إعداد د. خلود البارون
بما ان فترة الحمل تمتد 9 اشهر، فقد يمر شهر الصيام خلال هذه الفترة الحساسة، فتتساءل المرأة حول امن الصيام على حملها. وقد رخص الله الإفطار للحامل حتى لا تعرض صحتها وصحة الجنين للمضاعفات.
أوضحت الدراسات أن صيام رمضان يؤدي إلى تغيرات فسيولوجية وكيميائية على البدن عموما، وبما في ذلك بدن الحامل. لكنها أيضا أشارت إلى أن الصيام السليم لا يؤثر في الحامل السليمة البدن التي لا تشكو من أي أمراض عضوية. ومع ذلك، يفضل ان تفطر، أو على الأقل ان تستشير الطبيب لتحديد ما هو أفضل لها.
قد يسمح لبعض الحوامل غير المصابة بأي أمراض أو مضاعفات بالصيام، لكن مع شرط المداومة على فحص كيتون البول (من خلال الشرائط)، خصوصا في الساعات السابقة للإفطار التي يزداد فيها تكون الكيتونات. بينما يؤدي إصرار بعض الحوامل على الصيام رغما عن توجيهات المعالج بالإفطار إلى مضاعفات دائمة عليها وعلى الجنين.
انخفاض سكر الدم
من الضروري إدراك حقيقة انخفاض معدل سكر دم الحامل أثناء الصيام بشكل اكبر مقارنة بغير الحامل، وهو ما يعرف بتسارع الجوع في جسمها. فإن زادت فترة الصيام عن 14-16 ساعة، فعادة ما يحاول الجسم التعويض عن انخفاض السكر (الطاقة) بتوليده من خلال تكسير الدهون. ويترتب عن هذه العملية خروج نفايات في الدم والبول وهي عبارة عن حمض اللاكتيك والكيتون. ومع استمرار الصيام والجفاف، يرتفع تركيز الكيتونات، ويرافق ذلك ظهور أعراض مثل آلام في المفاصل والكلى والجسم عموما. وقد تنتقل الأجسام الكيتونية إلى الجنين لتؤثر في نموه ووظائفه الحيوية.
أعراض تستوجب الإفطار
إن قررت الحامل وسمح لها الطبيب في الصيام، فيجب عليها إدراك أن عليها الإفطار فورا واستشارة الطبيب، إذا شعرت بأي عرض من الأعراض التالية:
- صداع شديد وطنين في الأذن
- زغللة في العينين
- عدم القدرة على التركيز والشعور بالدوخة والإغماء
- هبوط وإجهاد عام وعدم القدرة على القيام بأي نشاط.
فتلك الأعراض تدل على انخفاض سكر الدم أو أن هناك أمر غير طبيعي.
منع الصيام في الأشهر الأولى
في أشهر الحمل الأولى، تعاني معظم الحوامل إعياء الصباح والغثيان والقيء، بما لا يمكنهن من الصيام. فالحامل خلال هذه المرحلة محتاجة لتعويض ما تفقده من سوائل، وتتطلب تغذيتها تناول وجبات خفيفة والماء على فترات متقطعة، حتى تتفادى الجفاف وانخفاض سكر الدم المسببين للتعب والدوخة ومضاعفات عديدة خلال اليوم. وعليه لا تنصح الحامل بالصيام أبدا خلال أول ثلاثة اشهر الحمل.
خلال الأشهر الأخيرة
تصوم بعض الحوامل خلال أشهر الحمل الأخيرة، فيتحملن مشقة الابتعاد عن الطعام والشراب لمدة تصل وتتعدى 14 ساعة يوميا. ومن الخطر صيام الحامل لأكثر من 14 ساعة، خصوصا خلال الأجواء الحارة التي ترفع من نسبة فقدان الماء بالتعرق والتعب، وبالتالي خطر تعرضها لانخفاض السكر وضغط الدم والجفاف.
