بقلم: وليد فارس
وتطلع الشمس للمرة الثلاثمائة والستين على منزل أم طاهر الذي سكنته بعد نزوحها من حيها القديم مع أولادها الثلاثة فتخرج منه لتملئ خزانه بالماء مستغلة سويعات الكهرباء التي تُشغل مولدة الحي الأساسية فتسحب من بئر قريب ما يروى عطش أبنائها وتستعين به على أعمال منزلها, هذه المرة يبدو عليها تعب وإرهاق شديدين, وجهها شاحب بعض الشيء وللمرة الأولى تبدو خصلة شعرها التي خرجت من المنديل -الذي وضعته على عجل- تبدو بيضاء واضحة, تتم عملها على وقع أصوات قصف غير بعيد, تسقط قذيفة في الشارع الخلفي تهرول نحو منزلها مسرعة…فتسمع صوت دجاجة في منزل عربي تعرض للقصف تدخل فتمسكها وتأخذها إلى البيت مسرعةً هرباً من القصف, توقد النار على حطب كانت قد جمعته تضع حساء العدس الذي يعتبر طعام أبنائها شبه اليومي, فالعدس والماء والملح هي أشياء البيت الأساسية التي تحضر بعد غياب بقايا المواد بسبب الحصار الخانق المفروض على المدينة, تضع الدجاجة في حديقة البيت الخلفية وتوقظ أبنائها للفطور ثم تجلس مستندة إلى حائط الغرفة يعلو جبهتها عرق التعب وعرق المرض الذي قرر زيارتها اليوم أيضاً, يُحضر أحد أبنائها الطبيب من المشفى الميداني القريب, يوصي لها الطبيب بالغذاء والراحة وبعض الدواء.
ومع قدوم الليل تشتد زيارة المرض ويقرر أبنائها ذبح الدجاجة لأمهم لتتقوى فغير حساء العدس وقليل من الخبز لم يعرف كبدها منذ أيام فتشير عليهم أن لا يفعلوا…تمضي أغلب ليلها تأنُ مرضاً وتعباً و جوعاً, ما إن تطلع الشمس وتدور مولدة الحي حتى تنهض أم طاهر من جديد لتملئ خزان البيت ماءاً وتقوم بأعمال المنزل اليومية, عند البئر يسأل أحد الرجال عن دجاجة فقدها يوم أمس تبلغه أنها في حديقتها وترشده لأخذها من المنزل على الرغم من عوزها وعوز المنزل لمثل هذا الطعام الذي يعتبر كنزاً -في حرب وحصار مضى عليه عام كامل تقريباً- تعطيه إياها وتمضي ساعية وراء أعمالها اليومية.
حمص المحاصرة, وليد فارس
المصدر: موقع أرفلون نت
نزوح وفقر وأمانة…قصص من الحصار . .
- التفاصيل