أمل طه
منذ فجر التاريخ والإنسان يحاول أن يجد وسيلة للتواصل، رسم على جدران الكهوف، وحاكى أصوات الطبيعة، وقلد أصوات الحيوانات؛ فنشأت اللغة بأشكالها المختلفة التي نعرفها عليها اليوم، ويُعد الكلام هو الجانب المسموع من اللغة وأحد أشكال اللغة الأكثر خصوصية، لكن هناك بعض الاضطرابات الكلامية التي تصيب الإنسان والتي من بينها «أبراكسيا» فما هو؟
صرخة الميلاد وأول طرق التواصل
يبدأ الإنسان في تعلم الكلام منذ لحظة الميلاد، ويعد بكاء الرضيع هو أولى علامات التواصل مع العالم المحيط به، فبحسب موقع المعهد الوطني الأمريكي للصم واضطرابات التواصل، يمر الطفل بسلسلة من التطورات النمائية تساعده على التعرف إلى الأصوات المحيطة به منذ لحظة الميلاد، والتي تساعده في إصدار أصوات الكلام التي تتكون منها لغته الأم، وتستمر عملية التطور خلال هذه الفترة إلى أن يستطيع الطفل نطق كلماته الأولى عندما يكمل عامه الأول.


يستمر الطفل في تطوير مهاراته اللغوية ويكتسب الكثير من الكلمات خلال مرحلة الطفولة المبكرة – الفترة من سنتين إلى خمس سنوات – وهي الفترة التي تشهد تطور ونمو الدماغ بشكل كبير، ويوضح دكتور عبد العزيز الشخص في كتابه «اضطرابات النطق والكلام» أن الكلام يمر بثلاث مراحل أساسية:
مرحلة الاستقبال: وهي المرحلة التي يستقبل فيها الطفل المثيرات الصوتية المختلفة المحيطة به عن طريق حاسة السمع، وبشكل عام كلما كانت هذه المرحلة غنية بالأصوات والتعرض المستمر للأحاديث؛ ساعد ذلك في تطور النمو اللغوي للطفل بشكل أفضل.
مرحلة المعالجة: وتتم مرحلة المعالجة وتفسير الكلام في المخ، وتحديدًا في منطقة فرونكا، التي تساعد على تفسير الكلمات وفهمها، ثم منطقة بروكا وهي المسئولة عن عملية التحكم في عضلات الفكين واللسان والحنجرة وعضلات الوجه، وتتحكم في عملية تشكيل الجمل الصحيحة وتكوينها.
مرحلة الإرسال: هي مرحلة إصدار الكلمات، ويشترك في هذه المرحلة عدة أجهزة: الجهاز التنفسي، والجهاز الصوتي، وجهاز الرنين، وأجهزة النطق. فما هو الكلام؟
الكلام: الجزء الظاهر من اللغة
هو أحد أشكال اللغة وهو الجزء الظاهر منها، ويعرفه دكتور عصام النمر في كتابه «اضطرابات التواصل المفهوم، التشخيص، العلاج»، بأنه الطريقة اللفظية التي يعبر بها الإنسان ويعتمد فيها على استخدام الرموز الصوتية التي لها معنى محدد وواضح فى الإطار الثقافي الخاص به.
وما هو الجزء الخفي من اللغة إذن؟
تُعد آلية إنتاج اللغة في شكل كلمات منطوقة هي الجزء الخفي من اللغة، وهي الجزء الأكثر تعقيدًا من اللغة، ويوضح دكتور قحطان الظاهر في كتابه «اضطرابات اللغة والكلام»، أن إنتاج الكلمات يعتمد بشكل أساسي على التناسق العضلي الحركي والعصبي الدقيق بين أعضاء اجهزة الكلام وتكوينه في المخ وإنتاجه في السياق المناسب، ويسبب الخلل في عملية التناسق هذه، ما يعرف باسم اضطراب «أبراكسيا».
ما هي الأبراكسيا؟
يُشير موقع «فري جود فاميلي» الطبي إلى أن الأبراكسيا هي اضطراب عصبي، يؤثر في مسارات الدماغ المشاركة في تنسيق تسلسل أعضاء النطق والكلام في أماكنها الصحيحة أثناء الحديث، ويؤثر بشكل خاص في القدرة على التحكم في عضلات الفك واللسان والشفتين، وهي العضلات المسئولة عن إنتاج الكلمات على الرغم من سلامتها وعدم إصابتها بالشلل.
الأطفال والبالغون أيضًا في مرمى أبراكسيا
تُعد أبراكسيا إحدى اضطرابات الكلام التي تُصيب الأطفال والبالغين، وتشير مقالة منشورة على موقع الجمعية الأمريكية للصم إلى أن هناك نوعين من هذا الاضطراب:
رجل مصاب بالأبراكسيا
أبراكسيا مكتسبة: وهي التي تُصيب الأشخاص في أي عمر، وغالبًا ما تصيب البالغين نتيجة تلف في بعض أجزاء المخ المسؤولة عن التحكم في حركات الكلام أو نتيجة الإصابة بالسكتة الدماغية أو بعض الأورام.
