رغم مرور أكثر من عامين على انطلاق الجمعية السورية لمرضى الناعور (الهيموفيليا)، إلا أن قلة من السوريين/ات من سمع باسمها! فالجمعية تعاني فعلا من تقصير شديد في تسليط الضوء على عملها كما على طبيعة المرض الذي تعنى برعاية مرضاه، وواقعه، وأساليب الوقاية منه والتعامل معه.
إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية الجمعية الوحيدة في سورية التي تعنى بهذا الأمر، كما أنها هي الجهة الممثلة للاتحاد الدولي لمرضى الناعور.
الناعور هو مرض يتعلق بنزف الدم، إذ ينزف مرضاه لوقت أطول من غيرهم بسبب نقص في الكمية الصحيحة من عوامل تخثر الدم (بروتينات موجودة في الدم تتحكم بتخثره).
ويصيب المرض نحو شخص من كل عشرة آلاف شخص حول العالم. ونسبة المرض في سورية تعادل نسبته في العالم. إذ يقدر عدد مرضى الناعور في سورية بنحو 2000 حالة. مقسمة على نوعي المرض: ناعور A: وهو الأكثر شيوعا، وينتج عن نقص العامل الثامن من عوامل تخثر الدم. وناعور B: الناجم عن نقص العامل التاسع من عوامل تخثر الدم. إلا أن الأعراض والنتائج هي نفسها في الحالتين.
الجمعية السورية لمرضى الناعور تمكنت من إنشاء سجل واطني للأمراض النزفية يضم حتى اليوم نحو 750 مريض، فيما يستمر العمل على استكمال هذا السجل. كما أنها قامت بزيارة العديد من المدن السورية من أجل التواصل ومتابعة حالة المرضى في هذه المدن (حمص، حماه، حلب، اللاذقية، درعا، الحسكة، السويداء... إضافة إلى دمشق حيث مقر الجمعية).

وخلال عملها قامت الجمعية، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للناعور، ومركز معالجة الناعور والاضطرابات النزفية الوراثية في مونبلييه بفرنسا بمعالجة مفصلة لـ 10 مرضى، وإقامة ورشات عمل لمخبريين ومعالجين فيزيائيين وممرضات، وندوات علمية مختلفة في دمشق وحلب، إضافة إلى إجراء  عملية جراحية لمريض في مركو مونبلييه، وإرسال طبيبين للتدريب في مركز معالجة متطور بفرنسا.

ومؤخرا، تمكنت الجمعية من عقد اتفاق مع السفارة اليابانية في سورية، حيث قدمت السفارة اليابانية منحة بقيمة (96.113) دولار أمريكي خاصة مخصصة لتمويل شراء تجهزيات طبية لعيادة الجمعية السورية لمرضى الناعور. ويغطي هذا المبلغ شراء التجهيزات التالية:
- جهاز PCR
- جهاز وظائف الصفيحات
- خيمة عزل
- مثفلة أنابيب إيبيندورف
- جهاز قياس تركيز (RNA- DNA)
- لوحة تسخين
- جهاز ترحيل هلام مع كاميرا وكمبيوتر وقارئ
- حاضنة جافة
- مثفلة مبردة عادية
- ممصات 5 و10 و50 و100 ميكرومتر
- مجمدة -20

وكما هو واضح فإن هذا الجدول الدقيق، وأسلوب السفارة اليابانية الحريص على استخدام منحها في مكانه الصحيح، يجعل من المستحيل على الجمعية السورية التلاعب بهذه المنحة، أو استغلالها لأي غرض غير الغرض المخصصة له.

إلا أن شيئا ما قد حدث بعيد حفل توقيع المنحة الذي حضره العديد من الإعلاميين/ات والشخصيات الهامة، وغابت عنها وزارة الصحة بشخص وزيرها أو أي من ممثلي الوزارة رغم تلقي الوزارة، ومكتب الوزير شخصيا، بطاقة دعوة لحضور الاحتفالية، وأقيمت برعاية وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

فما الذي جرى؟
كتابين غريبين صدرا عن وزارة الصحة بتوقيع وزيرها د. رضا سعيد.
- الأول: موجه إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ويعبر في بدايته عن اطلاعه على العقد الموقع بين الجمعية والسفارة اليابانية من "خلال الصحف الرسمية"!
وفيما أن المنحة مخصصة لإنشاء عيادة مختصة مجهزة، يخرج كتاب السيد الوزير، بطريقة غريبة، بتأكيد أن الجمعية "لا تملك مخابر مرخصة أصولا لإجراء التحاليل المخبرية"!
لكن الحقيقة تكمن في الجملة التالية مباشرة "وكون المنحة ذات قيمة كبيرة من حيث إمكانياتها"! فهي تثير اللعاب! لا نعرف في الواقع لعاب من.. وإن كنا نستبعد أن يكون السيد الوزير هو المقصود. فهو على رأس وزارة تصرف مليارات الليرات سنويا في مجالات شراء الأجهزة الطبية والأدوية سنويا. لكن، لعل أحد ما (وهو ما سيبدو بوضوح بعد قليل)، قد مرر الأمر بطريقة أو بأخرى..

