مبشرات وقواعد للثورة السورية (2ـ2)
- التفاصيل
وائل بن إبراهيم بركات
تحدثنا في الحلقة السابقة عن الجزء الأول من الموضوع، وهو المبشرات التي تحتاجها الثورة لتحقق النصر والتمكين بإذن الله تعالى، واليوم نكمل حول قواعد وأسس الثورة المباركة.
ثانيا: قواعد وأسس:
قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (التوبة: 109).
إن ما تلقاه الثورة في سورية وهي جزء من بلاد الشام، يعود إلى أهميتها الدينية والجغرافية فهي مهاجر المؤمنين ، وخير بلاد الإسلام ، وبها الطائفة المنصورة التي تقوم بأمر الله وتقاتل في سبيله ، وهي عقر المؤمنين عند الفتن، ولا يبعد عنها إلا خطوات ذلك المسجد الأقصى الحزين.
إن مستقبل الثورة في سورية مشرق بإذن الله، فالمستقبل بيد الله، ولكن فقه الواقع يعلمنا أن نجاحها ليس مفروشا بالأزهار والورد، بل هو مفروش بالأشواك والآلام والدماء، مما يتطلب من الثورة، أن تبذل جهدا مضاعفا وصبرا جميلا، وأن تكون على وعى سياسي فائق، ووعى فكرى متعمق، منتبهة إلى ما يحاك حولها من مؤامرات ومؤتمرات؛ ليتحكموا بها وفق مصالحهم وسياساتهم في المنطقة، ولأهمية ومكانة الثورة في العالم، فهي بحاجة ماسة إلى قواعد وأسس تسير نحو النصر والتمكين بإذن الله منها:
لقد أصبح الإسلام تيارا ذاتيا عند الثوار، فلم يرتبط بنشاط جماعة معينة، أو بوجود جماعة معينة، وإنما انبعث تلقائيا في نفوسهم. فقد انتفضت فطرتهم للحق للعدل للحرية ـ وهذه من بديهيات خصائص الإسلام ـ بقدر من الله سبحانه وتعالى، فانطلقت ثورتهم من المساجد، وإلى المساجد، ومن التكبير إلى التحميد والتهليل، وهذا ما أزعج العالم كله غربه وشرقه، وأقض مضاجعهم، وأرق العلمانيين، وما رسائلهم العلنية والسرية بأن يخفف الثوار من سقف مطالبهم إلا دليلا واضحا على هذا الانزعاج، وعلى هذا القلق من استيقاظ المارد. ولذا على الثوار عدم التنازل لأنهم هم الأعلى سندا، فمعهم الحق، والحرية والعدالة. ومع النظام الوحشي والعالم المتفرج الباطل والنفس المنتكسة للعبودية.
وهم الأقوى في كافة المواقف والأصعدة على الأرض وفي الجو وفوق البحر، فيجب عدم إعطاء الفرصة لغيرهم فينتهزها ضدهم. ﴿وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران: 139).
لقد أدرك الشعب السوري بشكل عام، والثوار بشكل خاص فشل حزب البعث والنظم الغربية في حل مشاكلهم، وتبين لهم أن النظم العلمانية فاشلة، لم ولن تحقق لهم أي هدف منشود من العدالة والكرامة والحرية، فعدالة النظم العلمانية وحريتهم تتوقف وتتجمد عند تقدم الإسلام، حيث الإيمان وغذاء الروح، وقد يئس الشعب من الخواء الروحي، ومن الضياع النفسي واتجه صوب الصحوة الإسلامية بفطرتها وصفائها وإرادتها دون ضغط أو إكراه، إنه توجه لا يمكن وقفه، حيث تساوى لديهم الموت والحياة.
إن انتظار حدوث معجزة أو أمر خارق ليوقف هذا النزيف وهذا التدمير، وهذا الابتلاء هو انتظار السراب للشرب منه، بل لابد من الأخذ بالأسباب والسنن.
