فضل سالم
الخوف اللامنطقي أو الفوبيا، أي الخوف الذي تنقصه المسببات المعقولة، مرض نفسي يحيل حياة المريض إلى قلق متواصل من شيء لن يحدث، ويعرف في قرارة نفسه أنه لن يحدث. ويرتبط هذا النوع من الخوف بمواقف أو نشاطات أو أشخاص أو ظواهر معينة.. وبمجرد وجود هذا الرابط، تتوالى الأعراض ابتداء من تسارع ضربات القلب والتعرق واحمرار الوجه والشعور بالاختناق، حتى الغثيان والإسهال والإعياء.
ويقول علماء النفس ان الخوف اللامنطقي أو الرهاب ينتقل بالوراثة في معظم الأحيان، وأن في الإمكان معالجته عن طريق إضعاف عامل الخوف بالتدريج، وذلك عن طريق المواجهة المباشرة، أي تمكين المريض من مواجهة ما يخيفه وبصورة متكررة حتى يشعر بأنه لا يوجد أي سبب لذلك الخوف، ولا خطر من مواجهة العامل المسبب للخوف.
طبيب الاسنان
ترى.. لو سألنا أنفسنا عن أسباب الخوف الذي يشعر به الكثيرون من مواجهة طبيب الأسنان على سبيل المثال، لتبين لنا، وبلغة الأرقام، أن قرابة عشرين في المائة من الناس يخافون من طبيب الأسنان. ويتجنب هؤلاء زيارته ما لم يكن الألم وصل مرحلة من المستحيل احتماله.
لو فكر هؤلاء للحظات قليلة لأدركوا صعوبة الحياة لولا أطباء الأسنان الذين يجهدون لتخليصنا من آلامنا وأسباب تلك الآلام، ولأدركوا أيضاً أن ما يقال في عالم السياسة عن الغاية التي تبرر الوسيلة ينطبق تماماً على عمل طبيب الأسنان أيضاً. فمن أجل تخليصنا من آلام الأسنان لا بد من اتباع بعض الطرق، حتى لو كانت غير مريحة أو مؤلمة.
بعض هذا الخوف قد تكون له أسبابه المؤقتة، كتجربة غير سارة حدثت في الماضي على كرسي طبيب الأسنان، أو الخوف من إبرة التخدير اعتقاداً بأنها قد تتكسر في الفم، أو ربما هو الشعور بعدم الحيلة وعدم القدرة على عمل أي شيء أثناء الاستلقاء على الكرسي، في حين أن الطبيب يشهر أدواته كأنها مدافع رشاشة مصوبة إلى الوجه.. وبالتحديد إلى داخل الفم، قريباً من الرقبة حيث مكمن الاختناق.
أحد المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت أعطى أمثلة على النحو التالي عن أنواع الخوف اللامنطقي أو الرهاب
الأفاعي
تأتي الأفاعي في مقدمة مسببات الخوف المتأصل لدى البشر منذ آلاف السنين. ويقول المتخصصون ان الإنسان قادر على ملاحظة وجود أفعى في المكان في وقت أقل بكثير من الوقت الذي يستغرقه عادة في ملاحظة وجود ضفدعة أو وردة على سبيل المثال.
ويشير هؤلاء إلى أن هذه الملاحظة السريعة قد تكون أحد أسباب فوز الإنسان في معركة البقاء منذ وجد على هذه الأرض جنباً إلى جنب مع الزواحف القاتلة وغيرها من الضواري.
الزواحف الصغيرة
لا يستطيع أحد الإنكار أن منظر عقرب يصيبنا بالجفول، لو للحظات، قبل أن نستعيد وعينا ونتصرف بالمواجهة أو الهرب. وقد لعب عامل الخوف هذا دوراً رئيسياً في أحد أفلام سلسلة «هاري بوتر وغرفة الأسرار» حين ظهر عقرب آكل للبشر. وقد أظهرت الدراسات أن العقرب العادي الذي يمكن العثور عليه في أي منزل قادر على إثارة الرعب مثل عقرب هاري بوتر وأكثر.
ومن الملاحظات التي أظهرتها الدراسات أن خوف حواء من العقارب والعناكب أكثر من خوف الرجل بأربعة أضعاف.
