تتفق معظم المصادر الفقهية المعاصرة على ضرورة الاخذ بالفتاوى الشرعية التي توالت صدورها حول امكانية تناول ادوية معينة تمنع - او تؤخر حدوث الدورة الشهرية، خصوصا في ايام الصيام او موسم الحج والعمرة.
وبالنسبة لحبوب تأخير الدورة، فانه الاضرار في استخدامها ونادرا ما يحدث اضطراب في الدورة بعد التوقف عن اخذ الادوية، وتنتظم حياة المرأة بشكل مباشر.
د. كميل فرام يناقش هذه القضية الحساسة.
تعتبر الدورة الشهرية إحدى علامات الأنوثة الأساسية بل يمكن تسميتها بأنها جواز السفر الذي يدخل الفتاة بوابة عالم الأنوثة بدون مشاكل صحية مؤثرة، حيث أن أولى محطاتها العلنية تكون بحدود سن الثانية عشرة من العمر، فتنتظم بعد السنة الأولى لتصبح حدثا شهريا يحمل أبعادا حياتية تحتل الصفحة المعبرة عن مستقبل الفتاة بسنوات العمر القادم، ويمكن ربط حدوثها بتوقيت زمني معين كدلالة لنضوج علاقة تكاملية بين أجزاء الجسم المتخصصة، حيث تفرز الغدة النخامية هرمونات محفزة للمبيضين لإنتاج البويضات وإنتاج هرمونات جنسية تؤثر على بناء بطانة الرحم كخطوة تحضيرية لحدث قادم وذلك بعد اكتمال جاهزة المستقبلات الهرمونية المنتشرة، وتسمى هذه بالدورة الهرمونية الإفرازية. تبدأ أولى خطواتها بارتفاع مستوى هرمون الأستروجين المنتج من المبيضين بالدورة الدموية نتيجة سلسلة منتظمة من التغيرات البيوكيميائية ضمن حلقة الإنتاج، ليتسبب ذلك بوقف إفراز الهرمونات المحفزة من الغدة النخامية كرد فعل عكسي وطبيعي، ومسار الخريطة البيانية ينتج بويضة شهرية بحدود اليوم الرابع عشر من بداية النشاط، فإن لم يحصل الحمل لظروفه المتعددة، تضمر البويضة بالشرفة الجانبية لقناة فالوب، ليضعف إنتاج هرموني الأستروجين والبروجيستيرون نتيجة ضمور وتوقف الجسم الأصفر، وبالتالي تنخفض نسبة تواجدهما بالدورة الدموية لتبدأ الغدة النخامية بإنتاج الهرمونات المحفزة للمبيضين بدورة جديدة تتزامن مع ضعف الدعم الهرموني لبطانة الرحم، متسببة بانسلاخ البطانة وحدوث الدورة الشهرية. هذا الحدث الأنثوي الشهري يحمل أبعادا صحية وشخصية، فيترجم العلاقة المثالية بانضباط التوافق والتناغم بين وظائف الغدة النخامية والدرقية والمبيضين والرحم، علاقة انسجام فسيولوجية تساهم بترجمة فصول الأنوثة بكل مراحلها، وتمثل مصدر طاقة دفع ذاتية لبناء الشخصية السلوكية.
زيادة القلق الانثوي
اضطراب الدورة الشهرية لخلل بأحد أركانها يمثل واحدا من أكبر المساهمين والمسببين بزيادة القلق الأنثوي فتباعد أو تقارب فتراتها عن المألوف يشكل أحد صور الخلل الوظيفي، غيابها لأي سبب باستثناء مراحل الحمل يشكل صورة أقسى للخلل الوظيفي، زيادة أو نقص كمية النزيف الرحمي عن الكمية الطبيعية هو صورة أخرى من صور الخلل الوظيفي، مرافقة أعراض مرضية معينة لحدث الدورة الشهرية أو مباشرة قبل حدوثها يمثل شكلا آخر من أسباب الشكوى، وكل تلك الأمور تحتاج لتحليل أعراضها وإجراء الفحص السريري اللازم إضافة للفحوصات الهرمونية والشعاعية التي تساهم بتحديد نقاط الخلل ما أمكن بالتوقيت المناسب والتي ستمكن الطبيب من ضبط بوصلة العلاج بالاتجاه الصحيح والذي يأخذ صورا مختلفة ومتداخلة أحيانا. الخطة العلاجية تعتمد بالدرجة الأولى بتشخيص الخلل، ولكن هناك حالات نزف رحمي غير منتظم يصعب تحديد المسبب فيها، بالرغم لقناعة التأثير المباشر لهرمون الأستروجين على بطانة الرحم وانعدام تأثير هرمون البروجيستيرون المعاكس، شكلا هرمونيا يتسبب بزيادة سمك بطانة الرحم ليسبب بلحظة ما بنزيف رحمي مؤثر يأخذ أشكالا متعددة تهدد النشاطات الحيوية للسيدة ويلعب دورا محوريا لخلل الحالة النفسية والتقلبات المزاجية والسلوكية.
