أ.د. ناصر أحمد سنه
يحتوي دم الإنسان علي عدة مواد دهنية أهمها: الكولسترول Cholesterol، والجليسيريدات الثلاثية Triglycerides ، والدهون الفوسفورية Phospholipids.
أنت والكولسترول: بطاقة تعارف
في العام 1784م تم التعرف علي الكولسترول في صورته الصلبة التي تدخل في تكوين حصيات المرارة وقنواتها.. لكن لم يكن التعارف قد اكتمل قبل العام 1947م حين تم اتهامه والدهون الأخرى ـ عندما ترتفع مستوياتها عن المعتاد ـ في حدوث النوبات القلبية وأمراض تصلب شرايين.
الكولسترول مادة هامة من مواد الجسم المتعددة، تدخل في تكوين وحفظ وظائف خلايا أغشية الجسم، وفي بعض سوائله الحيوية كالعصارة الصفراوية التي تساعد في عمليات هضم الطعام، كذلك في تركيب هرمونات الذكورة والأنوثة، ويلعب دورا رئيسا في تصنيع فيتامين D، وله إسهام كبير في العديد من العلميات الحيوية في الجسم، له تأثير مضاد لعمليات الأكسدة، ويوجد بكثرة في طبقات الجلد، وخلايا الدماغ والأغلفة المحيطة بالأعصاب، والكلسترول يتم تصنيعه داخليا في الجسم، ويفرز في الصفراء، ويعاد امتصاصه في الأمعاء.
الكولسترول ليس لديه القدرة علي الذوبان في الماء / مصل الدم، ولكي يذوب يتحد ببعض البروتينات التي يصنعها الكبد لتكوين جزئيات كبيرة تعرف بالدهنيات البروتينية Lipoprotein. وهذه البروتينات الدهنية الحاملة للكولسترول منها البروتين الدهني منخفض الكثافة (Low Density Lipoprotein) ويرمز له بـ (LDL)، ويعرف "بالنوع الرديء"( لأن ارتفاع مستوياتها وترسباتها في جدران الشرايين وبخاصة شرايين القلب سبباً رئيسياً للإصابة بتصلب الشرايين والنوبات القلبية)، وكذلك البروتين الدهني عالي الكثافة (High density Lipoprotein) ويرمز له بـ (HDL)، ويعرف "بالنوع الجيد"(من المحتمل أن له صفة وقائية ضد أمراض تصلب الشرايين، إذ تعمل علي تخليص الأنسجة من رواسب الكولسترول وعلي زيادة إفرازه في سائل الصفراء).
كيمائيا أو بطريقة الطرد المركزي أو بالتحليل الطيفي الكهربائي يمكن تحليل الكولسترول، ونوعي البروتين الدهني الذين يحملانه للتعرف علي مدي العلاقة معه.. هل هي صداقة أم عداء؟.
أنت وهو: أية علاقة؟
تنقسم الدهون في مصادر الغذاء إلي دهون نباتية المصدر وأخري حيوانية المصدر، وكيمائيا إلي دهون مشبعة (تحتوي علي أقصى ما تتحمله من ذرات الهيدروجين)، ودهنيات غير مشبعة تستطيع اكتساب المزيد من ذرات الهيدروجين لكي تتحول لمشبعة)، وعمليات الهدرجة او زيادة الهيدروجين عمليات صناعية تجري علي كثير من الزيوت النباتية بغرض تحويلها إلي مسلي صناعي.
الزبد و السمن البلدي، وبعض أنواع السمن الصناعي ، وصفار البيض واللحوم الدهنية(كلحم الضأن) والكبد والمخ والكلاوي والربيان والتونة والكافيار والنخاع والساردين، والشيكولاته وزيت جوز الهند.. أطعمة غنية بالدهون المشبعة يؤدي زيادة استهلاكها ولمدد طويلة إلي ـ زيادة "مستقبلات البروتين الدهني المنخفض الكثافة" مما يسمح لكولسترول البروتين الدهني المنخفض الكثافة أن يعلق بالخلية لتستعمله، ومن ثم يتراكم كولسترول البروتين الدهني المنخفض الكثافة، ويرتفع عن مستواه الطبيعي، فتترسب أملاحه علي الجدران الداخلية المبطنة للشرايين القلبية والدماغية مما يؤدي لصلابتها وتصلبها وخشونتها وضيقها وعجزها عن القيام بدورها. وتنقلب العلاقة مع الكولسترول إلي علاقة عداء(1).
