ديمة محبوبة
عمان- تجلس الستينية أم الأمين على مقعدها في غرفة الجلوس أمام التلفاز، ويقع اختيارها على إحدى القنوات الفضائية التي تقدم برامج متخصصة بالصحة الجسدية والنفسية، وتحتسي الأعشاب المفضلة لديها، كما تتصفح هاتفها ومواقع التواصل الاجتماعي بين الفينة والأخرى.
تتصفح أم الأمين المواقع الصحية “التي انضمت لها”، والتي تقدم العديد من المعلومات حول الأمراض المزمنة، فتبحث عن أعراض جميع الأمراض وتربط فيما بينها وبين الآلام التي تشعر بها، ليزداد قلقها وخوفها، ثم تبادر بحجز مواعيد فحص عند العديد من الأطباء المختصين.
تعيش أم الأمين هذا الحال منذ عامين، تقول ابنتها سامية “والدتي تعيش الخوف والقلق من الأمراض، وهذه الحالة ازدادت وتفاقمت بعد انتشار فيروس كورونا، الذي كشف الكثير من الأمراض بين الأقارب والأصدقاء المحيطين بها، الذين أصيبوا بالمرض وتدهورت صحتهم، ومنهم من رحل نتيجة الإصابة بالفيروس”.
وتقول إنها، وبشكل أسبوعي، تتفاجأ بأن والدتها تأخذ مواعيد للكشف والفحوصات ومراجعات لأطباء مختلفين، مبينة أنها تحاول أن تتحدث مع والدتها بألا تبالغ بهذا الشيء، لكنها أدركت أن ما أصابها ما هو إلا وسواس وخوف، لذلك تصمت وتسايرها بهذه المواعيد الكثيرة والمتكررة.
ما يقلق سامية، أن والدتها دائما ما تتحدث عن أمراض كبيرة ومخيفة من مجرد أن يصيبها عارض صغير، وتقول لأبنائها “أنا أكيد عندي هذا المرض.. أنا حسيت بنفس الأعراض.. ولا يوجد له علاج”، كما أن كم الصفحات التي تظهر لها على مواقع التواصل وتتحدث عن الأمراض يزيد من شعورها للعيش بحالة من الاضطراب.
وحالة أخرى لأبو عبد الله الذي يقارب على الثمانين عاما، وبالرغم من اهتمام أبنائه به وبصحته والمراجعات الدورية للأطباء والتأكد من أن قراءات السكري وضغط الدم جيدة، لكن الأمر لا ينتهي، فعند سماع أبو عبد الله لصديق بأنه يعاني من مرض معين أو خلل في قراءات الدم أو خضع إلى صورة رنين أو طبقية لأي سبب، يبدأ بالخوف على نفسه والتوهم بأن هذه الأمراض لديه، وأن على أبنائه أخذه وعمل هذه الصور له، حتى أنه لا يهدأ ولا يكف عن الشكوى إلا بأن يجري الفحص اللازم الذي أجراه أحد أصدقائه، وفق وصف ولده فراس.
ويشرح فراس “تنتاب والدي حالة من القلق والخوف عند سماعه بموت أحد من الأقارب أو الأصدقاء، وتحديدا إن كان سبب الموت مرضا ما، فيبدأون بالتخفيف من هذه المخاوف التي تصل أحيانا للهلع، ولا ينتهي ذلك اليوم، إلا من خلال وعده في اليوم التالي بمراجعة الطبيب وإجراء فحوصات جديدة”.
ويؤكد أن خوفهم على والدهم والحيرة التي تتملكهم عندما يتوهم الأمراض تزيد من خوفهم عليه، خصوصا وأن العامل النفسي ركن أساسي في التأثير على صحة الإنسان.
اختصاصي علم الاجتماع د. حسين خزاعي، يؤكد أن السبب في حالات الخوف والرعب من المرض هو تهويل بعض الأطباء أحيانا بالأعراض والحديث بكثرة عن الأمراض، فبالرغم من أهمية ما يقوم به البعض والتوعية بأمراض معينة وكيفية كشفها، إلا أن على الطبيب أن يكون أكثر تفصيلا بمن يصيب هذا المرض وكيفية الإصابة به، وما الأعراض بدقة، حتى يقوم الفرد بالفحص والكشف عن وجود المرض أو لا.
ويلفت إلى أن تعرض كبار السن لمثل هذه الأخبار والمعلومات، يأتي بسبب انتشار الأجهزة الخلوية، ومتابعة مواقع التواصل والصفحات الطبية، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة بتوهم أمراض في الحقيقة غير موجودة.
وينصح خزاعي، الأبناء، بمراعاة مشاعر كبار السن والتواجد دائما بجانبهم، فمهما كبر الفرد، فإنه ما يزال متشبثا بالحياة ويريد أن يبقى كما هو بصحة جيدة، وألا يرهق أهله ويحزن على نفسه، فأحيانا هذه المشاعر تترجم على أن كبير السن يعيش حالة القلق والخوف على الذات وأحيانا تصل لمرحلة الهوس.
اختصاصي علم النفس د. علي الغزو، يبين أن هناك مرحلة عمرية يعيشها الفرد أحيانا لا يريد زيارة الطبيب حتى وإن توجبت عليه هذه الزيارة، لكن مع تقدم العمر تصبح هذه الزيارة دورية خوفا من المرض والرهاب منه، ولمن يعانون من هذا الاضطراب يسمى بالمراقان، ويقصد به الخوف واعتلال الجسد، وأن أي عرض يشعر به كبير السن كالصداع، على سبيل المثال، فإنه يرى أن سببه مرض خطير.
ويؤكد الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)، الذي نشرته الجمعية الأميركية للطب النفسي، أنه لم يعد يشمل المراق ويسمى أيضا المراقان، وهو الإصابة باضطراب القلق المرضي، الذي يكون التركيز فيه من الخوف والقلق على أحاسيس جسدية غير مريحة أو غير عادية دلالة على وجود حالة طبية خطيرة.
اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، يؤكد أن أعراض هذا المرض هي رهاب الإصابة بالمرض أو الأمراض الخطيرة، فمن يقلق مثلا من خروج أصوات طبيعية من المعدة يفكر بأن هذه الأصوات من الممكن أن تكون سببا لمرض خطير، على سبيل المثال.
فمن هذه الأعراض، مثلا، القلق من أن الأعراض الخفيفة قد تعني أن الفرد مصاب بمرض خطير.
ويلفت الى أن القلق ينتشر أحيانا بشكل مفرط بشأن وجود حالة طبية معينة أو وجود خطر للتعرض بسبب مرض لدى أحد أفراد العائلة، والشعور بقدر كبير من التوتر بشأن الأمراض المحتملة، مما يزيد من صعوبة أداء المهام العادية.
وينصح “على العائلة محاولة بث الوعي والطمأنينة لكبير السن الذي يعاني من هذا الاضطراب، وإن كان هذا الأمر مسيطرا عليه، لا ضير من بعد التأكد من صحته الجسدية وخلوه من الأمراض من عرضه على طبيب نفسي مختص للخضوع إلى العلاج الذي يشعره بالأمان والبعد عن هذا القلق المعيق لحياته العامة”.