محمد صلاح
في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كشفت دراسة هي الأولى من نوعها عن مستويات خطيرة من مواد كيميائية مسرطنة في المنتجات البلاستيكية السوداء، المستخدمة في تغليف الطعام وألعاب الأطفال. وجاءت هذه النتائج عقب اكتشاف تسرب "مُثبطات اللهب"، وهي مواد كيميائية تُستخدم بكثافة في المنتجات الإلكترونية مثل أجهزة التلفاز لتأخير اشتعال الحرائق، إلى أدوات المطبخ، وأطباق الوجبات السريعة، وألعاب الأطفال البلاستيكية.
ويحدث هذا التسرب نتيجة إعادة تدوير النفايات الإلكترونية المحتوية على البلاستيك، مما يؤدي إلى نقل المواد الكيميائية السامة إلى منتجات يومية. وقد حظرت وكالة حماية البيئة استخدام هذه المواد نظرًا لسمّيتها وخطورتها على البشر والبيئة، إذ ارتبطت بمشكلات صحية خطيرة، تشمل السرطان، واضطرابات الغدد الصماء، والسمية العصبية، والأضرار الإنجابية.
وأظهرت الأبحاث أن هذه المواد يمكن أن تتسرب من المنتجات إلى الغبار والهواء في المنازل، وتنتقل عبر مياه الصرف الصحي، مما يلوث البيئة ومصادر المياه والغذاء، بل وحتى أجسامنا.
لذلك، ينصح الخبراء بتقليل استخدام البلاستيك الأسود، خاصة في المنتجات الملامسة للطعام، مع توجيه تحذيرات خاصة للأطفال والنساء في سن الإنجاب. وتُقدّر الدكتورة ميغان ليو، المشرفة على الدراسة، أن متوسط تعرض الأفراد لمثبطات اللهب قد يصل إلى 35 جزءا في المليون يوميا، مما يستدعي ضرورة اتخاذ إجراءات للحد من هذه المخاطر الصحية العالمية.
مثبطات اللهب السامة في 85% من العينات
لتحديد إذا ما كانت المنتجات المنزلية البلاستيكية السوداء تحتوي على مثبطات اللهب (ثنائي الفينيل متعدد البروم)، قالت ليو، إنها وفريق الباحثين قاموا بفحص 203 عناصر منزلية مصنوعة من البلاستيك الأسود، شملت علب الوجبات الجاهزة، وصواني السوشي والوجبات السريعة، وألعاب الأطفال، وأدوات المطبخ مثل المغارف والملاعق.
وتم العثور على مثبطات اللهب في 85% منها، وبتركيزات إجمالية تصل إلى 22.8 ألف مللغم لكل كيلوغرام، وبعضها تم اكتشافه مؤخرا في حليب الثدي.
وأشارت نتائج البحث إلى أن متوسط ما يمكن أن يتناوله من يستخدمون أدوات المطبخ البلاستيكية السوداء، يبلغ 34.7 ألف نانوغرام في اليوم (النانوغرام = جزء من المليار من الغرام).
وهو ما يعادل من 5 إلى 1200 مرة، أكبر من الحد الأقصى الذي قرره الاتحاد الأوروبي، والبالغ 10 أجزاء في المليون.
الأشخاص الذين كان لديهم مستويات أعلى من مركبات مُثبطات اللهب في دمائهم، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسرطان بنسبة 300%
الأشخاص الذين لديهم مستويات أعلى من مركبات مُثبطات اللهب في دمائهم أكثر عرضة للإصابة بالسرطان بنسبة 300% (بيكسلز)
البلاستيك الأسود في لعب الأطفال
كشفت ليو، لشبكة "سي إن إن"، أن "القلائد البلاستيكية السوداء التي يرتديها الأطفال ضمن الملابس التنكرية، كانت في مقدمة المنتجات التي تحتوي على مستويات مثبطات اللهب، بما يصل إلى 22 ألفا و800 جزء في المليون، أي ما يقرب من 3% من وزن القلادة التي غالبا ما يلعب بها الأطفال لعدة أيام متتالية حتى يتعبوا منها". وأوضحت ليو "أن مثبطات اللهب تصل للأطفال عندما يضعون الألعاب البلاستيكية السوداء التي قد تحتوي على 4 أنواع مختلفة من هذه المادة في أفواههم".
لذا كررت جيمي روس، أستاذة علم الأعصاب المساعدة بجامعة رود آيلاند، والباحثة في تأثير المواد البلاستيكية الدقيقة على الصحة، التأكيد على أن "أي شيء مصنوع من البلاستيك الأسود يلعب به الطفل، أو يُستخدم في الطعام؛ فهو يستحق مزيدا من الحذر".
