د. رجاء زكريا الكركي
اخصائية الإخصاب وعلاج العقم/ مستشفى الأمل للنسائية و التوليد
تعتبر قضية عدم الإنجاب من القضايا الهامة و الشائعة في مختلف المجتمعات حيث تشير الإحصاءات أن 15 % ( واحد من كل ستة ) من الأزواج تقريباً يعانون من تأخر الإنجاب و الذي يشير إلى عدم حصول الحمل لمدة سنة أو أكثر ضمن وجود علاقة زوجية طبيعية .
من المعروف أن عدم القدرة على الإنجاب ُيعّرض الأزواج لضغــط نفــــسي كبير قد يؤدي إلى العزلة الاجتماعية وتوتر العلاقة الزوجية و الخلافات المستمرة التي تسبب انفصال الزوجين أحياناً .. هذه الضغوطات تستدعي البحث عن المســاعــــدة والنصيحة الطبية لتخطيها ، وهنا تأتي أهمية تقديم الاستشارات النفسية للأزواج .
و يعود الضغط النفسي المتعلق بعدم الإنجاب إلى :
الضغط العاطفي
إن إنجاب الأطفال حاجة غريزية ذات أهمية اجتماعية لحفظ النســـــل و حمل اسم العائلــــة و من الصعب على الزوجين تقبل حياتهما بدون أطفال أو بقاء طفلهما وحيداً ، وقد يتحول ذلك إلى أزمة حياتية و يكون الألم العاطفي الذي تسببه مشاعر الخسارة ألماً كبيراً .
الضغوط الأسرية والاجتماعية
يظهر أحياناً عدم التعاون من قبل الزوج حيث تتحمل الزوجة العبء الاكبر في خطوات العــلاج ، بالإضافة إلى ضغوط الأهل والأصدقاء من خلال كثرة الأسئلة والتدخلات وعدم الانتباه لحساسية الوضع ، هذا عدا عن نظرة المجتمع السلبية لفشل الزوجين في انجاب الأطفال ، كل ذلك يؤدي الى زيادة شعورالزوجين بالقلق والإحباط وعدم الكفاءة الشخصية.
الضغط الطبي
يرتبط علاج العقم كما في برامج الإخصاب خارج الجسم (IVF) بالتوتر الواضح بسبب الفحوصات العديدة ، متطلبات العلاج ، ضــــرورة الانــتظــار، عدم ضمان نجاح الحمل و تكرار المحاولات .
تجارب سلبية
قد تمر الزوجة أثناء برامج الإخصاب المساعِد و خاصة أطفال الأنابيب بتجارب سلبية تتعلق بنتائج العلاج و مثال على ذلك حصول إفراط في الإباضة (تضخم المبيض) أو ضعف استجابة المبيض للحقن الهرمونية . وقد يواجه الزوج عدم القدرة على إعطاء عينة السائل المنوي أو ضعفاً كبيراً في الحيوانات المنوية حين إجراء خطوات الإخصاب، كل ذلك ينعـــكس بمــشاعــر القــلق و الإحباط عند الزوجين في المحاولات العلاجية التالية .
5- الضغط المالي : من المعروف أن تكاليف التقييم و العلاج التي تخص برامج الإخصاب المختلفة مرتفعة نسبياً ، و هذا يشكل التزاماً وضغطاً مـــادياً على الزوجــين و خاصة حين الحاجة لتكرار المحاولات .
و بالنسبة لردود الفعل النفسية عند الزوجين ، كما اوضحت سابقاً أن التوتر أمر واضح خلال برامج الإخصاب تتفاوت حدته حسب مراحل العلاج ، مثلاً يزداد هذا التوتر يوم التقاط البويضات من الزوجة وإعطاء الزوج لعينة السائل المنوي، بينما يقل مع نقل الأجنة للرحم ليعود يوم إجراء فحص الحمــل ، و في حالة فشل حصول الحمل (حيث التوقعات لفرص النجاح عند الزوجين عالية بالرغم من التوضيح دائماً أن نسب النجاح تتراوح بين 35- 40 % ) يسيطر الإحباط و الحزن على الزوجين .