لقد انطلقت الثورة في كافة المدن والقرى والنواحي السورية يوحدهم الاعتصام بحبل الله، رافعة شعار "الله ربنا، محمد نبينا قائدنا إلى الأبد" فكان هناك الأنصار الذين ﴿يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة﴾سورة الحشر، وهذه من نعم الله. فالأخوة تجلت في أكبر معانيها وفي أسمى آفاقها في هذه الثورة المباركة، فقد تآلفوا ألفة لم يعهدوا بها من قبل، وتحابوا حبا لم يتمكن من قلوبهم قبل ذلك، كل هذا بفضل الله سبحانه، قال تعالى: ﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ (الأنفال: 62).
إن الواقع السياسي لا يجب فصله عن ديننا، فما السياسة الشرعية إلا جزء من تعاليم ومبادئ إسلامنا الحنيف، لا يمكن أن تنفصل عنه، ولذا يجب أن تكون مواقفنا السياسية في التعامل مع المجتمع الدولي منبثقة من الإسلام.
إن نجاح الثورة السورية هو الخوف وهو البعبع والهلع للغرب وأذياله في الشرق، وذلك من جهات عدة:
1- إن نجاح الثورة السورية هو نجاح للعدالة والحرية وهذا ما لا يريده الغرب، وإن كانت تتبجح بشعارات الحرية والعدالة والمساواة، فشعاراتها خاوية، مفرغة من داخلها، ليس لها رصيد فطري أو روحي أو إيماني، وإنما رصيد مادي لا يسمن ولا يغني من جوع.
إن نيل الإنسان للحرية والعدالة والكرامة وفق منهج الفطرة، يعني التمرد على كل أنواع العبودية والتبعية للغرب، والذل والهوان، فالفطرة هي التي انتفضت في الثورة السورية، ونفضت عنها الغبار الذي تراكم طوال السنين، نفضته وهي ترفع إصبع الشهادة مكبرة الله اكبر، ولم تنفضه وهي تمد يدها للغرب أو للشرق. بل لله، "هي لله، هي لله" وهذا ما يزعج الغرب الذي تعود أن يتجه العالم إليه، ويتذلل إليه.
2- إن نجاح الثورة السورية ووجود دولة عادلة ذات سيادة حقيقية هي تغيير في قوانين اللعبة الدولية، بل لن تكون هناك لعبة من الأصل، فالثورة لا تلعب، بل تبني الإنسان روحا وجسدا، وتصلح وتنير عقله ودربه، وتعيد للبلاد حضارتها، فكل شبر في بلاد الشام كان منارا للعالم يستنير به، وشعاعا للعلم يهتدي به، وكل موضع قدم شاهد على العزة والكرامة التي نالها الإنسان مهما كانت طائفته وملته في بلاد الشام.
وبالتالي سوف تكون هناك تداعيات إقليمية جديدة على الساحة العربية تضعف من السياسة الغربية، وهذا ما لا يريده الغرب أيضا.
لذا يجب على الثوار أن يعوا تماما معنى ثورتهم وأهميتها بالنسبة إلى سورية والى العالم، فالعالم لن يدعهم ينجحوا في ثورتهم بكل سهولة، مما يتطلب منهم جهدا مضاعفا وصبرا جميلا، والانتباه إلى ما يحاك حولهم من مؤامرات ومؤتمرات، ليتحكموا بها وفق مصالحهم وسياساتهم في المنطقة.
لقد انتفضت فطرة الشعب السوري بعد طمس لأربعين سنة أو أكثر، ولذا فهي بحاجة إلى تربية من جديد، تربية تتكافأ مع مهمة الثورة، تربية إيمانية صحيحة، فليس كل من ثار صار صالحا، ولكن أصبح لديه القابلية للصلاح، والقابلية لتناول الغذاء الروحي والجسدي، فيربي نفسه وروحه وجسده، فيعمل على تقوية عقيدته الصحيحة الواضحة، التي يتعامل من خلالها مع الكون والبشرية، والكائنات الحية، حتى الجمادات. ويهذب نفسه وإرادته حتى يرتقي ويترفع عن الخضوع للشهوات والأهواء، والطغيان، فالابتلاء ليس في الضراء فقط، وفي هذا الموت الذي يجده الثائر كل لحظة، بل الابتلاء أيضا في السراء، فيهذب نفسه لتثبت في السراء والرخاء ويعيش وفق ما يريده الله سبحانه وتعالى. فيعالج قلبه من كافة الأمراض والعلل الضارة به، فمرض القلوب أشد خطرا على الإنسان من مرض الأبدان. ومرض العقول أشد خطرا على الإنسان من مرض الأبدان!
