شهدت فترة جائحة كورونا خلال العامين الماضيين تقلبات وإكراهات عدة؛ جعلت كثيرا من الأسر أكثر قدرة على التكيف، وغيّرت أسلوب العديد من الآباء والأمهات وطرق تعاملهم مع أبنائهم.
فقد شعر كثير من أرباب الأسر بضغط كبير بسبب قلقهم على فلذات أكبادهم في الفترة الماضية، في حين كانوا هم أنفسهم يحاولون إخفاء معاناتهم ومخاوفهم من الجائحة عبر الحديث الخافت عن اللقاحات، والحرص على إيقاف تدفق الأخبار، في الوقت الذي كانت عيون أبنائهم تمتلئ تساؤلا أو اصطناع الابتسامات لإقناعهم بأن عيد ميلاد آخر عبر تطبيق "زوم" هو فعلا لحظة ممتعة.
اختبار للأبناء والآباء
ويرى عالم النفس والمدير التنفيذي لمؤسسة الطفولة الأسترالية جو توتشي -في تقرير نشرته غارديان (The Guardian) البريطانية- أن الفترة الماضية "كانت واحدة من تلك الأوقات التي يمر فيها الأطفال باختبار يتعامل معه الآباء أيضا في الوقت نفسه، إنها لحظة يفتقر فيها الآباء للقدرة على التحكم والتخطيط، وهو تهديد وجودي نتعاطى معه أمام أطفالنا؛ لذلك أصبحت الأبوة والأمومة عملية أكثر تكيفا".
وفي حين يواصل الآباء كفاحهم أمام تداعيات الصدمات مع أطفالهم بات البعض منهم يدرك أن ما تعلموه على مدار العامين الماضيين له بالفعل قيمة حقيقية ودائمة.
قضاء الوقت معا
ويؤكد نيك تيبي، المسؤول التنفيذي الوطني في منظمة "علاقات أستراليا" العاملة في الحقل الاجتماعي، أن الوباء "أعاد إحياء أهمية أن نكون قادرين على قضاء الوقت مع أطفالنا. لقد استمد الناس قوة حقيقية من هذا الأمر حتى أنهم اندهشوا من مدى تمتعهم بقضاء وقتهم معا".
وهو الأمر ذاته الذي ذهب إليه توتشي، إذ يرى أن القيام بشيء ما معا يمكن أن يكون ملاذًا ليس فقط للأطفال بل للآباء أيضا. إن "عدم القيام بأي شيء على الإطلاق معا هو أفضل".
ويروي توتشي قصة أحد الآباء وابنه خلال فترة الإغلاق قائلا "كان هناك أب كنت أراه في الحديقة بالقرب من منزلنا بانتظام أثناء الإغلاق، كل ما كان يفعله مع طفله (3 سنوات) هو الاستلقاء على العشب، كانوا يلتقطون ورقة شجرة ثم يضعونها في كومة من الأوراق، ثم يلتقطون ورقة أخرى ويضعونها في كومة أخرى. هذا كل ما كانا يفعلانه؛ وكان الطفل سعيدا".
صحبة الأبناء
وتحدث بعض الآباء لصحيفة غارديان عن الأسباب التي تجعلهم يفضلون البقاء مع أطفالهم في المنزل، رغم أن الأمر يكون في الغالب مرهقًا ومليئا بأمور غير متوقعة، حيث كان لدى بعضهم إحساس بالتعويض وتدارك الوقت الضائع نظرًا لكون أطفالهم يمضون سابقا كثيرا من الوقت في الحضانة، في حين أدرك آباء آخرون لأطفال أكبر سنًا أنهم يستمتعون بالفعل بصحبة أبنائهم.
ويرى نيك تيبي أنه بات لدى الآباء الآن وعي أكبر بأهمية الصحة النفسية، وكانوا خلال فترة الوباء حاضرين لمتابعة المشاعر والأحاسيس ومراقبة أطفالهم عن كثب، وأصبحوا "أكثر انسجاما" مع احتياجات أطفالهم لأنهم يرصدون الآن أبسط وأصغر الأشياء التي تثيرهم.
المصدر : غارديان