لذا، عليهن مراجعة المعالج لمناقشة الأمر. وإن قررت ذات الحمل المستقر والصحة الجيدة أن تصوم، فيشترط ذلك تقيدها بمراقبة معدل الكيتون في البول واتباع بعض الإرشادات الغذائية. وإن لاحظت وجود الكيتون في البول أو الدوخة أو أعراض التعب فعليها الإفطار والإكثار من شرب الماء.
أما لو كانت الحامل تعاني إصابة بمرض كداء السكري أو ارتفاع ضغط الدم أو اعتلال في الكلى أو القلب، فيمنع عنها الصيام خوفا من المضاعفات وحتى لو كانت حالتها مستقرة.
كيف يتكون الكيتون؟
يحتاج جسم الحامل لسكر (الطعام) بشكل مستمر لكونه المصدر الرئيسي لتوفير الطاقة لها وللجنين. وغالبا ما تعزو الدوخة التي تشعر بها الحامل إلى انخفاض نسبة سكر الدم.
وفي حالة صيام الأم رغما عن حاجة جسمها المستمرة، سيقوم الجسم بتكسير الدهون لتوليد الطاقة، وتنتج عن هذه العملية فضلات ومن أهمها الكيتونات (مواد حمضية). ويترتب عن استمرار انخفاض السكر لفترة طويلة حدوث ارتفاع في تركيز الكيتون في الجسم، بما يسبب الشعور بآلام في أماكن متعددة كالمفاصل والكلى والقلب والعضلات. ويمكن ان تطال المضاعفات الجنين لتؤثر في أجهزته الحيوية وتطوره.
وسبب نصح الحامل بتناول وجبات خفيفة طوال اليوم هو ضمان توفير كمية كافية من الجلوكوز طوال الوقت، للحفاظ على ثبات معدل سكر الدم وتفادي الزيادة أو الهبوط الشديد في معدل سكر الدم، فكلاهما له مضاعفات مضرة بالحمل.
لا يؤثر في الإنجاب
بالنسبة لصيام من ترغب في الحمل بشكل طبيعي، فلا توجد أي دراسة تشير إلى فائدة أو سلبية الصيام على هرمونات المرأة أو على خصوبتها. كما لا يؤثر الصيام في معدل إفراز هرمونات الجسم عموما.
بيد أن الأمر يختلف أحيانا بالنسبة للخاضعين للعلاج بهدف الإنجاب، مثل حالات الحمل بطفل الأنابيب أو من يتطلب علاجها تفجير البويضة والجماع في أوقات محددة. فإن كانت السيدة تخضع لعلاج يتطلب الخضوع للسونار الداخلي وتفجير البويضة في نهار رمضان ومن ثم الجماع فلا يمكنها الصيام. ولكن يمكن استشارة المعالج حول إمكانية ترتيب إجراءات العلاج لتتم بعد الإفطار إن أمكن.
تأثير الجفاف في حركة الجنين
أثبتت الدراسات ان جفاف جسم الحامل، يرافقه خطر انخفاض حركة الجنين في الرحم، لذا فإن لاحظت المرأة قلة حركة الجنين عن 10 على الأقل في اليوم، عليها مراجعة الطبيب فورا لعمل تخطيط لضربات قلب الجنين. كما يعرف بأن إصابة جسم المرأة بحالة الجفاف يرفع كثيرا من فرصة حدوث تشنجات الرحم والطلق المبكر.
.. وعلى المسالك البولية
ترتفع نسبة إصابة الحامل بالتهابات المسالك البولية والتناسلية نتيجة لما يرافق الحمل من اختلال في بيئة أعضائها التناسلية، وضغط ثقل الجنين على منطقة أسفل الحوض والمثانة، مما يسبب بطء خروج البول وبالتالي ترسبه. وعليه، فتنصح الحامل بالإكثار من شرب الماء تفاديا لمشاكل الجفاف التي تسبب ارتفاع تركيز البول وتهييج قناة البول والتهابها. فمن الضروري ان تكثر من شرب الماء والسوائل، للحفاظ على صحة الكلى والمسالك البولية و للوقاية من الالتهابات أيضا.
حوامل يمنع عنهن الصيام
- المصابة بأمراض الكلى حتى لو كانت بسيطة.
