د. سميح خوري -
للحمل وظيفتان, بيولوجية هي التكاثر وحفظ النوع, ونفسية به تتأكد ذاتية الحامل وخصائصها وفرديتها. وفي الحمل يتحقق للمرأة ان ترى ذاتها تتحقق من خلال جنينها. وانها لتشعر به يتحرك داخلها فتتخيله ويملأ حياتها النفسية, وتخيلها ليس أضغاث احلام ولكنه حقيقة ستراها وتلمسها بعد تسعة شهور. ومعظم الحوامل عندهن الاحساس بالتعاظم, أي أن الحامل تقول في نفسها: «في بطني كل عملية الخلق». ومن أجل ذلك ترى نفسها عظيمة وتزهو زهو الامهات ويترع قلبها بالحب. وهو احساس يعطيها الحياة.
والحمل في حد ذاته استنزاف لطاقة الحامل على التحمل, ولولا ان الله تعالى قد صبّر المرأة على الاحتمال الذي يشمل النواحي البدنية والنفسية والذهنية لما كان من الممكن ان تحتمل مضايقات الحمل. وبما أن من طبيعتها ان يكون لها طفل, لا بد ان تعاني وان تحتمل المعاناة.
والمرأة في الحمل تشارك فيه بكل خلايا جسمها وبكل وجدانها ونفسها وعقلها. فكل أعضائها, وكل ما فيها من طاقة وحيوية, وكل مقومات شخصيتها, تشترك في عملية الحمل, وهي تغذي الجنين تغذية مادية, اضافة الى ذلك هناك بتجاربها اليومية وانفعالاتها وعواطفها, ثم ان ما يجري للجنين من تطورات له مردوده على جهازها العصبي ووظائف جسمها الحيوية.
الحمل يؤثر على العلاقة بين الزوجين, وأحياناً يعقد المواقف بينهما, ويفرض عليهما ان يحلما معاً, ويخططان معاً. ومعاملة الحامل لزوجها تختلف عن معاملتها له قبل الحمل, وتتطلب من الزوج معاملة خاصة مختلفة. وكانت العلاقة الزوجية قبل الحمل بين إثنين, ولكنها الآن تضم ثلاثة.
وينمو الجنين في بطن الحامل وتستشعر لنموه تغيرات فيها, فتأخذ في التفكير بطفلها وتتمناه على هيئة معينة وبجنس معين. وكل حامل تتمنى أن تلد ولداً, لأنه يجسد فيها ميولها الذكورية, ويشبع عقدة النقص التي قد تحسها الأنثى, فهي تريد ان ترى في ابنها كل فضائل أبيها وكل محاسن زوجها. وكذلك الزوج فقد يتمنى ان تلد إمرأته ابناً على صورته. وكل امرأة تحب ان يكون طفلها البكر ولداً. وربما كان ذلك لرغبة تعتمل في نفسها لا شعورياً بأن تولد من جديد كذكر. وتكون رغبتها في أن تلد ولداً بدافع من المستقبل, فهي تريده لنفسها بعد عشرين سنة رجلاً يحميها ويحبها. والرغبة في البنت تكون في الحامل في اعماقها وتستتر خلف الرغبة في الولد, ورغبتها في البنت من الرغبات الانثوية النرجسية التي تؤكد بها ذاتها, وهي تريد بنتاً لترى فيها نفسها وتولد من جديد وملامح جديدين.
والحمل يعرض كل النساء لتغيرات نفسية تختلف من حامل الى أخرى بحسب مواصفات شخصيتها, غير أن التغيرات الكيمائية والجسمية في الحوامل شاملة لهن جميعاً. ولكن الواحدة تأتيها هذه التغيرات بدرجات تتفاوت عن الأخرى, وتحدث التغيرات النفسية نتيجة الافرازات الهرمونية وما يستحدثه الحمل من استجابات نفسية وتفكير في الطفل القادم, حتى ان الكثيرات من الحوامل يعانين من اكتئاب الحمل نتيجة لهذه التغيرات. ولذلك تكون مرهفة الحس لمعاملة المحيطين بها, وتغضب لأقل استشارة.
ومن أهم مستحدثات الحمل في أوله الغثيان والقيء, وربما تستفرغ الحامل كل الاطعمة, وربما يكون غثيانها وتقيؤها احياء لمشاعر قديمة تلفت بها انتباه من حولها وتعذبهم بها. وقد لوحظ ان النساء غير الراغبات في الحمل يتقيئن أكثر من غيرهن, وربما يكون هذا تعبيراً عن رفض الجنين بالقيء. وقد تكثر الحامل من الأكل أو تعزف عن الطعام, أو تقيء ما تأكل من تأثير الصراعات عندها بين الرغبة في الاحتفاظ بالجنين وتقوية جسمها من أجله, والرغبة في التخلص منه. وبعض النسوة يشتهين أطعمة بذاتها في الحمل, وتلح الحامل ان يأتوها بها. ويفسر علماء النفس هذا التصرف بأنه استحواذ obsession يتملك المرأة العصابية دون غيرها.
وكلما تقدم الحمل, تصبح الحامل قلقة, وربما يرتبط قلقها بالولادة, باعتبارها الحدث الكبير في حياتها, ومن ثم تخشاه, ويكبر هذا الخوف حتى ليتحول الى خوق مرضي, فتتصور أنها ستموت وهي تلد, أو أن طفلها سيولد ميتاً أو مشوهاً.
هناك أنواع من الحوامل, المرأة التي تعتمد على أمها, ولا تعاني من مخاوف الحمل والولادة وتسلم أمرها لمشيئة الله وتتوكل عليه, والمرأة المثقفة التي تأخذ بالتفكير العلمي وتعتمد تماماً على طبيبها وتعول على ارشاداته, والمرأة غير المتعلمة التي بسبب قلة نضجها الثقافي تهمل نفسها ورعاية جنينها.
مستشار الأمراض النسائية والتوليد والعقم
نفسية الحامل على مدى شهور الحمل
- التفاصيل