في واحدة من هذه الدراسات تم عرض عشرات الصور، من بينها صور عقارب وعناكب على أطفال أعمارهم أحد عشر شهراً، فتبين أن ردود أفعال الإناث كانت تكشيرة على الوجه حين مشاهدة صور العقارب والعناكب والأفاعي، أما الذكور فكانت ردود فعلهم عادية جداً.
ويفسر علماء أصل الإنسان هذا الاختلاف بالقول ان الرجل في العصور الأولى كان مشغولاً بالصيد وتأمين المعيشة لأسرته، ومن الطبيعي أن يتعايش مع مثل هذه الكائنات، يواجهها حيناً ويتجاهلها أحياناً.
أما المرأة فكانت مهمتها البقاء في المنزل أو قريباً منه، وبالتالي كانت كثيراً ما تجد نفسها وجهاً لوجه مع العديد من أنواع الزواحف الصغيرة فتتجنبها في انتظار عودة الرجل ليتولى القضاء عليها، ومن يومها تأصل الخوف وتجذر في عقلها الباطن.
الخوف الاجتماعي
هل يتصبب منك العرق ويصطبغ وجهك بالأحمر، وقد تتلعثم إذا وجدت نفسك متحدثاً أمام جمع غفير من الناس؟
إذا كان جوابك بالإيجاب، فأنت لست وحيداً.. ففي الولايات المتحدة وحدها خمسة عشر مليوناً يشاركونك الخوف من التحدث أمام الناس.
ويقول تقرير أصدره طبيبان في مستشفى «مايو كلينيك» الشهير ان هذا النوع من الخوف لا يقتصر على التحدث أمام جمع من الناس، فهناك من يصاب بالهلع إذا ما اضطر الى الأكل أو الشرب مثلاً أمام أغراب من غير أفراد أسرته.
ويقول الطبيبان ان هذا النوع من الخوف يبدأ منذ سنوات الطفولة وقد يزيد في فترة البلوغ، ومن المحتمل أن يستمر طوال العمر.
الأماكن المغلقة
تشير دراسات مستقلة إلى أن مليوناً وثمانمائة ألف أميركي بالغ يخافون من الوجود في أماكن مغلقة ليس من السهل الهروب منها حين الضرورة حسب اعتقادهم، كالمصاعد الكهربائية أو النوادي الرياضية التي توجد فيها حشود من المشجعين أثناء المباريات الكبيرة، الجسور أو وسائل المواصلات العامة، الطائرات.
وتقول دراسة حديثة للمعهد الوطني للدراسات النفسية في الولايات المتحدة ان مثل هذا الخوف قد يجبر عشرات الألوف على ملازمة البيت وعدم الذهاب إلى أي مكان مغلق من وجهة نظرهم.
الظلام
يعتبر الظلام العدو الأول بالنسبة للأطفال، ففيه يمكن أن يحدث أي شيء حسب تفكيرهم وتخيلاتهم. قد يقفز أحد من تحت السرير أو من الخزانة أو حتى من الجارور الصغير قرب السرير، أو ربما من تحت السجادة.
البروفيسور توماس اولينديك أستاذ علم النفس في جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا يقول ان الطفل يصدق كل ما يدور في مخيلته.. اللص قد يأتي في الظلام ليسرق ألعابه، أو ربما ليخطفه ويذهب به بعيداً عن أسرته التي تحبه ويحبها. إنه بكل بساطة يخاف من كل شيء يسمع عنه.
ويضيف ان مثل هذا الخوف في معظم الأحيان يتلاشى مع الأيام، لكنه قد يلازم المرء لسنوات طويلة إذا لم يعالج بالطرق الصحيحة.
الارتفاعات
أيضاً.. لست وحدك إذا كنت تخاف من الأماكن المرتفعة، فالخوف من هكذا أماكن يحتل المركز الثاني بين مسببات الخوف بعد التحدث أمام الجموع. حيث تشير الدراسات إلى أن ما بين ثلاثة وخمسة في المائة من الأميركيين البالغين يشاركونك الخوف من الأماكن المرتفعة.
حول هذا النوع من الخوف غير المبرر، أجريت دراسة شارك فيها آلاف الأشخاص تم خلالها إحضارهم على دفعات أمام مبنى مرتفع.. سئلوا في البداية عن ارتفاع المبنى كما يتصورونه من خلال النظر إليه من مكان وجودهم في الشارع، وفي المرحلة التالية، طرح عليهم السؤال ذاته لكن من خلال النظر إلى الشارع من قمة المبنى.