لكن نسبة الكولسترول في الدم بمفردها غير كافية للحكم علي نوعية العلاقة مع الكولسترول، بل يجب مع ذلك الوقوف علي مستوي البروتين الدهني عالي الكثافة ( نسبته المفضلة اكثر من 60ملغ / ل)، فكلما زاد الأخير أكّد علاقة الصداقة الحميمة، وقلت فرص الإصابة بتصلب الشرايين والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية والعكس بالعكس (النسبة الخطيرة هي اقل من 35 ملغ/ ل.)
ما العوامل التي تسبب حدوث "العداء" بينك وبين الكولسترول؟
إن النمط الغذائي وفروقه بين الشعوب والمجتمعات هو العامل الأهم في تلك العلاقة مع الكولسترول، فالشعوب الأوربية والأمريكية تستهلك أغذية دهنية تحتوي علي حوالي 42% من مجموع السعرات الحرارية المطلوبة للجسم، لذا تزداد عندهم علاقة العداء مع الكولسترول، بينما أغذية شعوب جنوب شرق آسيا ودولة جنوب أفريقيا علي سبيل التمثيل (عدا سكانها البيض الذين عاداتهم الغذائية مشابهة لنظرائهم في الغرب) تكثر فيها المصادر النباتية، ولا تشكل الدهون الحيوانية فيها سوي 17 ـ 20% من إجمالي السعرات الحرارية.
في خمسينيات القرن المنصرم كان مصدر الغذاء الرئيس في المجتمعات العربية ومصر هو الحبوب والتي تمدها بنحو(53 ـ 73% من مجموع طاقته الغذائية)، و حوالي 50ـ 70% مما يحصل عليه من بروتين، أما البروتين الحيواني (اسماك، لحوم، بيض، لبن ومنتجاته) فقد كان يشكل نحو 8 ـ 18 جم/ يوم للفرد، وكان استهلاك الدهون والزيوت والتي أكثرها نباتية (4 ـ 11%) من مجموع الطاقة الغذائية.
ولكن في السنين الأخيرة وبسبب الارتفاع النسبي في معدلات الدخول و زيادة الوعي الغذائي، وتغير أنماطه أصبحت الطاقة الحرارية المُحصلة من اللحوم والدهون الحيوانية تزيد عن 35% في المدن الكبرى، وحوالي 25% في الريف، لذا كان السبب الغذائي وارتفاع معدلات البدانة وراء زيادة أمراض تصلب شرايين القلب والدماغ والنوبات القلبية والسكتات الدماغية بصورة كبيرة (2).
كما تبين أن بعض الأشخاص لديهم سبب وراثي عائلي تمنع تكون العدد الكامل في مستقبلات البروتين الدهني المنخفض الكثافة "فرط الكولسترولية العائلي". ومن العوامل الثانوية التي تسبب حدوث "العداء" بينك وبين الكولسترول: عدم ممارسة الرياضة والسمنة المفرطة ومرض السكري والكلى وارتفاع ضغط الدم والتدخين و قصور الغدة الدرقية واستعمال حبوب منع الحمل التي يكثر فيها البروجيسترون، ووجود إصابة مبكرة باعتلال القلب قبل بلوغ سن 55عاماً.
عندما يتفاقم العداء مع الكولسترول ويتصاعد مؤثرا على شرايين القلب أو الدماغ؟
ـ حسب التقرير الدولي لبرنامج العناية بالكولسترول 1987م.. يعتبر مستوى الكولسترول المنخفض الكثافة لدى البالغين مرغوباً فيه إذا كان أقل من 200مليجرام من الكولسترول لكل ديسيلتر من الدم(3) (وهناك أرقام أخري تشير للمعدل الطبيعي بين 130ـ 160 ملليجراما %، والمعدل الطبيعي للجليسيريدات الثلاثية هو 70ـ 165 ملليجراما %)، . والمنطقة الوسطي بين 200ـ 239 مليجرام / ديسيلتر من الدم ، وما فوقها يزيد مخاطر اعتلال شرايين القلب التاجية (الذبحة الصدرية) أو الدماغ ( جلطات وسكتات الدماغ) بصورة كبيرة، فتكون المخاطر فوق المتوسط إذا كان مستوى كولسترول البروتين الدهني المنخفض الكثافة لديهم أكثر من 260ميلجراما لكل ديسيلتر من الدم.
