الظهر منطقة هشّة في جسمنا، إذ يتلقى ضربات الحياة القاسية كافة: صدمات، حوادث، وهن ناجم عن السن، وإجهاد بلا شك. لا تستطيع عضلاتنا لا سيما عضلات الظهر تحمّل الإجهاد اليومي الذي يتسارع ويتفاقم أكثر من أي وقت مضى. علينا أن نعي بأن الأدوية قليلة الفاعلية ضد التشنّجات العضلية، لذا من الأفضل محاربة الألم من الجذور. يجب بالتالي تشغيل العضلات ومطّهم، وتغيير الوضعيات، واعتماد قواعد الصحة العامة المناسبة.
بالنسبة إلى الإجهاد، من الصعب التخلّص منه، لكننا نستطيع السيطرة على آثاره الضارة عبر الخضوع لجلسات استرخاء. لا تعقّد الأمر، تستطيع ممارسة هذه التمارين في المنزل أو في المكتب.
هدف أساسي
يتفاعل الجسم عند التعرّض للإجهاد عبر قبض عضلاته. ولا شك في أن الظهر، المنطقة الحسّاسة في جسمنا، هدف أساسي بامتياز. عند استشارة طبيب بشأن مشكلة في الظهر، تطرأ مسألة الإجهاد دوماً في لحظة أو في أخرى. تتزامن نوبات أوجاع الظهر مع فترات تشنّج في الحياة لدى المرضى. وفي غالبية الأحيان، يربط الأشخاص بين الصعوبات والمشقات التي يواجهونها في الحياة والأوجاع التي يعبّر عنها جسمهم. يُذكَر أن الإجهاد شكل من أشكال الهجوم الذي نتعرّض له بدرجات مختلفة. فيردّ الجسم عليه عبر قبض عضلاته وتقليصها كطريقة للاحتماء. لكن هذه العضلات تتعب على المدى الطويل وتصبح عاجزة عن إزالة السموم، فيتركّز الألم. تحدث هذه التشنّجات خصوصاً على مستوى العنق والكتفين. يُشار إلى أن عضلات النصف العلوي من الظهر، الرقبة والرأس هي الأكثر تعرّضاً للإجهاد، بينما المنطقة الواقعة في أسفل الظهر تتأثر بسهولة بالذبذبات وحمل الأغراض الثقيلة. لكن لا يمنع أن يتفاقم الألم في أسفل الظهر في إطار تشنّج عصبي.
حلقة ضعيفة
الظهر هدف من اختيار الإجهاد، لأنه الحلقة الضعيفة في جسمنا. يخضع العمود الفقري وجميع العضلات المرتبطة به لاختبار قاسٍ على مرّ الحياة، إذ يحفظ لوقت طويل آثار الصدمات القديمة والحوادث. فضلاً عن ذلك، نعاني جميعنا إصابات متفاوتة الأهمية: انزلاق الأقراص الفقرية، الفتق، الفصال osteoarthritis... في هذا السياق، يرخي القلق بثقله على المناطق المتضرّرة مسبقاً. تحاول بحوث علمية إثبات أن الإجهاد يضعف دفاعات جهاز المناعة في الجسم، الأمر الذي قد يؤدي إلى التهاب الأقراص الفقرية أو الأوتار، وقد يكشف أيضاً عن وجود فصال كان حتى وقت قصير غير مؤلم. لكن ذلك كلّه مجرّد فرضية. في سياق موازٍ، تساهم وضعياتنا السيئة في إضعاف ظهرنا وجعله أقل استعداداً لمقاومة نوبات الإجهاد. وما يفاقم التشنّجات العضلية الجلوس لساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر مع دفع الرأس إلى الأمام ورفع الكتفين، ناهيك عن قيادة سيارة لفترة طويلة بشكل متراخٍ في مقعد غير مريح. يُضاف إلى ذلك الخمول ونقص النشاطات الجسدية اللذان يتسبّبان بإذابة عضلات الظهر ما يجعلها أكثر هشاشةً وحساسيةً تجاه الهجمات.
يولي أطباء العظام من جهتهم عنايةً كبيرة بالحجاب الحاجز، عضلة ترفع القفص الصدري عند كل شهيق. فتحت وطأة الإجهاد، يتسارع التنفّس أو يضيق. لكن إن تشنّج الحجاب الحاجز، تتعطل وظيفة منطقة أسفل الظهر.
مصدر قلق
يستطيع كل منا تحمّل إجهاد عابر، شرط المشي أو السباحة للاسترخاء قليلاً. لكن الإجهاد قد يُحدث على المدى الطويل خللاً في دوائر الألم، عبر خفض القدرة على التحمّل لدى بعض المرضى. يتحوّل التشنّج العضلي البسيط عندئذ إلى مشكلة غير متوقّعة. فيصبح ألم الظهر مصدر قلق يفاقم حالة الإجهاد التي ظهرت في البداية. يقع نحو 20% من المرضى في هذه الحلقة المفرغة حيث يتناوب الألم والإجهاد.