بالنسبة للمشاركين الذين يخافون من الأماكن المرتفعة، تفاوتت إجابات الشخص الواحد، فتقدير ارتفاع المبنى من تحت إلى فوق لم يختلف عن الحقيقة سوى بمقدار عشرة أقدام في المتوسط. أما حين تقدير الارتفاع من فوق إلى تحت فكان الفرق كبيراً، إذ تجاوز أربعين قدماً. في حين أن الأشخاص الذين لا يخافون من الأماكن المرتفعة، كانت تقديراتهم متقاربة إلى حد كبير في الحالتين.
الكلاب
من أصغر الكلاب حجماً حتى أكبرها وأكثرها شراسة.. كلها قادرة على إثارة الهلع والرعب في أوصال الملايين، حتى أولئك الذين يقتنون الكلاب في بيوتهم ويعتبرونها أقرب الأصدقاء للإنسان.
ويقول البروفيسور براد شميدت أستاذ علم النفس في جامعة أوهايو ان الخوف يبدأ عادة منذ الصغر، إما بسبب أن الشخص نفسه قد تعرض لعضة من كلب، وإما أنه شاهد أو سمع عن أحد ضحايا عضات الكلاب.
ويضيف ان مثل هذا الخوف لا بد له من نهاية، لكن يحدث أحياناً أن يلازم المرء طوال حياته.
البرق والرعد
يطلق المختصون على هذا النوع من الخوف اسم «فوبيا الطقس»، فصوت الرعد ومنظر البرق كفيلان بتسريع ضربات قلوب الملايين من البشر، ومع ضربات القلب يتصبب العرق من الكثيرين.
ويقول الباحث الأميركي جون ويستفيلد من جامعة أيوا أن الكثيرين يفضلون تغيير أماكن إقامتهم والانتقال إلى ولاية أخرى تعرف بقلة برقها ورعدها!
وفي بحث أجراه على عدد كبير من طلبة الجامعة سنة 2006 تبين أن 73% من المشاركين اعترفوا بأنهم يخافون نوعاً ما من البرق أو الرعد أو كليهما. ويقول هذا الباحث انه واثق بأن النسبة الحقيقية بين بقية الناس العاديين أعلى بكثير من هذه النسبة.
ويضيف ان بعض المشاركين في البحث قالوا انهم يخجلون من الاعتراف للآخرين بمخاوفهم، بل إن البعض قال انه يخجل من الاعتراف بهذا الخوف لزوجته أو لزوجها.
وعن العلاج يقول هذا المتخصص ان الحل يكمن في تضافر المعرفة الصحيحة لهذه الظاهرة الطبيعية، مع الدعم والتشجيع من الآخرين. فإذا عرف المرء حقيقة البرق والرعد لن يبقى للخوف مكان في نفسه.
الطيران
تقول دراسات موثقة انه يوجد في الولايات المتحدة وحدها ما لا يقل عن خمسة وعشرين مليون شخص يخافون من السفر جواً. ويتراوح هذا الخوف بين القلق الشديد طوال الوقت الذي تستغرقه الرحلة، والرعب القاتل الذي يجعل المرء يتجنب السفر بالطائرة مهما بلغت مشقة السفر براً.
الدكتورة باربرا روثباوم أستاذة علم النفس في كلية الطب التابعة لجامعة ايموري تقول ان هؤلاء ينقسمون إلى فئتين: الأولى تضم الخائفين من احتمال سقوط الطائرة، والثانية للخائفين من المناطق المغلقة وانسداد أبواب النجاة حين الضرورة.
وتضيف أستاذة علم النفس ان هذا النوع من الخوف غير المبرر يشبه غيره من أنواع الفوبيا، فشرح أسبابه لا يكفي للتخلص منه.. لكن من المهم جداً لمن يعاني من هذا النوع من الخوف أن يدرك مجموعة من الحقائق. فاحتمالات الموت في حادث طائرة تبلغ نسبتها واحداً إلى عشرين ألفاً، مقابل واحد إلى مائة في حوادث السيارات، وواحد إلى خمسة في أمراض القلب وفقاً لإحصاءات سنة 2001.
جريدة القبس