د. كميل موسى فرام
يبدأ كل منا حياته التكوينية ونموه داخل رحم أمه معززا مكرما في بيئة مثالية ربانية، أساسها تضحية الأم ومعاناتها للمحافظة على النسل البشري والاستمرارية، والرحم كعضو في جسم المرأة يعتبر المسؤول المباشر عن ظروف النمو والتطور لكل جنين يسكنه، ويعود لحاله بعد استقلال ضيفه في الحياة يوم ولادته، استعدادا لتضحية جديدة، وطبيعة الرحم التكوينية والفسيولوجية والوظيفية تؤهله لوظيفة شبه منفردة في جسم المرأة وهي الحمل والإنجاب كاستحقاق قطعي، أو كلي منذ التكوين للمحافظة على استمرارية الجنس البشري كمساهم رئيس، والرحم ينزف شهريا حزنا وتألما بعدم احترام وظيفته وإهماله لظرف الأنثى المقدر، وقد يكون رسالة تذكير لأهمية استغلال سنوات الإنجاب التي وإن مرت بغفلة الزمن، فلن يجدي بعدها بكاء العين ونزف القلب، وقد يصبح الرحم عبء على صاحبته ومصدر إزعاج وتهديد عندما يتعرض لمنعطفات مرضية، يكون الحل الجذري متطلب أوحد لإضفاء لمسة ارتياح وهدوء وبناء سدا منيعا أمام براكين الزمن، وللتوضيح لا يوجد دور محوري للرحم بالوظيفة الزوجية والجنسية، حيث الهواجس التي تمثل أعاصير التهديد للخوف من ظروف الغد.

كما أنه لا يقوم بوظيفة إفرازية أو هرمونية على الإطلاق، حيث أوكلت المهمة لوجه عملة الأنوثة الآخر وهو المبيض الذي يفرز البويضات الشهرية في سنوات الإنجاب المحددة بحكم العمر، كما أنه يفرز على مدار الساعة في سنوات العمر الهرمونات الأساسية التي تجعل من المرأة أنثى بمعنى الكلمة والتكوين والتصرف وتحدد درجة الجذب والجمال لتشكل محور الانسجام في الحياة الزوجية، وعلاقة الرحم بالمبيض هي علاقة تكاملية وليست تنافسية على مملكة الأنوثة  وأسرارها، وكل يمثل مفتاح النجاح للآخر بفترة عمرية معينة يجب أن ندرسها ونهتم بمفرداتها في التوقيت المناسب.