بالنسبة إلى أطباء الروماتيزم، تصعب معالجة هؤلاء المرضى، نظراً إلى أن ألم الظهر الشديد يخفي أحياناً اكتئاباً حقيقياً. يجب إذاً تعلّم الإصغاء إلى هؤلاء الأشخاص وعدم القول لهم أبداً إنهم يتوهّمون الألم. يُحدث الاكتئاب خللاً في وظيفة السيروتونين والنورأدرينالين، الهورمونان المسؤولان عن نقل إشارات الألم. وهذا ما يفسّر سبب إحساس نصف المصابين بالاكتئاب بآلام غير اعتيادية، يتمركز 20 إلى 30 في المئة منها في الظهر. في هذا الإطار، أثبت بعض الأدوية المضادة للاكتئاب التي تعمل على النورأدرينالين والسيروتونين، فاعليته ضد الاكتئاب والألم معاً. توُصَف أحياناً لتخفيف ما يبدو في البداية ألماً بسيطاً في الظهر.
رابط وثيق
يشكّل الألم الناجم عن إصابة ما إشارة تحذيرية. فتُنقل المعلومة على طول النخاع الشوكي لتصل إلى الدماغ، حيث تُعالج بواسطة الوسائل الدماغية المسؤولة عن تحديد موقع الألم وحدّته، فضلاً عن الوسائل العاطفية والسلوكية. يختفي ألم الظهر غالباً بسرعة. لكن بعد ثلاثة أشهر، يصبح مزمناً. وغالباً ما يعبّر هذا الألم عن انزعاج كامتعاض في العمل، ماض صعب...
- الجزء العلوي من العمود الفقري: يتأثر بالوضعيات السيئة، من هنا تبرز أهمية تقويته.
- العضلات المربعة المنحرفة: حساسة جداً للإجهاد، كما أعلى الظهر.
- العضلات الثلاثية الرؤوس العضدية: تشكّل جزءاً من العضلات الضرورية لتنفّس عميق.
- العضلة المنحرفة العليا من المعدة: يسمح بعض التمارين بإرخاء هذه العضلة المتشنّجة عن غير قصد.
أماكن العمل
يتفاقم ألم الظهر دوماً في العالم المهني بفعل الإجهاد. تمثّل إصابات الإجهاد المتكرر سبب الأمراض الأول في أماكن العمل في عصرنا هذا. يرتبط معظم هذه الإصابات التي تطاول المفاصل، الأوتار ومناطق أخرى بوضعيات غير صحيحة أو حركات غير مناسبة. نجد بالتالي ثلاثة عناصر مشتركة في الأمراض كافة التي تشمل هذه الإصابات: كثافة الأعمال من دون توافر وقت للراحة، ضغوط متزايدة، وأخيراً غياب دعم أرباب العمل والزملاء.
كيف نريح التشنّجات؟
للأدوية فاعلية محدودة. في المقابل، تساعد العلاجات اليدوية في تخفيف آلام الظهر إلى حد كبير. مع ذلك يجب في البداية، إجراء فحص سريري جدي. فأمام مريض يشتكي من ألم في ظهره، سيعمد الطبيب إلى استبعاد الأسباب الجسدية كافة قبل طرح مسألة الإجهاد. في حال كان ألم الظهر ناجماً عن توتّر عصبي، قد تؤمّن الأدوية راحة موقتّة، لكن الأطباء يعرفون حق المعرفة بأن لمسكّنات الألم والأدوية المزيلة للتشنّج أثراً محدوداً فحسب. غالباً ما نرى مرضى يعانون تشنجات عضلية مستمرة وينتقلون من طبيب إلى آخر ويجرون فحوصاً كثيرة لكن من دون جدوى. لذلك يلجأ عدد متزايد من المرضى إلى التقنيات اليدوية لتفادي تناول أدوية كثيرة. فالمعالجة اليدوية، المعالجة بالحركة، أو المعالجة بتقويم العظام مفيدة جداً لتخفيف آلام التشنّج، لكن فاعليتها لم تُدرَس يوماً علمياً. لكن ذلك لا يمنع من أن بعض المرضى يشعر بالرضا.
تحرّك بانتظام
لا تنهي الراحة التي يؤمّنها التدليك مشكلة الإجهاد. فلدى أكثر المرضى توتراً، يسمح الاسترخاء وحتّى التنويم المغناطيسي بالسيطرة على الانفعالات. تشكّل هذه التقنيات بالتالي جزءاً من الترسانة العلاجية في مراكز مكافحة الألم. يبقى أيضاً اعتماد قواعد الصحة العامة المناسبة. وثمّة نصيحتان أساسيتان يقدّمهما الاختصاصيون: تنظيم النوم وممارسة نشاط جسدي.