وما يخص علاقة الزوجين الجنسية فللضغط النفسي تأثير كبير عليها حيث يشعر الزوجين أن علاقتهما أصبحت تحصل من أجل هدف محدد مما يؤدي إلى اضطراب الوظائف الجنسية المتعلقة بالجماع .من الملاحظ أن هناك فرق في ردود الفعل النفسية بين الرجل و المرأة حيث تتعرض المراة لقلق وتوتر شديدين أكثر من الرجل لإن إحساسها في المجتمع العربي بالقلق ناجم من خوفها أن يتزوج زوجها بأخرى بحثاً عن أطفال ، وأحياناً يصل تعلق المراة بانجاب طفل إلى حد الوسوسة مما يزيد الضغط النفسي عليها . أما بالنسبة للرجل فإن تعامله مع هذه المشكلة يعتمد على التشخيص أي إذا كان هناك أسباب تتعلق به ، حينها يشعر بعدم الكفاءة الشخصية و فقدان الثقة مما يؤدي إلى الانعزال الاجتماعي أحياناً .
و بخصوص تأثيرالضغط النفسي على نتائج العلاج ، أشارت بعض الدراسات أن الضغط النفسي قد يقلل من فرص الحمل حيث يرتبط بالتأثير على عملية الإباضة ( انتقال البويضة في قناة فالوب وارتفاع هرمون الحليب ) وربما على إنتاج الحيوانات المنوية، و قد تساهم العوامل النفسية في حالات العقم الغامضة التي لا يوجد لها تفسير واضح. وأشارت بعض الدراسات إلى ارتفاع معدلات الخصوبة بعد أساليب العــــلاج النفـــسي و التي تشمل التنثقيف الطبي النفسي ، تمارين التنفس والاسترخاء ، تصحيح طرق التفكير الخاطئة من خلال الأساليب المعرفية . إن هذه المهمة بحاجة الى افراد مؤهلين في مجال الصحة النفسية (Mental Health Professionals) وعلى مستوى عالٍ من الكفاءة في هذا المجال .
و لا بد أن نذكر أن للطبيب المعالِج دور مهم في الدعــم النفـــسي الأولـي أو التمهيدي من خلال تثقيف المريض وشرح حيثيات البرنامج بشكل عام ثم حالة الزوجين بشكل منفرد ، التوقعات لفرص النجاح والعوامل المؤثرة عليها ، عامل الوقت المطلوب لإنهاء البرنامج العلاجي وخاصة لمراجعينا من خارج الاردن . و يحتاج ذلك إلى مهارات تواصل جيدة بين الفريق الطبي والمراجعين وجعل هذه العناية النفسية الطبية مسؤولية جميع أعضاء الفريق الطبي من أطباء و تمريض و أخصائيي المختبرات .
أهداف تقديم الاستشارة النفسية
1 - تثقيف المريض بالنواحي النفسية المرتبطة بعدم الإنجاب
2- القدرة على التكيف أثناء مراحل التشخيص و العلاج للسيطرة على مشاعر الأزواج السلبية الناتجة من عدم الإنجاب و هذا يخفف الشعور بالعزلة و يعزز تقدير الذات .
3 - القدرة على أخذ القرار المناسب في أمور العلاج ، حيث أن التطورات التي حصلت في هذا الميدان في العقدين الأخيرين ( مثل استخدام التقنيات الورائية الحديثة والخلايا الجذعية ) زادت من أهمية تقديم الاستشارات النفسية للأزواج
4- تحقيق تواصل أفضل بين الزوجين ليصبح الأزواج أكثر اطمئناناً و تعاوناً
و بالنسبة للاستشارة النفسية لمرضى العقم فلها خصوصية تختلف عنها عند المرضى الاخرين ، حيث نتعامل هنا مع حاجة غريزية وأساسية لبناء الأسرة تكون مفقودة في حياة الزوجين ، بالإضافة إلى صلة خطوات التشخيص والعلاج بالعـــلاقة الـــزوجـــية و الجنسية مما يسبب توتراً يؤثر أحياناً على هذه العلاقة .