المؤشر مستوي الكولسترول
مليجرام / ديسيلتر مستوي الكولسترول
ملليمول/ لتر
اقل حد للصداقة وللأصابة بأمراض القلب اقل من 200 اقل من 5.2
منطقة وسطي حرجة 200ـ 239 5.2 ـ6.2
خطورة وعداء اعلي من 240 اعلي من 6.2
هذه الأرقام كما وردت في موسوعة ويكيبيديا علي الشبكة العنكبوتية للمعلومات.
بلا دواء.. كيف تستعيد "صداقة" الكولسترول المرتفع في دمك؟
1- الحمية وإنقاص الوزن ليعود لمعدله الطبيعي أمر هام جدا، وهناك مؤشر يمكن من خلاله معرفة المعدل الطبيعي لوزن الجسم، وهو مؤشر كتلة الجسم= الوزن (بالكيلوجرام) ÷ الطول (بالمتر المربع).
فإذا كانت الناتج أقل من 20 فالوزن هو دون الطبيعي. وإذا كان الناتج بين 20-25 فهو طبيعي، وما زاد الناتج عن 25 فإنه غير طبيعي ويعتبر بدانة بدرجات متباينة.
2- بالسيطرة علي غذائك تستعيد صداقته، فينبغي ألا يزيد كمية الكولسترول في الغذاء عن 300 مليجرام يومياً (للبالغين)، وتوجد جداول غذائية تحدد أنواع وكميات الأطعمة وما تحويه من نسب الكولسترول.
3ـ اقطع تناول اللحوم الحمراء قدر الإمكان، والبديل: السمك فهو وراء عدم ارتفاع كولسترول الدم لدي شعوب اليابان والإسكيمو والاسكندنافيين وانخفاض أصابتهم بأمراض القلب. وقلل من لحوم الدواجن الدجاج (بدون الجلد)، ومن الجمبري والأستاكوزه والقشريات عموماً، مع الابتعاد عن صفار البيض والمخ والكبد و الكلاوي، و يسمح 2-3 بيضات /أسبوعيا، و ينصح بالإقلال. وينصح بالاعتدال في تناول الحليب أو اللبن قليل الدسم والجبن قليل الدسم.
4ـ استعمل الدهون أحادية التشبع مثل زيت الافوكاتو واللوز، و يفضل زيت الزيتون أو زيت الذرة أو زيت دوار الشمس في طهي الطعام/ السلطات . يسمح باستعمال السمن المصنوع من زيت الذرة، وتجنب زيت جوز الهند وزيت النخيل والزيوت النباتية(Vegetable Oils). علي الأجمال ينبغي ألا تمد الدهون الجسم بأكثر من 30% من الطاقة الحرارية اللازمة.
5ـ استخدم الألياف الذائبة بانتظام في طعامك .. تناول الخبز الأسمر (ولو كان رقيقاً، مع الإكثار من الخضار والفواكه والاعتماد على النشويات مثل البطاطس والقمح، والإقلال من السكريات والعصائر المحفوظة والمشروبات الغازية والنشويات في الكيك والبيتي فور والبسكويت والجاتوهات والكريمات. ويسمح بالقليل جدا من المكسرات كالفول السوداني والفستق والبندق والجوز لأنها تحتوي على زيوت غير ضارة، و لكنها غنية بالسعرات الحرارية.
6ـ - ممارسة التمارين الرياضية في الهواء الطلق بانتظام مثل المشي والجري والسباحة وركوب الدراجات يمكن أن تقلل من مستوى الكولسترول ينصح بممارسة رياضة المشي السريع لمدة 20-30 دقيقة يومياً ، أو 3-4 مرات أسبوعياً على الأقل
7- وهناك العديد من النباتات والأعشاب يمكنها تخفيض الكولسترول في الدم منها(4):
* التفاح: فأكل تفاحتين أو ثلاث يومياً يخفض الكولسترول لغني القشرة الخارجية للتفاح بمادة البكتين التي تزيل ترسبات الكولسترول.