في النهاية، تنتهي وصفة مكافحة الألم بنصائح حول الوضعية، مكيّفة بحسب نشاط كل شخص. فضلاًعن ذلك، لا بد خلال نهار عمل من أخذ فترات استراحة لتخفيف ألم الظهر وتهدئة التوتر العصبي. ومن وقت إلى آخر، يجب النهوض، المشي، مدّ النظر، تحريك الكتفين بشكل دائري لتليينهما، القيام بحركات دورية للرأس... فالجسم خُلق ليتحرك، وما من شيء أكثر ضرراً بالظهر من الوضعيات الجامدة.
نصائح الخبراء
غالباً ما تُثار مسألة الإجهاد عند استشارة المرضى الطبيب. فيأخذها اختصاصيو أمراض الظهر في الاعتبار عند اختيارهم العلاج وتقديمهم النصائح للمرضى.
أطباء الروماتيزم: يشهد مرضاهم حالات صداع ذات جذور عنقية، تُعزى إلى التهيّجات في الجذور العصبية والتقلّصات العضلية في الجزء العلوي من الرقبة. يصعد الألم إلى أحد جوانب الرأس ومن ثم يهبط مجدداً إلى العضلات المربّعة. ترتبط هذه العوارض بإجهاد مفرط ووضعيات سيئة.
الأهم: يجب التحقّق من أن هذه الآلام ليست ناجمة عن ورم، أو انكباس في الفقرات أو عن مشاكل في العضلات، إرهاق، أو اضطرابات في النوم لا سيما لدى النساء المجهَدات.
المعالجون بالحركة: يرتاد المرضى المجهدون عياداتهم أكثر فأكثر ويخبرونهم بأنهم مرهقون ويشعرون بألم في أنحاء جسمهم كافة. فيحاول المعالجون البحث عن نقاط التشنّج لديهم ويبدأون بتدليكهم بشكل خفيف من ثم ينتقلون إلى تدليك أكثر عمقاً.
الأهم: يقدمون دوماً للمرضى نصائح حول الوضعيات المناسبة ويعلّمونهم التنفّس بطريقة صحيحة عبر استخدام عضلات بطنهم.
المعالجون بتقويم العظام: يشهد بعض الأشخاص اختبارات صعبة في حياتهم. فيحفظ جسمهم آثارها ويعكسها عبر وضعياته. يميل الطفل الخاضع لسيطرة أبوية شديدة، مثلاً، إلى ضغط كتفيه. وحين يتعرّض لإجهاد مماثل في سن البلوغ، يتفاعل جسمه بالطريقة عينها. يستطيع المعالج بتقويم العظام في هذه الحالة رصد أكثر المناطق تشنّجاً.
الأهم: يبحثون عن أول إصابة تعرّض لها، ومن ثم يعمدون إلى إرخاء المناطق كافة ذات الصلة.
اختصاصيو الطب النفسي الجسمي: يمثّل هذا الطب الرابط بين النفسية والجسد. غالباً ما يكون ألم الظهر ناجماً عن عامل نفسي جسمي. فالإجهاد عبارة عن حالة صدامية يتفاعل فيها المريض عبر جسده بشكل خارج عن السيطرة. لذلك يطبّق هؤلاء الاختصاصيون تقنية للاسترخاء تسمح للمريض بإيجاد الرابط بين المشكلة الجسدية (عبر حركات متكيّفة) والمشكلة النفسية.
الأهم: تقضي التقنية بحل التشنّجات عبر اعتماد وسائل استخدمها الشخص مسبقاً بطريقة فطرية.
اختصاصيو الطب النفسي الحركي: في الحالات العادية، يجب أن تكون عضلات أسفل ظهرنا وحوضنا وأردافنا قوية إلى حد ما بما يؤّمن استقرارنا وثباتنا. يجب بالتالي إرخاء عضلات أعلى الظهر، كالعضلات المربّعة، لإتاحة تحرّك الرأس بحرية والتنفس بطريقة صحيحة. لكن لسوء الحظ، يحدث دوماً العكس.
الأهم: يجب تحريك الجسم أكبر قدر ممكن وتنظيم قوّته العضلية عبر ممارسة التمارين الجسدية. من الضروري إذاً استدعاء الأحاسيس والوعي الجسدي.
المعالجون اليدويون: يمكن تخفيف عوارض الإجهاد الجسدية عبر مطّ العضلات. من الضروري فضلاً عن تمارين التمطط الذاتي، القيام بتمارين وعائية قلبية، تمارين تنفّس عبر البطن، اتّباع حمية سليمة مع تجنّب المواد المنبّهة (الكافيين، وغيره)، وتنظيم النوم.
الأهم: تُظهر التمارين للمرضى بأنهم يتمتعون بقدرة أكبر مما كانوا يعتقدون.
جريدة الجريدة