- المصابة بقصور في وظائف الكبد أو التهابات الكبد الفيروسي سواء الحادة أو المزمنة.
- المصابة بأمراض أو التهابات في المسالك البولية التي يتطلب علاجها تناول العقاقير ( سواء وريدية أو حبوب) في مواقيتها، مع الاستمراء في تناول الماء بكثرة خلال اليوم
- المصابة بداء السكر التي يعتمد علاجها على اخذ حقن الأنسولين وتناول وجبات متعددة خلال اليوم، حتى تتمكن من تنظيم معدل سكر الدم. فالصيام يعرضها لخطر الهبوط الحاد مما يرفع من معدل تكون الأجسام الكيتونية. ويجب ان تحرص على ثبات معدل سكر الدم، فالارتفاع والهبوط الشديدان مضران لصحة المرأة والجنين.
وفي حالة اعتماد سكر الحمل على العلاج بتنظيم الغذاء (اتباع حمية) يمكنها الصيام مع شرط اتباع الحمية أثناء الإفطار والإكثار من فحص سكر الدم والكيتون في البول.
- المصابة ببعض أمراض الرئة المزمنة التي يتطلب علاجها استعمال البخاخ بشكل متكرر.
- وجود تاريخ سابق للإصابة بالجلطة الدموية أو تكون معرضة للإصابة بها، حيث تحتاج هذه الحالات للإكثار من تناول السوائل لزيادة سيولة الدم.
- الحمل المتعدد (التوأم) لكونه يزيد من الإجهاد على جسم الأم
- المصابة بتسمم الحمل، نتيجة ارتفاع ضغط الدم ويتمثل في وجود زلال في البول مع تورم أسفل العين والقدم.
- من تشعر بصداع شديد مع زغللة العين وتعب وعدم القدرة على العمل، فعادة ما ينتج عن انخفاض سكر الدم.
- إذا انخفضت حركة الجنين عن 10 حركات خلال 12 ساعة، عليها الإفطار فورا واستشارة الطبيب وعمل تخطيط لضربات قلب الجنين.
بعض النصائح لمن يسمح لها بالصيام
- عجلي الإفطار وأخري السحور بقدر المستطاع مع الحرص على عدم النوم مباشرة بعد السحور، حتى لا ترفعي من خطر تعرضك لارتجاع حمض المعدة للمريء، والقيء.
- تناولي كميات كبيرة من السوائل خلال فترة الليل، كالماء والعصير والحليب واللبن. فكثرة السوائل تعوض الجسم عن ما فقده أثناء الصيام وتنظم إلى حد كبير عمل الأمعاء وتقي من الإصابة بالإمساك والتهابات المسالك البولية.
- تجنبي الإجهاد والعمل في درجات الحرارة المرتفعة حتى لا تفقدي كمية كبيرة من سوائل الجسم.
- ليكن الإفطار تدريجيا حتى لا تتخم المعدة بالطعام مباشرة. فتناولي الوجبة على مراحل، تبدأ بالتمر واللبن لقيمتهما الغذائية العالية وسهولة هضمهما والامتصاص. ثم الراحة لربع ساعة قبل تناول وجبة الطعام الرئيسية الخفيفة والصحية ولكن بكمية صغيرة، ثم تناول وجبات خفيفة كل ساعتين إلى ثلاث ساعات.
- ابتعدي عن الأغذية الدسمة لكونها صعبة الهضم وتسبب عسر الهضم والشعور بالغثيان والمغص.
- لا تركزي على تناول الحلويات والنشويات والاتنسي تناول كمية كافية من الخضروات والفواكه ومنتجات الحليب، لتغذية الجسم والجنين وتفادي الإمساك. فمن المعروف ان الحامل أكثر عرضة للامساك.
- يفضل تجنب المقليات وحلوى رمضان الدسمة مثل الكنافة والبقلاوة وغيرها من إطباق تعج بالسكر والنشا والدهون، مع الحرص على عدم البدء بها على الإفطار مباشرة.
