مراجعته لطبيب الأمراض الصدرية أكدت وجود مشكلة ما في القلب، وتبين بعد إجراء عملية القسطرة القلبية أن هناك انسدادا في أربعة شرايين رئيسة، فيما تعاني أخرى من انسداد جزئي، عدا عن ضعف في عضلة قلبه، فقرر الطبيب إجراء جراحة فورية لتبديل الشرايين المنهكة.
وسمير بدأ يدخن منذ أكثر من 30 عاما وحاول الإقلاع عنه مرات عديدة مستخدما علكة النيكوتين والتخفيف من عدد السجائر وغيرها، إلا أنها جميعها باءت بالفشل.
قال سمير الذي كان يحاول التخلص من قلق استبد به بسبب معاناته من التدخين، وعدم قدرته على الاقلاع عنه، أنه كان يجثو أحيانا على ركبتيه ويسند رأسه على الكرسي، فهذا هو الوضع الوحيد الذي يستطيع من خلاله التنفس.. ثم يغفو قليلا ليعود بعدها، ثم يشعل سيجارة لتبدأ من جديد معاناته مع السعال.
التدخين والقلب
يعد التدخين عامل الخطورة الأكبر على صحة القلب والجسم بشكل عام، كما يزيد من نسبة الإصابة بأمراض تصلب الشرايين والسرطانات بأنواعها، ويعد العامل الأبرز بالاشتراك مع أمراض الضغط والسكري والدهنيات التي تؤدي إلى انسداد وتضيق بالشرايين التي تؤدي إلى الجلطات القلبية، وفقا لرئيس شعبة جراحة القلب والأوعية الدموية في مستشفى الجامعة الاردنية الدكتور معاذ الصمادي.
رئيسة قسم الوقاية من أضرار التدخين في وزارة الصحة الدكتورة فاطمة خليفة قالت ان القسم يقوم بإجراءات رقابية وتوعوية وعلاجية، مشيرة إلى أنه توجد ثلاث عيادات للإقلاع عن التدخين في عمان والكرك وإربد، تقدم المشورة والإرشاد وبدائل النيكوتين للمدخنين الراغبين في الإقلاع عنه، وإن نسب النجاح في الإقلاع عن التدخين تصل إلى حوالي 27 بالمائة من المراجعين.
الدكتور الصمادي بين أنه ثبت بالوجه القاطع أن الأشخاص الذين يقلعون عن التدخين هم أقل عرضة للإصابة بالنوبات القلبية مقارنة بالأشخاص المدخنين، وهذا لا يعني أن الأشخاص غير المدخنين لا يصابون بمثل هذه النوبات، لكن احتمالية حدوثها أقل.
وأشار إلى عدة أسباب تدعو الشخص للإقلاع عن التدخين مثل تصلب شرايين الأطراف وانسدادها، والتي قد تؤدي بالشخص إلى فقدان ساقه أو قدمه عن طريق البتر، مؤكدا أن من أهم القرارات التي يأخذها المدخن لحماية صحته خاصة إذا كان يعاني من مرض في القلب أو الشرايين الإقلاع عن التدخين.
وبحسب أحدث احصائيات لوزارة الصحة فان حوالي ثلث الأردنيين الذين تزيد أعمارهم على 18 عاما، وثلث الأطباء ونصف طلبة كلية التمريض في الجامعات الأردنية من مدخني السجائر. وتشير الاحصائيات إلى أن التدخين يعد السبب الرئيس لـ 30 بالمائة من مختلف أنواع السرطان والسبب الرئيس لـ 75 بالمائة لسرطان الرئة.
وأشارت الدكتورة خليفة إلى أن حوالي 41 بالمائة من الشباب المدخنين للفئة العمرية بين 13 و15 عاما يشترون السجائر من المتجر بأنفسهم، فيما يتعرض 50 بالمائة من الفئة ذاتها للدخان السلبي في الأماكن العامة.
نواب مدخنون
ويلاحظ انتشار التدخين تحت قبة البرلمان وخلال الجلسات العلنية، وفي هذا برر رئيس اللجنة الصحية في مجلس النواب النائب رائد حجازين تدخين أكثر من مائة نائب تحت القبة، بأن قانون الصحة العامة لم يحدد قبة البرلمان من الأماكن العامة التي لا يسمح فيها بالتدخين.