يخلص الكتاب إلى "اقتراح" أن توضع هذه العيادة التخصصية تحت إشراف زارة الصحة في مشفى دمشق أو أحد المشافي التابعة لوزارة الصحة"! وهذا هو بيت القصيد. فأن تسحب العيادة والمنحة من الجمعية هو الهدف. أما أن "يتمكن جميع الأطباء من العمل والتواصل ودراسة المرضى فيه"، فهذا ليس إلى ذرا للرماد في العيون! لأن المفارقة تقول أن أغلب الأطباء المختصين في هذا المجال في مشافي دمشق العامة هم/ن أعضاء في الجمعية السورية لمرضى الناعور! كما تقول أن أحدا في سورية لم يكن ليهتم بهذا المرض ولا بمرضاه لولا الجمعية السورية التي كانت هي من تنطح ليتعامل مباشرة مع مرض نادر ولكنه مهمل كليا في سورية.
وبما أن مجلس إدارة الجمعية يتشكل من ثلاثة مرضى ناعور (كما يجب في جمعية مختصة بمرض ما)، أستاذة مساعدة في كلية الطب اختصاص في الدمويات ونقل الدم "د. تهاني علي"، و دكتور في أمراض الدم "د. مثقال أبو زرد"، وممرضتين! كما تضم نحو عشرين طبيبا وطبيبة، إضافة إلى الممرضات!

فعن أي "أطباء مختصين" يتحدث كتاب وزارة الصحة؟! وهل هذه الوزارة التي أهملت دائما مرضى الناعور، والتي تمتلك المشافي العامة والمراكز الطبية والمستوصفات عجزت عن تأمين "دراسة حالات مرضى الناعور" إلا عن طريق الاستيلاء على العيادة التخصصية التي نجحت الجمعية السورية (وليس وزارة الصحة ولا اللاعبين من تحت الطاولة فيها) في الحصول على منحة لإنشائها؟! ولماذا لم تبادر وزارة الصحة بإنشاء هذه العيادة "الضخمة الإمكانيات" قبل أن توقع الجمعية السورية الاتفاق مع السفارة اليابانية؟ وهل هناك ما يمنع أن تبادر الوزارة، لو كانت فعلا حريصة على مرضى الناعور وعلى تطوير خبرات الأطباء، من إنشاء عيادات أخرى؟ وهل لا يمكن للأطباء المهتمين فعلا (وليس للموظفين والموظفات الذين يخططون لما يخططون له) أن يحصلوا على الخبرة من خلال عيادة الجمعية نفسها؟
أسئلة كثيرة إجابتها واحدة: هذا الكتاب لا هدف له سوى ضرب ما فعلته الجمعية السورية لمرضى الناعور، والاستيلاء على عملها. والنتيجة معروفة: عيادة فاشلة كما هي عيادات مختلفة في أمراض خاصة (مركز التلاسيميا مثلا)!

الكتاب الثاني، لا يثير الدهشة فقط، بل ربما يمكن القول أنه "فريد" من نوعه في سورية. إذ ينص الكتاب الموجه إلى وزير التعليم العالي على:
"يرجى ترشيح من ترونه مناسبا للمشاركة بعضوية اللجنة الوطنية للهيموفيليا، على أن يتمتع بالصفات التالية:
1- أن يكون اختصاص أمراض دم أو اختصار أمراض دم عند الأطفال.
2- لديه خبرة عملية في مجال تدبير مرضى الناعور.
3- أن لا يكون عضو في جمعية خيرية خاصة بمرض الناعور".

هل قرأ السيد الوزير البند الثالث؟
لا توجد في سورية جمعية خاصة بمرض الناعور سوى الجمعية السورية لمرضى الناعور. والوزارة تعرف ذلك جيدا. أفما كان الأجدر أن يكون البند الثالث على النحو التالي: أن لا يكون عضوا في الجمعية السورية لمرضى الناعور؟ على كل حال النتيجة واحدة.

كيف يمكن لوزارة أن تضع مثل هذا الشرط؟ تريد عضوا للجنة الوطنية (الوطنية، وليست خاصة بمشفى، أو بلدة..)، لا يكون في جمعية سورية حاصلة على الترخيص والإشهار أوصلا (قرار رقم 321 تاريخ 2006)! بل هي جمعية مختصة بكل معنى الكلمة؟ وتضم العديد من الأطباء والطبيبات في الاختصاص نفسه؟ ورئيسة مجلس إدارتها هي استاذة مساعدة في أمراض الدم؟ بل إنها حاصلة على دبلوم خاص في نقل الدم من فرنسا؟!

