَيْرِ مَدَائِنِ الشّامِ.([9])
وفي رواية ثانية : قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم  يقول: "يوم الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها الغوطة فيها مدينة يقال لها دمشق خير منازل المسلمين يومئذ" ([10])
عن أبي هريرة رضي الله عنه, أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا وقعت الملاحِمُ بعث الله من دمشقَ بعثًا من الموالي, أكرمَ العرب فرسًا، وأجودهم سلاحًا، يؤيدُ الله بهم الدين "([11])

وفي الحلقة القادمة بإذن الله نلتقي مع الجزء الثاني من موضوعنا وهو القواعد والأسس التي ينبغي أن  تسير عليها الثورة لتحقق أهدافها.


[1] ) رواه أحمد ( 5/134) ، ابن حبان (2501) ، والحاكم (4/311) ، وقال حديث صحيح ووافقه الذهبي . وصححه السيوطي في الجامع الصغير (3143) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (23) وفي صحيح الجامع (2825).

[2] ) رواه البخاري ( 6943) ، والطبراني  (3638) ، وابن حبان (6698).

[3] ) رواه أحمد (4/103) ، والحاكم (4/430)  بمعناه وصححه، ووافقه الذهبي، و رواه ابن حبان (1631) وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 1/7.

[4] ) رواه البخاري (7094) والترمذي (3953) وأحمد (5987) ابن حبان(7301).

[5] ) رواه الترمذي (3954) ، وأحمد في المسند (5/185) والطبراني (4933) والحاكم (2/229) وقال صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الترغيب وفي غيره.

[6] ) رواه أحمد (5/198) وصححه الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ص 15.

[7] ) رواه احمد (3/436) والترمذي (2192) ، وقال: "هذا حديث حسن صحيح" و رواه ابن ماجه (2375) وابن حبان (7302)  وقال الارناؤوط في تحقيق الإحسان في تقريب ابن حبان: إسناده صحيح على شرط الشيخين غير صحابيه، فقد روى له أصحاب السنن . وصححه الألباني في أحاديث فضائل الشام ص 19، والسلسلة الصحيحة (403).

[8] ) رواه الطَّبَرَانِي في الْمُعْجَمُ الْكَبِير (4054 ) وأحمد (16065) وحسن إسناده الشيخ أحمد شاكر، وقال موقوف ظاهرا ولكن له حكم الرفع، واحتج به ابن تيمية في مناقب الشام وأهله. وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (4353) وقال : رواه الطبراني هكذا مرفوعا، وأحمد موقوفا، ولعله الصواب، وصححه السيوطي في الجامع الصغير (2766)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير.

[9] ) رواه أحمد (16/24) وصححه الألباني في صحيح الجامع (4205) وفي تخريج فضائل الشام (15) . فسطاط المسلمين: حصن المسلمين الذي يتحصنون فيه، وأصله الخيمة.

[10] ) رواه أبو داود (4298)  والحاكم (4/486) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3097) وفي تخريج فضائل الشام (15).

[11] ) رواه  ابن ماجه، و رواه الحاكم (4/548)وابن رجب فضائل الشام ص 158،  وحسنه الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ص 61.

JoomShaper