د. محمود نديم نحاس
حدّثني أحد الأصدقاء بأن صديقا له (لم يسمِّه لي) اتصل به بالهاتف ودعاه إلى زيارته لأمر مهم. فلما ذهب إليه سأله ذاك: هل تعرف عني الهزل؟ قال: لا، بل أعرف بأنك جاد. قال: لقد دعوتك لأقول لك بأني أنا المهدي! فسأله: وكيف عرفت؟ قال: جاءني منادٍ في النوم يقول لي ذلك، وتكرر الأمر مرات! قال صديقي: فقلت له لكن اسم المهدي محمد بن عبد الله، فقال: سألت والدي فقال: نحن أسميناك اسماً مركباً يبدأ بمحمد، ولكن موظف المواليد لم يكتب اسمك كاملاً. قال: وماذا عن اسم والدك؟ قال: كلنا عبيد لله، فوالدي إذاً عبد الله! فسأله: هل صدَّقك أحد؟ قال: زوجتي!...
يقول صديقي: ولم أستطع إقناعه بأن المنادي الذي جاءه هو الشيطان، وأنه على مدى التاريخ ادّعى كثيرون هذا الادّعاء، وكثير منهم من أهل الزهد والعبادة، ولم يأتِ في بالهم أن المخاطِب لهم هو الشيطان، فكل واحد منهم يظن أن الله هو الذي خاطبه. وأني رأيت مرات ومرات من يدّعي الدعوى نفسها، وخصوصاً في المساجد، يقوم أحدهم بعد سلام الإمام من الصلاة ليقول: أنا المهدي المنتظر!... يقول: ولما أخفقت في إقناعه تركته وانصرفت.
وقابلت أستاذاً جامعياً وعلمت منه أن رسالته للدكتوراه كانت حول موضوع المهدية في التاريخ الإسلامي، وأنه وصل إلى نتيجة أن قصة المهدي فيها نظر من أساسها، مستنداً في ذلك إلى الأحاديث الورادة في شأنها.
ولست هنا في وارد دراسة أحاديث المهدي، التي وردت بصور مختلفة عند مختلف الفرق، وقد سببت اختلافات كثيرة، وأدت إلى استنتاجات خطيرة، فهذا الموضوع لا مجال للتفصيل فيه في هذه العُجالة.
إن الله سبحانه لم يتعبّدنا بانتظار المهدي، ولم يوقِف رسولنا صلى الله عليه وسلم على ظهوره أيَّ أمر من أمور ديننا أو حياتنا، ولا شيء عندنا مرهون بظهوره أو وجوده. فنحن مطالبون بأن نعيش حياتنا، ونمارس عباداتنا وأعمالنا، وأن نعمر الكون، وأن نحمل رسالة الإصلاح، ونتعلم ونعلِّم، ونفعل ما درج عليه أسلافنا منذ عهد الخلافة الراشدة، وتتابعوا عليه مع تعاقب العصور إلى يومنا هذا، دون انتظار لحصول معجزة أو ظهور المهدي أو وجوده بيننا. فإذا وُجد هذا الإنسان الصالح، وظهرت أدلته القطعية، التي لا لَبْس فيها، نتَّبعه، وإلا فلا تتعطل الحياة ولا ترتهن به.
ما دعاني لكتابة هذا الموضوع هو أحداث بلاد الشام، وكيفية تفسيرها على أنها أحداث آخر الزمان التي يُتوقع فيها ظهور المهدي، وكيف تُفسَّر أحاديث المهدي ويتم تنزيلها على ما يجري على أرض الشام الجريحة، فتقف الجهة الفلانية مع النظام الظالم، وتقف غيرها مع الذين ثاروا على الظلم والطغيان، في محاولات لإثبات صحة المواقف، أو مقاتلة جيش السفياني المواجه لجيش المهدي... الخ. ومن أراد الدليل على ما أقول فعليه بالإنترنت واليوتيوب بشكل خاص ليسمع كلاماً عجيباً في هذا الموضوع.
العجيب أننا في معاشنا لا ننتظر المهدي، بل يسعى كل واحد لأن يعبّ ما يستطيع، وأن يأخذ حقه بيده، ولم أرَ أحداً في هذا المجال ينتظر المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً!
أنا المهدي المنتظر!
- التفاصيل