- ابتعدي عن الأكلات الحريقة بالفلفل والشطة التي تهيج المعدة وتزيد من افرازاتها الحمضية.
- يفضل تناول الغذاء الغني بالحديد أو اخذ حبوب الحديد بعد مرور أول ثلاثة اشهر من الحمل.
- تناولي كميات مناسبة من الخضروات والفواكه على فترات.
- احصلي على قسط كاف من الراحة والنوم، وتجنبي الإرهاق والتوتر وابتعدي عن مسببات العدوى بعد الولادة.
صيام النفساء والمرضعة
قد يصادف ان تكون المرأة لا تزال في فترة النفاس عند دخول رمضان، وهي فترة تمتد من أربعة إلى خمسة أسابيع من بعد الولادة. فإن أرادت النفساء الصيام فذلك يعد مشقة وجهدا عليها، فبالإضافة إلى تعبها الجسدي من جراء المرور بعملية الولادة وفقدان الدم، فيتطلب العناية بالمولود وإرضاعه بنوبات تتباعد ساعتين، تعبا مضاعفا.
ومن المهم، التذكير بأهمية بدء الرضاعة الطبيعية على الفور بعد الولادة لما لها من فائدة كبيرة على صحة الطفل والأم أيضا.
وطبعا، على المرضعة الاهتمام بغذائها من حيث الكمية والنوعية. لذا يمكنها الصيام شريطة الحرص على الإكثار من شرب السوائل والماء واختيار نوعية الطعام المفيدة أثناء فترة الإفطار، حتى لا تتأثر كمية ونوعية حليب الطفل الرضيع. وينبغي أن تكثر عدد الرضعات خلال الفترة ما بين الإفطار والسحور.
وقد تتأثر كمية الحليب التي تدر من الثدي، فلا يشبع الطفل منها وهنا تضطر إلى تغذيته بالحليب الصناعي. فإن لاحظت المرضع قلة إدرار الحليب وكانت تود الاستمرار في الرضاعة الطبيعية، وذلك هو الأفضل للطفل، فلا يجب ان تنسى المرضعة بأن الإفطار رخص لها، مع الإكثار من السوائل بما سيؤدي إلى زيادة كمية الحليب.
الصيام لا يؤثر في مكونات الحليب
قام مختصون في مجال علم التغذية وباحثون من «دائرة التغذية» في جامعة هاسيتيبى التركية بدراسة أثر صيام في شهر رمضان على الرضاعة الطبيعية من ناحية نوعية وتركيبة حليب الثدي. وشملت الدراسة التي نشرتها دورية «طب الأطفال الدولية» 21 مرضعة، تراوحت أعمارهن بين السابعة عشرة والثامنة والثلاثين، تم تحليل عينات من حليب أثدائهن خلال فترة الصيام في شهر رمضان، وبعد انقضائه بأسبوعين.
وبعد المقارنة ما بين تقييم تركيب حليب الثدي أثناء الصيام وبعد انقضائه، بينت نتائج الدراسة أنه، وعلى الرغم من عدم تأثر تركيبة حليب الثدي الأم الصائمة، فيما يتعلق بمحتواه من مواد مغذية وأساسية لنمو الطفل مثل:البروتينات والدهون والنشويات، إلا أن محتوى الحليب من المواد التي يحتاجها الجسم بكميات ضئيلة مثل الزنك، البوتاسيوم والمغنيسيوم، انخفض خلال شهر الصيام.
ومن جانب آخر أظهرت دراسة قام بها باحثون من الإمارات أنه وباستثناء للانخفاض في نسبة الدهون، لم يلحظ أي تغيير في نسبة العناصر الرئيسة المغذية التي يحويها حليب الثدي. إلا أن الدراسة لم تقيم مدى تأثر العناصر الغذائية الصغرى - مثل المعادن- في حليب ثدي المرضعة الصائمة.
وقد أجمعت الدراسات على ان هذا التأثير يختفي عند الإفطار، فلا يستمر بعد رمضان.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
صحة ... الحامل تفطر حتى لا تعرض صحة جنينها للخطر
- التفاصيل