وقال إن المادة 52 من القانون عرفت المكان العام بأنه المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس ودور السينما والمسارح والمكتبات العامة والمتاحف والمباني الحكومية وغير الحكومية العامة ووسائط نقل الركاب وصالات القادمين والمغادرين في المطارات والملاعب المغلقة وقاعات المحاضرات، وأي مكان آخر يقرر الوزير اعتباره مكاناً عاماً على أن ينشر قراره في الجريدة الرسمية، مؤكدا مرة ثانية أن البرلمان ليس مكانا عاما.
مدير مكتب مكافحة السرطان في مركز الحسين للسرطان الدكتور فراس الهواري ثمن قيام مجلس الأعيان بحظر التدخين في جلساته، متمنيا من مجلس النواب السير على نهج الأعيان في هذا السياق إضافة إلى قيام نقابة الأطباء بتفعيل قانون منع التدخين بين الأطباء الذين يدخنون.
أطباء مدخنون
الدكتور معاذ الصمادي أعرب عن أسفه لقيام أطباء وممرضين بالتدخين متسائلا: كيف يقلع المريض عن التدخين إذا كان قدوته الطبيب مدخنا؟ ودعا الأطباء المدخنين إلى الإقلاع الفوري عن التدخين لمعرفتهم بمضاره على أنفسهم وعلى الآخرين لاسيما وأن الدراسات أثبتت أن التدخين السلبي يتسبب بالعديد من الأمراض كالسرطان وأمراض الرئة.
الدكتور فراس الهواري قال إن 40 بالمائة من حالات السرطان الجديدة في المملكة ترتبط ارتباطا مباشرا بالتدخين، ومنها سرطانات الرئة والقولون والرأس والعنق والمثانة وأمراض الدم، حيث أصبح السرطان يتسبب بـ 15 بالمائة من الوفيات في المملكة.
وقال إن مكافحة التدخين وضبط اسباب انتشاره أصبح قرارا استراتيجيا لا بد من تفعيله الآن ودون تأخير، بدءا بحظر التدخين في الأماكن العامة والمؤسسات الحكومية والخاصة كافة، ووضع القوانين الصارمة المتعلقة باستخدام التبغ وتفعيل حظر بيع وتقديم جميع أشكال التبغ للمراهقين والأطفال ومنعهم من دخول الأماكن التي تقدم هذه المنتجات لحمايتهم من ضرر التدخين السلبي.
التدخين والسرطان
الدكتور الهواري أشار الى أن الأردن في المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط من حيث ازدياد عوامل الخطورة واحتمالية ازدياد الإصابات بالأمراض غير السارية مثل السرطان.
مدير الأمراض غير السارية في وزارة الصحة الدكتور محمد الطراونة، قال إن التدخين يعد أحد المسببات الرئيسة لسرطان الرئة، بالإضافة إلى أنه يزيد من نسبة حدوث بعض انواع من السرطانات التي تصيب المثانة والحنجرة والمعدة والقولون والمستقيم والبنكرياس والبلعوم والمريء والفم واللسان وعنق الرحم.
وأضاف إن حوالي 38 بالمائة من السرطانات لها علاقة بالتدخين موضحا أنها تصل إلى 50 بالمائة عند الذكور و27 بالمائة عند الإناث.
وأشار إلى أن 50 بالمائة من السرطانات التي تصيب الذكور ولها علاقه مباشرة بالتدخين هي سرطانات الرئة والقولون وتعادل 5ر27 بالمائة منها، ثم سرطان المثانة 16 بالمائة، وسرطان المعدة 8 بالمائة، ثم سرطانات الحنجرة والبنكرياس والكلى والبلعوم.
الأرجيلة والنساء
وتنتشر الأراجيل بين الفتيات والنساء بشكل عام، إذ أصبحت الأرجيلة خير جليس للعديد من النساء في المقاهي وخلال الجلسات النسائية.