والرحم كعنوان يشكل فضاءً أنثويا مهما ولكنه لا يشكل عنوان الأنوثة  بصورتها الاكتمالية والتي تتهم بأنها عامل جذب للشق الجنسي الآخر، وأمر كهذا يشكل فجوة عمرية مهمة بوظيفة المرأة عموماً، فالرحم تنتهي وظيفته الأساسية تقريبا بانتهاء مرحلة الإنجاب واكتمال عناصر الأسرة حسب المفردات العائلية وظروفها، لكن المبيض لا يعترف بانتهاء دوره في هذه المرحلة لأنه المصدر الأول وشبه الأوحد  للهرمونات الأنثوية الضرورية للمحافظة على صحة المرأة بصورتها المثالية ويقيني أن سنوات العمر اللاحقة لمرحلة ما بعد الإنجاب هي السنوات التي يجب للمرأة التخطيط لها لأنها تمثل سنوات الحياة الحقيقية في الاستمتاع بعد سنوات الكد والحمل والإنجاب والتدريس، ورسالتي بين السطور لنصفنا الجميل أن يدرك أن الفصل التالي والمباشر يتمثل بفصل الحياة والرخاء والرفاهية، يدخل عضويته ويستمتع بسيمفونيته من تؤمن وتدرك أن عجلة العمر تسير بدون توقف وقطار العمر يرفض المقصرين بحق أنفسهم، وعداد الزمن قد يقف فجأة، ومن تستخدم قلم الأحزان والهموم فمدادها اليأس والإحباط وعنوانها الإفلاس في زمن التنافس، وكل ليل يعلن انتهاء فصل آخر من روزنامة العمر، والتمديد غير وارد.
الفصول التالية بخريطة العمر المقدرة قد تعكرها الأعاصير المرضية وتحديدا المشاكل الصحية التي تؤذي المرأة بسبب خلل وظيفي، ويهمني اليوم الخلل الوظيفي للرحم، فتختلف صوره وتعبيراته وتأثيراته، واضطراب الدورة الشهرية والنزيف الرحمي بصورته غير المعتادة وفي غير توقيت مناسب أو تضخمه عن حجمه الفعلي أو استضافته الكرهية لألياف رحمية ونتؤات عضلية أو تأثره بورم سرطاني أو انحراف أبعاده التشريحية وغير ذلك ليطرح السؤال الكبير واليتيم عن مبرر استمرارية هذه المعاناة تحت بند «لعل» أو تحت مظلة الليل القادم بغبار المرض والحرمان ؟
الجواب الجذري الأمثل يقع تحت باب الحل الجراحي للمحافظة على  صحة المرأة بصورتها المثالية التي يجب ونتمنى أن تكون، فعندما يصبح الرحم مصدر تهديد ومنغص لما بعد، تصبح إعادة التقييم وطرح الحلول بواقع التنفيذ كأهم مصدر للفكر الصحيح، واستئصاله جراحيا في فترة عمرية مناسبة لمبرر طبي مقنع يعتبر سلوكا صحيحا، وتأخير ذلك القرار يمثل جريمة بحق المرأة كضحية بغض النظر عن المتهم صاحب الإيذاء، واستئصاله لا يتطلب موافقة الزوج كشرط للتنفيذ، وإنما يمثل ذلك قدر محدد من الاحترام الذي يمثل واحدا من الروابط العائلية والتي كانت سببا لخسارة البعض صفحات صحية في بورصة الوعود والأحلام.
الحال يختلف لو كانت المشكلة الرحمية لفتيات ضمن سنوات الإنجاب والتي تلزمنا نحن أفراد المعشر الطبي ببذل كل جهد للمحافظة على الرحم وعنوان التصرف للمحافظة على القدرة الإنجابية المرتبطة زمنيا بتوقيت مقدس، تمتد أبعاده من سنوات العشرين بفرصتها النموذجية وحتى بداية العقد الرابع من العمر، وتعرض الفتاة لأي مشكلة صحية تهدد هذا العنوان وتتلف هذه الوظيفة تتطلب تجنيد جميع الطاقات الطبية للسيطرة عليها، وخطة العلاج هي خطة تكاملية تبدأ بتحليل تسلسل مفردات السيرة المرضية والشكوى، مرورا بمرحلة الفحص السريري بأصوله الطبية، ليبدأ الفصل التالي بالفحوصات وأنواعها لتحديد المشكلة إلى أقرب تشخيص أو الوصول للقائمة الأقرب للتشخيص بتشابه الأعراض الذي يمثل الخطوة الوعرة بالعمل الطبي بشكل عام، فيرهق الطبيب والمريضة كقدر وواقع، وتقديري كطبيب اختصاص أن أي أمر طبي فيمكن علاجه بأكثر من وسيلة علاجية ضمن الفضاء الواسع للخيار ووجود لغة مشتركة للتفاهم مبنية على قواعد الثقة بين الطبيب والمريضة يشكل سحر العلاج الناجح والشفاء، على أن أذكر تحت فصل الأمانة أن الوسائل العلاجية للشكوى الواحدة متعددة، ولكنها تختلف بدرجات أولوية التطبيق وقرار الحلول الجذرية أحيانا قد يكون صائبا بلحظة الفزعة والنخوة نتيجة الرأفة للمعاناة، ومدمرا بعد هدوء العاصفة، والمثال المتكرر لحديثي يتمثل بكيفية التعامل مع النزيف الرحمي بفترات العمر والظروف الشخصية بفترات العمر بغض النظر عن المسبب، فاستئصال الرحم يمثل حلا منطقيا لسيدة أنهت مهمة الإنجاب بالدرجة الكاملة ضمن حدود العمر المناسبة، ولكنه يمثل حكما إعداميا لفتاة لم يكتب لها الزواج أو الإنجاب ضمن الفترة العمرية، وأصبحت تشكو وتعاني من النزيف الرحمي أو الألياف الرحمية وغيرها، واستخدام الأسلحة العلاجية الفتاكة الأخرى والمتوفرة يكون كفيلا بعلاج الأمر، فلو كان السبب الرئيسي للنزيف على سبيل المثال وجود ألياف رحمية مثلا، فيمكن التعامل معها بصورة صحيحة جراحيا أو عقاريا ودون اللجوء لخطوة الجنون بإزالة الرحم، ويمكننا التقاطع بخطوات العلاج الهرموني والجراحي تحت عنوان السيطرة على النزيف الرحمي، والسير   بتسلسل الخطوات لن يوقعنا في المحظور.
واستئصال الرحم يمثل الحل الأمثل للمحافظة على الصحة، ولكن خطوة الاستئصال هي الخطوة الأخيرة للمسلسل، حيث لا بد من خطوات تحضيرية من فحوصات شعاعيه ودموية والأهم أخذ عينة من بطانة الرحم وتحليل باطن الأنسجة التي تحدد بشكل قاطع حدود العملية الجراحية وخطوات العلاج اللاحقة، والانحراف عن الطريق الطبي الصحيح لذلك يشكل جريمة بدون أعذار مخففة للحكم. إن التأخر باتخاذ القرار واختلاق الأعذار لتهيئة الظروف قد يكلف المرأة ضريبة صحية ومعنوية وعائلية تشطب رصيدها من عضوية الاستمتاع بفصول العمر الجميلة والمحددة حكما للمحافظين على صحتهم.
وقبل أن اختم، فالمحافظة على صحة الفرد تعتبر من صميم اختصاصه، والشعور بأنها منيّة من الغير يمثل خللا فكريا مهددا، وظروف المرأة على صفحات التاريخ تتميز بالتضحية لبناء وتركيب الأسرة، ولكن تدخل الزوج أحيانا لأنانية الموقف لحرمانها من التصرف بورقة صحيحة للمحافظة على حياتها يمثل خطوة انتحارية لو نفذت، والمرأة ذكية وقادرة على قلب النتيجة لو استخدمت جزء يسير من حكمتها والذي يمثل شهادة تقدير لمن أدركت أن الغد  يحمل في صفحاته الأحلى ولها الحق بالاستمتاع بفصول العمر اللاحقة، ففرص التنافس للظفر بوسام السعادة بين أيدينا فهل نرفضها؟ سؤال  قد يكون بريئا وبرسم الإجابة!
د. كميل موسى فرام
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
أستاذ مشارك/ كلية الطب/ الجامعة الأردنية

 

JoomShaper