د. كميل موسى فرام/الرأي
تغير المفاهيم الطبية المتوارثة يحتاج لجهود متواصلة للاستقرار على الاصول الصحيحة التي تمثل الواقع الصحي بعيدا عن العواطف أو استخراج المعاني من قاموس التراث الذي حُفرت محتوياته اعتمادا على نتائج تجارب جيل سبقوا، قد يكونوا أصحاب إجادة في ذلك الزمن المحدود الامكانات بكل مفاصل الحياة ومنها المفصل الطبي والعلاجي . كانت القهوة تستخدم لعلاج الجروح النازفة والبواصير، وحرث التراب لعلاج سمط الأطفال، والماء الساخن لتسهيل الولادة وتعقيم الأدوات العلاجية، ناهيك عن أعشاب المنزل والعطار لعلاج مدى واسع من الأمراض، بل أن ابرة البنسلين العضلية كانت السلاح السحري الأخير بعد نفاذ مخزون التجارب البدائية، مفاهيم أُفرزت بحكم الظروف لتداخل الأعراف بمفاهيم المجتمع السائدة باحترام رأي المسن صاحب التجارب، فكان نصيب لجزء منها بالتوارث والاستمرار حتى يومنا هذا.
أصول الفنون العلاجية
نصطدم أحيانا باختلاف في الرأي الطبي بين أصول الفنون العلاجية الحديثة والعلمية التي تمثل خيارات لمرض معين وبين تلك المعتقدات الوراثية المنقولة عن جيل الكفاح والاجتهاد، حيث لا يوجد قاسم مشترك للمقارنة بل وتختلف النتائج جذريا، حيث أن استخدام فنون الاقناع الطبي المبني على أُسس وتجارب، تقاوم بمثل خبرة نقدره من زاوية الاحترام لعامل السن، فنجهد بالشرح واستقراء المستقبل، لنرتطم بسهم سؤال متوارث عن المشاكل المتوقعة إن كان الاختيار لحل المشكلة الصحية يعتمد على طريقة جَدّي لاعتبارات واقعية بأن كبير القوم قد اختارها ونال شهادة على حسن الاختيار، ونجحت بالاختبار بالدرجة الكاملة في الزمن الأغبر، بحكم أن عدم الانصياع يمثل تمرداَ.
موقف يتكرر باستمرار لنجد أفراد المعشر الطبي يجاهدون لاختيار الاسلوب العلاجي الأمثل للقضاء على معاناة أو وأد شكوى، فإذا برد يقتل حماس الاندفاع للعلاج، يبرر أحيانا أن الطبيب يختار الطريقة العلاجية الأسهل وربما ذات المردود المادي الأحسن، بل ويزداد الأمر تعقيدا عندما تصبح مناقشة الخطة العلاجية مع فريق عائلي بتصورات مختلفة وخلفيات متفاوتة ليصبح الرأي الطبي متهما يبحث عن المبرر لاثبات براءته، بينما رأي الخبرة يفرض حضورا بسبب اعتماده على مجد التجارب، خصوصا أن الدفاع يتولاه المريض وصحبه وعائلته، هروبا من استحقاق صحي يمنحه الشفاء لأسباب ركيكة تعتمد مبدأ «لعل».
جسم الانثى
بحكم الاختصاص مثلاً، نبذل جهودا تمتد على مدار الساعة لتوضيح الوظيفة الفسيولوجية والتشريحية للمبيض والرحم بجسم الأنثى، نفسر من خلالها طبيعة العلاقة الوظيفية بين عضوي الجهاز التناسلي، نؤكد من خلالها لتوصيل فكرة تتلخص بأن وظيفة الرحم تنحصر بصورة أساسية باحتضان الجنين خلال شهور الحمل بفترة الانجاب العمرية، هذه الوظيفة التي تعتمد بشكل اساسي على الهرمونات الانثوية التي يفرزها المبيض، وهناك مساهمة ضعيفة بزيادة درجة المتعة بالوظيفة الزوجية من خلال جوار لصيق مع عقدة عصبية حسية بالحوض لكنها لا تعتبر حجة وسندا لتبرير رفض الشق الشفائي لحصرية التفكير بثقب ضيق، بينما يمثل المبيض مصدر الافراز الأنثوي بصورة حصرية لتفرده بانتاج بويضات الانجاب، إضافة لهرمونات الأنوثة التي تمثل شريان الاستمرارية المغذي، علاقة تبادلية تنظم أساسا بواسطة الجهاز العصبي والغدد الصماء ضمن خريطة الحياة الربانية.
الوظيفة الزوجية
هذا الترتيب يتحكم بالوظيفة الزوجية أيضا والتي تعتبر حصرية الهدف بمراحل عمرية غير محددة بسقف زمني، ليكون التدخل العلاجي بصورته الجراحية لحل مشاكل الرحم بعد استنفاذ الوسائل البديلة أو انتفاء عامل العمر بفقدان الوظيفة بتقاعد قسري، طرح يحتاج لمراجعة وإقناع، فيبدأ الجدل البيزنطي مع المريضة بموقف لا تحسد عليه، صراع داخلي غير معلن فهناك هاجس من زلزلة العلاقة الزوجية كنتيجة للموافقة على العملية الجراحية للخلاص من الشكوى أو لحرق ملفات المرض اللعين، بينما تفكر بتوازي لرد فعل الزوج كخاسر محتمل لتدخل بدوامة عنوانها أن القدر ألزمها بتغير محطة الهواجس، وحالها يقول أن القرار الجريء يحتاج لموافقة شريك العمر، علما أن الاصول الصحية لا تتطلب موافقة الزوج إطلاقا، فيجد الطبيب نفسه أمام سيل من التساؤلات الصحية بظاهرها والأنانية بواقعها.