الأمر غريب فعلا؟ على هذا النحو، يجب أن لا يكون عضو اللجنة الوطنية العليا للإعاقة ينتسب إلى أي جمعية تعنى بالإعاقة؟!

وزارة الصحة نفسها هي التي لا يتوقف مكتبها الصحفي عن إعلان المزيد من "التعاونات" مع الجمعيات والمنظمات المعنية.
ففي خبر قبل أيام، قالت الوزارة "تنفيذاً لأحكام المرسوم التشريعي رقم 62 للعام 2010 الذي أصدره السيد رئيس الجمهورية والخاص بمكافحة التدخين والذي سيتم تطبيقه بتاريخ 21 نيسان من العام الحالي أصدر الدكتور رضا سعيد وزير الصحة القرار التنظيمي رقم 12 للعام 2010 شكل بموجبه اللجنة الوطنية لمكافحة التدخين وتنفيذ مقررات المرسوم التشريعي 62 من خلال وضع الخطط والبرامج ذات الصلة بنشر الوعي حول مضار التدخين للمخالطين وغير المخالطين وذلك بمشاركة ممثلين عن مختلف الوزارات والمنظمات المعنية".!
وفي شباط الماضي قالت الوزارة "ترأس الدكتور رضا سعيد وزير الصحة الاجتماع الأول للجنة الوطنية الاستشارية لداء السكري وتم خلال هذا الإجتماع البحث في  مهام هذه اللجنة من الناحية الفنية وإمكانية الإسراع بإستحداث السجل الوطني لمرضى  السكري والتعاون مع الجهات المعنية في وزارة التعليم العالي والخدمات الطبية العسكرية إضافة إلى الجمعيات الأهلية المعنية بالصحة بما يضمن تنسيق الجهود وضمان رعاية طبية مستدامة لمرضى السكري وفق معايير محددة".

لكن ذلك لا يتعلق طبعا باللجنة الوطنية للهيموفيليا! فهنا الأمر مختلف. ما هو المختلف؟ هذا ما لم يستطع أحد أن يعرفه. حتى د. تهاني علي، رئيسة مجلس إدارة الجمعية السورية لمرضى الناعور فشلت في معرفة ما الذي يجري. وعبرت لـ"نساء سورية" عن دهشتها من كتابي وزارة الصحة! وبينما أكدت صحتهما، شككت في أن يكون د. رضا سعيد، وزير الصحة، قد اطلع فعلا على مضمونهما! فهذين الكتابين يتناقضان تماما مع التزام الدولة تجاه العناية الصحية للمواطنين والمواطنات في سورية، كما أنهما يتعارضان مباشرة مع توجه الحكومة المعلن في أكثر من مناسبة حول الشراكة مع الجمعيات السورية من أجل النهوض بواقع مجتمعنا.

القرار يعني، فعليا، إخراج د. تهاني علي من اللجنة الوطنية، (وفق القرار رقم 5525 الصادر عن وزيرة الصحة السابق د. محمد إياد الشطي). وهل هناك ما يلفت الانتباه بين هذا "القرار" الجديد الصادر عن وزارة الصحة، وبين قرار آخر صادر في 4/2009 عن رئاسة جامعة دمشق توافق فيه على تسمية د. تهاني كمنسقة لبرنامج تطوير التحالف الشامل للناعور؟
وهل هناك ما يثير في أن الجمعية التي أقصيت بقدرة قادر عن اللجنة الوطنية للناعور هي نفسه ممثلة الاتحاد الدولي للناعور في سورية؟

يبدو أن القضية تخص نوعا من "تصفية حسابات"! فمن هو الذي يصفي حساباته مع الجمعية السورية لمرضى الناعور على حساب نحو 2000 مريض ومريضة؟ من هو الذي يسعى لكي يقصي الخبرات الحقيقية والكفوءة عن هذا العمل الهام؟
وهل سيعيد السيد الوزير النظر فيما صدر عن مكتبه وبتوقيعه؟ خاصة أن الجميع يرى أنه لا يمكن أن يكون وزير الصحة قد اطلع فعلا على مضمون الكتاب. ربما هذا صحيح. فإذا كان، لماذا لم تبادر وزارة الصحة إلى تدارك الخطأ؟ لماذا لم تعمل فورا على إلغاء قرارها ذاك؟

أسئلة كثيرة قد لا تغلق فورا.. وقد تفتح على مواضيع أخرى ليست أقل أهمية. لكن، وبغض النظر عما سيكون، مسؤولية وزارة الصحة تكون داعمة لأي جمعية أو منظمة تعمل بشفافية ووضوح في أي من مجالات عملها، لا أن تشكل سلاحا في يد من يسعى إلى تحقيق مآربه الخاصة ضاربا عرض الحائط بمصلحة المجتمع السوري.

- نساء سورية))

JoomShaper