الأجهزة التي تحتوي على مثبطات اللهب
تقول ليو، إن أكثر مثبطات اللهب التي وجدتها الدراسة في المنتجات الاستهلاكية خطورة، هي تلك "المستخدمة في العبوات الإلكترونية لأجهزة التلفزيون، وغيرها من الأجهزة الإلكترونية".
ووفقا لموقع مجلس الكيمياء الأميركي، "يحتوي المنزل المتوسط على أكثر من 20 منتجا إلكترونيا، بما في ذلك أجهزة التلفزيون والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر وأنظمة الألعاب والأجهزة اللوحية. ورغم أن هذه الأجهزة مدمجة في حياتنا اليومية، فإنها يمكن أن تشكل مخاطر بسبب محتواها من مثبطات اللهب"، إذ يستخدم المصنعون مثبطات اللهب في "الأرائك وكراسي المكتب وتنجيد السيارات ومقاعد الأطفال الرضع وحشو السجاجيد وحصائر اليوغا وأغراض الأطفال المبطنة بالرغوة الإسفنجية". ومن ثم، يمكن لمثبطات اللهب أن "تتسرب من المنتجات إلى الهواء ثم تلتصق بالغبار والطعام والماء، ويمكن تناولها"، وفقًا للمعهد الوطني لعلوم الصحة البيئية.
لا يوجد مستوى آمن لمثبطات اللهب
فقد وجدت دراسة نُشرت في أبريل/نيسان الماضي "أن الأشخاص الذين كانت لديهم مستويات أعلى من مركبات مُثبطات اللهب في دمائهم، كانوا أكثر عرضة للإصابة بالسرطان بنسبة 300%". وقال الدكتور ليوناردو تراساند، أستاذ طب الأطفال وصحة السكان في مدينة نيويورك -الذي لم يشارك في الدراسة- إنه "لا يوجد مستوى آمن لبعض مثبطات اللهب، فهي مثيرة للقلق بسبب سميتها وميلها إلى التراكم البيولوجي، أو البقاء داخل الجسم لسنوات"، موضحا أنها -على سبيل المثال- كلفت نظام الرعاية الصحية في الولايات المتحدة 159 مليار دولار عام 2018.
دعوة لليقظة
إنها دعوة لليقظة"، كان هذا تعليق ليندا إس بيرنباوم، الباحثة في كلية نيكولاس للبيئة بجامعة ديوك، على الدراسة لمجلة هيلث، موضحة أن القلق الجديد الذي أثير في هذه الدراسة هو "كشفها أن البلاستيك الأسود الذي لا ينبغي إعادة تدويره، ينتهي به المطاف في منتجات تؤدي إلى تعرض الإنسان لمخاطر كبرى مثل السرطان، والتأثيرات العصبية والإنجابية"، وشددت على "التوقف عن استخدام أدوات الطهي وعبوات الطعام الجاهز، المصنوعة من البلاستيك الأسود".
أيضا، تحذر بيرنباوم من أن "العديد من الأشخاص يغسلون العبوات البلاستيكية السوداء التي تأتي فيها أطعمتهم ويعيدون استخدامها"، وتنصح بدلا من ذلك "بإخراج الطعام على الفور من هذا البلاستيك الأسود، ووضعه في طبق من الزجاج أو الفولاذ المقاوم للصدأ أو السيراميك".
وشددت على "تجنب استخدام الميكروويف أو تسخين الحاويات البلاستيكية السوداء بالطعام، حيث تشجع الحرارة المواد الكيميائية على التسرب إلى الطعام الذي تتلامس معه".
خطوات للتقليل من التعرض للتلوث بمثبطات اللهب
بحسب ليو، هناك 4 خطوات من شأنها أن تقلل من التعرض للتلوث بمثبطات اللهب، وهي:
كن متسوقا حذرا، وابحث عن منتجات الشركات التي تستبعد مثبطات اللهب من منتجاتها.
استبدل أدوات المطبخ البلاستيكية بأخرى من الفولاذ المقاوم للصدأ، أو الأدوات الخالية من البلاستيك.
اهتم بمسح الأتربة والتنظيف بالمكنسة الكهربائية بانتظام، لإزالة الغبار الذي من المحتمل أن يكون ملوثا بمثبطات اللهب؛ أو أي مواد كيميائية مقلقة أخرى.
غسل اليدين المتكرر، والتهوية المناسبة يمكن أن يساعدا أيضا في تقليل التلوث بمثبطات اللهب.