واقع الخوف
مبرر التردد بظاهره مقارنة غير منصفة بنتائج تجارب سابقة لنفس الظروف وواقعه الخوف من توقف عربة الحياة الجنسية لقبطان القطار الذي يعتقد أن فعل شموع الليل برهان على الفحولة باعتباره الهدف الأسمى لاستمرارية الحياة، بينما يتفق الطرفان أن استئصال الرحم سيؤثر على العلاقة الزوجية ويجعلها فعلا استثنائيا لا يشتمل على فصول المتعة، موقف يتمسمر خلفه الزوج فيدفع الزوجة للمناقشة عن البدائل وطرح مخاوف زيادة الوزن والشهية أو الحاجة لتناول الهرمونات التعويضية مبدية الاستعداد بمزيد من التضحية أو أنها تعرف نماذج يعيشون فترة الندم بسبب الموافقة على جراحة كهذه لنتائج زوجية غير متوقعة بينما هناك نماذج أخرى رفضت العلاج وهي تسطر خطوات بطولية بمسابقة الحياة، ولا بأس من استخدام وسائل التهديد الاجتماعية إن تمردت بعناد.
فضاء انثوي
الرحم كعنوان يشكل فضاءً أنثويا مهما ولكنه لا يشكل عنوان الأنوثة بصورتها الاكتمالية والتي تتهم بأنها عامل جذب للشق الجنسي الآخر، وأمر كهذا يشكل فجوة عمرية مهمة بوظيفة المرأة عموماً، فالرحم تنتهي وظيفته الأساسية بانتهاء مرحلة الإنجاب واكتمال عناصر الأسرة حسب المفردات العائلية وظروفها، لكن المبيض لا يعترف بانتهاء دوره في هذه المرحلة وهو محق في ذلك لأنه المصدر الأول وشبه الأوحد للهرمونات الأنثوية الضرورية للمحافظة على صحة المرأة بصورتها المثالية ويقيني أن سنوات العمر اللاحقة لمرحلة ما بعد الإنجاب هي السنوات التي يجب للمرأة التخطيط لها لأنها تمثل سنوات الحياة الحقيقية في الاستمتاع بعد سنوات الكد والحمل والإنجاب والتدريس.
فصل الحياة والرخاء
رسالتي بين السطور لنصفنا الجميل أن يدرك أن الفصل التالي لفصل الانجاب والمباشر بعده يتمثل بفصل الحياة والرخاء والرفاهية، يدخل عضويته ويستمتع بسيمفونيته من تؤمن وتدرك أن عجلة العمر تسير بدون توقف لا تنتظر أحداً وقطار العمر يرفض المقصرين بحق أنفسهم، فعداد الزمن قد يقف فجأة، ومن تستخدم قلم الأحزان والهموم فمدادها اليأس والإحباط وعنوانها الإفلاس في زمن التنافس، وكل ليل يعلن انتهاء فصل آخر من روزنامة العمر، والتمديد غير وارد. الفصول التالية بخريطة العمر المقدرة قد تعكرها الأعاصير المرضية وتحديدا المشاكل الصحية التي تؤذي المرأة بسبب خلل وظيفي، ويهمني بمحطة اليوم إضاءة على الخلل الوظيفي للرحم، فتختلف صوره وتعبيراته وتأثيراته، وأحد صورها اضطراب الدورة الشهرية والنزيف الرحمي بصورته غير المعتادة وفي غير توقيت مناسب أو تضخمه عن حجمه الفعلي أو استضافته الكرهية لألياف رحمية ونتؤات عضلية أو تأثره بورم سرطاني أو انحراف أبعاده التشريحية وغير ذلك ليطرح السؤال الكبير واليتيم عن مبرر استمرارية هذه المعاناة تحت بند «لعل» أو تحت مظلة الليل القادم بغبار المرض والحرمان.
بناء وتركيب الاسرة
المحافظة على صحة الفرد تعتبر من صميم اختصاصه، والشعور بأنها منية من الغير يمثل خللا فكريا مهددا، فظروف المرأة على صفحات التاريخ تتميز بالتضحية لبناء وتركيب الأسرة، ولكن تدخل الزوج أحيانا لأنانية الموقف لحرمانها من التصرف بورقة صحيحة للمحافظة على حياتها يمثل خطوة انتحارية لو نفذت، والمرأة ذكية وقادرة على قلب النتيجة لو استخدمت جزء يسير من حكمتها والذي يمثل شهادة تقدير لمن أدركت أن الغد يحمل في صفحاته الأحلى ولها الحق بالاستمتاع بفصول العمر اللاحقة، ففرص التنافس للظفر بوسام السعادة بين أيدينا ومن الجهل أن نرفضها، فالحياة لا تحب الانسان الضعيف والذي ينهزم من أول عقبه تكون في طريقه وعند أول زله يضع يديه على رأسه ويبدأ بالنوح والبكاء بلا توقف لأنه لا يعلم بأن هذه الحياة هي دار أختبار وتستحق الابداع بامتحاناتها والحصول على الدرجة الكاملة حق مشروع.
*أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.