و بالنسبة للفئة التي تحتاج هذه الاستشارات ، يتم تحديدها من قبل الطبيب المعالج حيث تشمل الأزواج ذوي النتائج المحدودة في النجاح كما في حالات الفشل المتكرر للمحاولات ، ضعف مخزون المبيض ، تقدم عمر الزوجة ، عقم الرجال ( الضعف الشديد في الحيوانات المنوية أو انعدامها ) ، مشاكل الأحمال المتعددة و المشاكل الوراثية ، بالإضافة إلى حالات الزواج الثاني أو وجود طفل وحيد في الأسرة ـ أيضاً الحالات التي تنتهي بالتوقف عن العلاج .
و حول التوقف عن العلاج هناك عدد قليل من الأزواج - بالرغم من التطورات العلمية - لا يوجد فرصة لمساعدتهم ، و هنا يكون التوقف أو عدم استمرارية العلاج من أصعب الأمور التي تُطرح للزوجين ،وأمثلة على ذلك عدم الحصول على بويضة من الزوجـة أو حيوان منوي من الزوج ، والعمر المتقدم للزوجة . وحتى يكون هذا القرار بأقل تأثير ممكن يلزم تهيئة الزوجين مسبقاً لتوقع سلبية النتائج ، تواجد الزوجين معا لإشراكهم في أخذ القرار ، مناقشة الأساليب الأخرى التي يمكن من خلالها تحقيق الأبوة والأمومة كرعاية الأيتام والتبني ، والتأكيد لهم أنهم حاولوا أقصى ما يستطيعون ، وأن الفريق قدم كل ما هو متاح علمياً وتبقى حكمة الله فوق كل شيء و هذا يساعدهم على اتخاذ القرار حول كيفية عيش حياتهم مع الخيارات الموجودة .
و عن مدى توفر هذا الجانب في واقعنا الطبي فلا يزال محدوداً و يرجع ذلك لعوامل تتعلق بالأزواج وأخرى بالأطباء ، ومن الأسباب التي تبعد الزوجين عن طلب الاستشارات النفسية مساندة الزوجين من العائلة والأصدقاء مما يساعدهم على التكيف مع الضغوط النفسية فيكتفون بهذا الدعم النفسي ، حرصهم على السرية والخصوصية قدر الإمكان بالإضافة لتكاليف الاستشارة النفسية ، أما عدم توجيه الأطباء للمرضى لإجراء هذه الاستشارات فيعود إلى اعتقادهم أنهم يستطيعون القيام بالإرشاد النفسي اللازم مع الأخذ بعين الاعتبار التكاليف المادية .
و لدمج هذا الجانب في الممارسة الطبية فإن توفير الوسائل المساندة في مراكز وعيادات الإخصاب من كتيبات فيها شرح وافي لأهمية الإرشاد النفسي و تحسين مهارات التواصل مع المرضى ( هاتفياً من قبل المرشد النفسي) ، واعتبار تكاليف الاستشارات ضمن تكاليف البرنامج العلاجي .
أن مشكلة عدم الانجاب وحلولها العلاجية، يصاحبها الكثير من التوتر والضغط النفسي ، لذلك يجب الاهتمام بهذا الجانب أي بما هو أبعد من العلاج الطبي.
وان تقديم الإرشاد النفسي السليم للمرضى ؛بحاجة إلى أفراد مؤهلين في مجال الصحة النفسية لإعطائهم القدرة على التكيف مع المشكلة ، ضرورة تفهم المؤسسات الطبية لأهمية المساهمات من قبل أخصائيي الصحة النفسية و العمل من أجل دمج الإرشاد النفسي في العناية الطبية اليومية وتقديم الاستشارة لمن بحاجة الى دعم خاص .
الإستشارات النفسية في طب الإخصاب
- التفاصيل