قالت مريم إنها اعتادت على تدخين الأرجيلة منذ حوالي 5 سنوات وكانت تذهب وصديقاتها الى أحد المقاهي في عمان مرتين في الأسبوع بهدف التدخين، إلا أنها أصبحت أكثر إدمانا عليه ما دعاها إلى شراء أرجيلة ودعوة صديقاتها إلى منزلها للتدخين.
واكدت وسن انها تاخذ مغادرة ساعتين من عملها للذهاب الى احد المقاهي لتدخين الأرجيلة فيما اعتادت طالبتا الجامعة ميس وزينة الذهاب إلى المقاهي أثناء الدوام لتدخين الأرجيلة أيضا.
الدكتور الصمادي أعرب عن أسفه نتيجة انتشار عادة تدخين السجائر، إضافة إلى الأرجيلة بين الفتيات، مشيرا إلى أن عمليات جراحية في الاوعية الدموية باتت تجرى لفتيات في مقتبل العمر.
معدل الانفاق على التبغ والسجائر
بلغ متوسط الانفاق السنوي للأسرة بالمملكة على مجموعة التبغ والسجائر، بالدينار الأردني حوالي 424 دينارا، فيما بلغ مجموع انفاق المملكة على التبغ والسجائر حوالي 481 مليون دينار خلال عامي 2010 و2011 وفقا لدائرة الإحصاءات العامة.
في حين يشير مسح نفقات ودخل الأسرة للعام 2010 إلى أن 4ر26 بالمئة ممن تزيد أعمارهم على 15 عاما مدخنون.
التدخين السلبي
الدكتور الهواري أشار إلى "أن التدخين السلبي يزيد من نسبة الإصابة بالسرطان بنسبة 30 بالمائة وغالبا ما يتعرض له الأطفال، موضحا أنه يسبب توقف القلب المفاجئ والجلطات وهو القاتل رقم 1 لمرضى القلب"، فيما دعا الصمادي إلى تفعيل قانون الصحة العامة الذي يمنع التدخين في إحدى مواده في الأماكن العامة قائلا "من يريد أن يؤذي نفسه عليه أن لا يؤذي الآخرين".
منظمة الصحة العالمية
ممثل منظمة الصحة العالمية في الأردن الدكتور أحمد باسل اليوسفي بين أن هناك رقابة كافية على الاعلان والترويج عن منتجات التبغ في المملكة ويتم تطبيق العبارات والصور التحذيرية على 30 بالمئة من مساحة سطح علب السجائر، كأول دولة في المنطقة.
وأشار إلى وجود بعض العقبات في فرض إجراءات مناطق خالية من التدخين مائة بالمائة في الأماكن العامة، كما أن مكافحة تدخين التبغ يجب ان تكون أولوية على المستوى الوطني، وينبغي توجيه الجهود إلى مزيد من الوعي أيضا باستهداف مجموعة أكثر من المدارس والجامعات وأولياء الأمور والمجتمع المحلي كافة، من خلال التوعية والإعلام والمواد والحملات الإعلامية.
وقال الدكتور اليوسفي إن دور المنظمة في دعم جهود مكافحة التدخين في الأردن يتمثل في الدعم والمشاركة بوضع مواصفة قياسية جديدة للسجائر من حيث المحتوى والشكل وتخفيض نسب المواد السامة، بحيث يشغل التحذير الصحي 30 بالمائة من مساحة وجهي العلبة، وجه صورة والآخر جملة تحذيرية، وقد أصبح يشغل منذ العام 2012 خمسين بالمائة مع أربع صور تحذيرية متغيرة .
وأضاف أن المنظمة تعمل أيضا على إجراء دراسات لوضع قاعدة معلوماتية حول استهلاك التبغ بين فئات المجتمع المختلفة وتدريب ضابط ارتباط لمكافحة التدخين في كل مديرية صحة يقوم بدور تثقيفي ورقابي في مديريته وإدخال خدمات المشورة والإرشاد وأدوية بدائل النيكوتين مجانا من خلال عيادة الإقلاع عن التدخين (وهناك توجه للتوسع في هذه الخدمة ) والتدريب للكوادر. -(بترا- وفاء مطالقة ومجد الصمادي)
مختصون: "التدخين" القاتل رقم واحد لمرضى القلب
- التفاصيل