* الخرشوف: أوراقه تخفض الكولسترول، كما إن جميع أجزاءه تنبه إفراز الصفراء، فهو جيد لمشاكل المرارة، ومقوي للكبد. كما قد يستخدم لتخفيض سكر الدم، ومدر للبول، و يفيد في علاج الروماتيزم.
*الجزر: الجزر وأليافه الذائبة يساعد علي تخفيض مستوى الكولسترول والتخلص منه. كما أنه يدعم الكبد وينبه جريان البول ويخلص الجسم من النفايات الداخلية عن طريق إفرازها عبر الكلى.
الثوم والبصل: يخفضان من ضغط الدم وسكر الدم والكولسترول، كما ثبت تأثيرهما الذي يمنع تكون الجلطات الدموية وذلك بالمحافظة على سيولة الدم، فتقل بذلك مخاطر أمراض القلب.
الجنسنج: من قديم الزمن يستعمل ملايين من الآسيويين ما بين 2ـ 3جرام/ يوميا لتخفيض كولسترول الدم.
*الزعرور: مفيد لمشاكل أوعية وشرايين القلب التاجية، وفي علاج الذبحة الصدرية، وهبوط القلب المزمن، وعلاج عدم انتظام ضربات القلب، فيقوم برفع الضغط المنخفض ويعيد ضغط الدم إلى طبيعته كما يقلل من الاحتقان الناتج من حالات هبوط القلب. كما ان الزعرور يساعد في زيادة كمية الأوكسجين في المخ ويحسن الدورة الدموية في الدماغ ، وله تأثير جيد على الذاكرة.
*الخردل: بذوره تحتوي على معدن الماغنسيوم الذي يساعد في تخفيض نسبة الكولسترول. وقد وجد أن ملء ملعقة طعام من مسحوق بذور الخردل يحتوي على 33ملليجرام من الماغنسيوم وهذا يعادل عشر الجرعة الموصى باستعمالها يوميا.
*نخالة الشوفان:30جرام في طعامك اليومي من نخالة الشوفان يخفض مستوى كولسترول الدم. وقد وجد أن تناول مقدار 2الى 3 اونصات يوميا من نخالة الشوفان أو استعمال الوجبة المعروفة للشوفان كافية لتخفيض كولسترول البروتين الدهني المنخفض الكثافة بمقدار 10الى 16%.
*فول الصويا: يحتوي علي مادة "ليسثين" التي تقوم بتكسير الكولسترول.
8- يبقي عدم اللجوء إلى العلاج الدوائي إلا للأشخاص الذين قد تعرضوا سابقا لمخاطر اعتلال القلب، والذين ليس في مقدورهم التحكم السليم والناجع للكولسترول في غذائهم.
صفوة القول: الطب العلاجي الدوائي يعتني المريض حتى تختفي العلة وتعود الأعضاء لأداء وظائفها كسابق عهدها أو تكاد ، لكن الصحة الوقائية رسالتها تعريف الناس بالآليات المسئولة عن سلامة الغدد والأعضاء والأجهزة وعافيتها، وإعلامهم بأسباب المرض، وكيفية تجنبها والوقاية منها فلا يقعون في حبائله، مع اتباع الإرشادات التي تضبط نمط الحياة من مآكل ومشرب بلا إفراط أو تفريط، يقول تعالى :"يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين"(الأعراف: 31)، متعنا الله تعالي جميعا بالصحة والعافية والسعادة.
الهوامش
1- د. يوسف رياض: قلبك.. وشرايين الحياة، كتاب اليوم الطبي 1982م، ص 101
2- المرجع السابق، ص 100.
3- هذه الأرقام كما وردت في موسوعة ويكيبيديا علي الشبكة العنكبوتية للمعلومات.
4-هذه الأصناف من النباتات والأعشاب يوجد الكثير من المعلومات عنها علي الشبكة العنكبوتية للمعلومات عبر محركات البحث والمواقع الخاصة بالتغذية والأمراض والطب البديل.
بقلم: أ.د. ناصر أحمد سنه.كاتب وأكاديمي من مصر
E.mail:عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
أنت والكولسترول: أصدقاء أم أعداء؟
- التفاصيل