إن الثورة السورية لأهميتها، ودورها الكبير بالنسبة إلى العالم أجمع، وتميزها في شخصيتها وأهدافها، واهتماماتها المنبثقة من عقيدتها، في حاجة إلى أن تتميز بتربيتها المنبثقة من التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة التي تقود العالم، وبثوارها الذين يحملون برنامج حياة يرقى بالإنسانية، وينمي الحياة، ويصنع الحضارة لكل البشرية. قال تعالى: ﴿كُنتُم خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ تأْمُرونَ بِالمَعْروفِ و تَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ و تُؤْمِنونَ بِاللهِ﴾(آل عمران: 110).
لقد دمر النظام الوحشي مقومات الدولة السورية الأمنية والاقتصادية، وهذا يجعل الأمانة الملقاة على عاتق الثوار كبيرة جدا، وعلى المعارضة في الخارج الدور الأكبر في رسم سياسة بناء الدولة الأمنية والاقتصادية، وهذا يعني أن ما تم خرابه وتدميره لا يمكن إصلاحه في يوم وليلة، بل لا بد من صبر وطول نفس، وتخطيط ورسم، وترتيب لبناء الدولة من جديد بناء قويا شامخا، لا تذل نفسها لأحد، فلا تنازل عن مقومات السيادة الوطنية، ولا تهاون في إدارة الاقتصاد.
فالشعب الذي صبر على الألم والجوع والتشريد والقتل والهدم والتدمير، والذي تحمل ضربات الصواريخ، وقنابل الطائرات لقرابة السنتين، قادر بإذن الله تعالى على الصبر لخمس سنوات على الألم وشظف العيش لبناء دولته دون أن يفرط في شبر من سيادة أرضه، واقتصاد بلده.
إن المتأمل في حقيقة ما يجري في سورية من صراع، بين الشعب المؤمن من جهة، وبين النظام الوحشي والعالم الغربي والشرقي من جهة أخرى، هو صراع حضاري في حقيقة الأمر، وإن كان الصراع الحربي هو الظاهر... فالشعب ليس هو الذي بدأ الحرب، بل يدافع عن دينه وعن نفسه وعن عرضه.
إنه صراع بين القيم، بين القيم الصالحة وبين القيم الفاسدة، بين قيم العدالة والحرية والكرامة والإنسانية، وبين العبودية والمذلة والظلم والطغيان.. إنه صراع القيم، فأي قيم سينشرون إذا تغلبوا على الثورة لا سمح الله!
انظر إلى النظام الوحشي. وإلى الغرب. وإلى الولايات المتحدة. وإلى روسيا. وإلى إيران. ستجد الجواب، إذ لن تجد لديهم إلا قيم الطغيان والفساد والدمار والانحطاط. ولن تجد رغم التقدم العلمي إلا قانون الغاب وشهوة القهر والإذلال للآخرين.
وتأمل في قيم الثوار المقتدين بالصحابة الكرام، أي قيم ينشرون في ثورتهم؟
إنهم ينشرون القيم الفطرية العادلة لكل إنسان، والحرية الحقيقية لتحرير الإنسان من عبادة الطغاة إلى عبادة رب العباد.
ليس هدف الثوار من القتال هو الثأر أو التشفي أو شهوة السلطة، وإنما إزالة هذا الطاغوت بنظامه العلماني الجاهلي ليكون الناس أحرارا يختارون لأنفسهم ما يشاءون.
وليس هدف الساسة في المعارضة في الخارج ـ وهذا أمل الثوار والثورة فيه ـ هو الزعامة بل السير مع حركة الثورة لتصحيح المفاهيم لدى العالم، وتحرير الإنسان من الذل والهوان والظلم والجهل والظلام إلى الكرامة والعدل والعلم والنور.
ولهذا فالثورة السورية ثورة حضارية بشقيها الجهادي والسياسي.
﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور :55).