أبراكسيا عند الأطفال: هي اضطراب في الأداء النمائي للكلام يولد به الطفل، وفيه تتطور قدرة الطفل على الكلام وفقًا لمسار النمو الطبيعي، لكن بسبب خلل في نقل الرسائل المسئولة عن تنسيق حركة الكلام من المخ الى أعضاء الكلام؛ لا يستطيع تحريك لسانه أو شفتيه بالشكل الصحيح، على الرغم من قدرته على فهم ما يقال له، وتكمن المشكلة هنا في المرحلة الأخيرة من مراحل الكلام وهي «مرحلة إصدار الكلام».
والسبب.. غير معروف!
وفقا لمقالة نشرها قسم اضطرابات أمراض النطق والكلام بمستشفى فيلادلفيا للأطفال، فإن أبراكسيا عند الأطفال تحدث نتيجة لخلل في تنسيق الإشارات التي تصدر من المخ إلى أعضاء الكلام، إلا أن السبب وراء هذا الخلل غير معروف، على عكس أبراكسيا المكتسبة، تحدث نتيجة إصابة المخ.
كيف يبدو الطفل المصاب به؟
يذكر موقع الجمعية الأمريكية للسمع والنطق واللغة (ASHA) بعض العلامات التي عادة ما تظهر عند الأطفال المصابين بأبراكسيا والتي قد تُساعد في تشخيص حالتهم، ومنها:
كل مرة ينطق بشكل مختلف: يجد صعوبة في تكرار نطق الكلمات فينطق الكلمة مرة بشكل صحيح ثم يجد صعوبة في نطقها بعد ذلك.
يشوه أو يغير الأصوات: لا يستطيع الطفل نطق الحروف أو الأصوات بشكل سليم بسبب خلل في ترتيب الحركات المسئولة عن إصدار الأصوات والكلام.
صعوبة في المهارات الحركية الدقيقة: لا يستطيع الطفل القيام ببعض الحركات التي تحتاج إلى مهارات دقيقة مثل خلع ملابسه أو ارتداء حذائه.
يتكلم بشكل تلغرافي: عادة ما يميل الطفل إلى تبسيط الجمل من حيث استخدام السياق النحوي السليم، فيستخدم كلمات مجردة.
مشاكل في التهجئة والقراءة والكتابة: تنتج مشكلات التهجئة نتيجة تحريف الطفل لبعض الأصوات الساكنة وعدم قدرته على التحكم في العضلات المسئولة عن الكلام، كما أن مشكلات الكتابة تحدث بسبب عدم قدرته على أداء المهارات الحركية البسيطة.
يتوقف أثناء الكلام: عادة ما يتوقف الطفل في منتصف الكلام عندما يسمع طريقة كلامه محاولًا تدارك الخطأ.
وهل هناك علاج للأبراكسيا؟
يشير دكتور ابراهيم عبد الله الزريقات في كتابه «اضطرابات الكلام واللغة، التشخيص والعلاج» إلى أن هناك مجموعة من الإستراتيجيات التي تستخدم لعلاج اضطرابات الكلام الحركية مثل أبراكسيا، وغالبًا ما يكون الهدف من العلاج هو تخفيف المشكلة والحد منها وليس القضاء عليها بشكل نهائي.
وتشير مقالة منشورة على موقع «ويب ميد» الطبي إلى أنه في بعض حالات أبراكسيا المكتسبة يستطيع المريض استعادة بعض قدرته على الكلام أو كلها تلقائيًّا، على عكس أبراكسيا عند الأطفال التي تحتاج إلى استخدام آليات معينة لعلاج النطق والكلام والتي يقوم بها أخصائي التخاطب، ومنها:
برنامج مكثف من تدريبات النطق لتحسين تنسيق الكلام عن طريق ضبط إيقاع بعض الحروف والأصوات ولحنها.
استخدام المرآة لمشاهدة حركات الوجه السليمة عند محاولة تكوين الكلمة، ولمس الوجه أثناء التحدث.
اعتماد إستراتيجية التكرار عند استخراج أصوات الحروف ونطقها.
وفي النهاية يوجد عدة طرق لعلاج أبراكسيا معظمها يعتمد على إعادة تأهيل الطفل لنطق الأصوات بشكل صحيح، ووفقًا لموقع المعهد الوطني الأمريكي للصم واضطرابات التواصل قد يحتاج الأطفال الذين يعانون من أبراكسيا إلى سنوات من التدريب والعلاج التخاطبي حتى يستطيعوا أن يقتربوا من الشكل الطبيعي للكلام، في حين أن حالات أبراكسيا الشديدة قد تحتاج إلى إيجاد طرق بديلة للتعبير مثل لغة الإشارة أو الاستعانة ببطاقات مصورة لشرح ما يريد الطفل قوله

JoomShaper