الخطوط الدماغية الاساسية
استخدام العلاجات الهرمونية التي تتكون أساسا من هرموني الأستروجين والبروجيستيرون يمثل أحد أركان الخطوط الدفاعية الأساسية لاضطرابات الدورة الشهرية لفرض الانضباط، فيكون الاستخدام إما بتناول الحبوب التي تتكون من هرمون البروجيستيرون بمفرده وأشهر صورها المستخدمة حبوب «البريمولوت نور»، أو باستخدام العقاقير الطبية التي تتكون من مزيج الهرمونين مجتمعين بنسبة محددة ودقيقة وتعرف بحبوب منع الحمل، والتي تستخدم أساسا لضبط الدورة الشهرية من خلال معادلة صحية يمثل بُعدها الأول تزويد الجسم بكمية الهرمونات اللازمة لديمومة نشاطاته بدرجة الأنوثة الكاملة، بينما يمثل البُعد الثاني الإيقاف الوظيفي للمبيضين بصورة مؤقتة لإعطاء المجال لأعضاء الجسم بإعادة ترتيب أولويات الوظائف الهرمونية حسب الخريطة الجينية، كما يتخلل ذلك توقف المبيضين عن إنتاج البويضات الشهرية لمرور بيئة الجسم بصورة اصطناعية مؤقتة بفعل المعادلة الهرمونية الجديدة، على أن يكون ذلك ضمن مبررات طبية وضوابط صحية تسمح بتناولها لوجود آثار جانبية تحكم أصول الوصف والتناول، وقد صُممت بجرعة يومية لمدة ثلاثة أسابيع فتتوقف بعد ذلك السيدة من تناول العلاج، مسببة بانخفاض مستوى الهرمونات بالدم ليتسبب ذلك بانسلاخ بطانة الرحم بتوقيت معين، على أن أذكر أن هناك ضوابط معينة يمنع معها استخدام هذه الهرمونات أهمها تجاوز سن الأربعين من العمر، مرضى السكري أو ارتفاع ضغط الدم، التهاب الكبد الوبائي أو خلل بأنزيمات الكبد، أورام ليفية بالرحم أو الثدي، اشتباه ورم سرطاني بالرحم، تناول عقاقير علاجية تتعارض مع العلاجات الهرمونية، وجود تاريج مرضي للإصابة بجلطات دموية وغيرها، وجود نزيف رحمي غير طبيعي بدون المرور بخطوات التشخيص الأساسية.
التوقيت..!
هناك ظروف صحية و/أو شخصية تتطلب التدخل الطبي للمساعدة بالتحكم بتوقيت الدورة الشهرية سواء من حيث تقديم الموعد أو تأخيره لينسجم مع الظرف الشخصي وهي ظروف عابرة يمثل الجانب الاجتماعي مكونها الأول حيث أنها في الغالب غير مرضية، مثل رغبة الأنثى بأداء فريضة دينية وأهمها صيام شهر رمضان المبارك، أو تصادف حدوث الدورة الشهرية بتوقيت شخصي غير مناسب كمصادفة خلال أيام الزواج الأولى أو أثناء رحلة ترفيهية خلال فترة إجازة شخصية، أو بموعد امتحان أو مقابلة، أو التحضير لمشروع معين، أو أية ظروف أخرى تتطلب التحكم بموعد الدورة الشهرية، أو بسبب الأعراض المرافقة لها بتوقيت غير موفق إضافة لوجود تشخيصات مرضية يمثل العلاج الهرموني سلاحها الأول، ويمنع معها تناول الحبوب المزدوجة التي تحتوي على هرمون الأستروجين لسبب صحي أو لأعراض جانبية أو اشتباه حدوث الحمل، حيث يمكننا استخدام حبوب البروجيستيرون المنفردة بجرعات طبية لضبط الواقع الصحي بتوقيت دقيق، وأشهر أنواع الحبوب المتداولة هي حبوب «البريمولوت نور» التي تتفاوت جرعتها كمية ومدة حسب مبرر تناولها، على أن يمنع استخدامها كمثبت هرموني للحمل، وجود اضطراب بوظائف الكبد أو وجود ورم بالكبد، أو تاريخ مرضي لجلطات وخثرات دموية، بل هناك أسباب صحية نادرة الحدوث كتأثير جانبي للعلاج توجب التوقف الفوري لتناول حبوب «البريمولوت نور» مثل تطور حدوث الصداع النصفي أو زغللة بالعين أو اشتباه حدوث خثرة دموية وصعوبة بالتنفس او ارتفاع بضغط الدم أو خلل بوظائف الكبد بالرغم أنها تعتبر آمنة الاستعمال.
سمفونية الدورة الشهرية
استخدام العلاجات الهرمونية المتخصصة بضبط سيمفونية الدورة الشهرية تحت الإشراف الطبي بظروف غير مرضية يعتبر سلوكا شخصيا آمنا ضمن ضوابط صحية خصوصا لأمور العبادة الربانية، والتوقف عن تناول العلاجات لانتفاء المبرر أو نتيجة ظهور أعراض جانبية للعلاج يمثل درجة الاجتياز لامتحان الحرص على الصحة ويمنع تكرار العلاج بقرار ذاتي لاعتقاد البعض بتشابه الظروف فالصفحة الصحية للجنس اللطيف تشكل البطاقة الشخصية للمجتمع الأكبر، ويتعدى حدود الفتاة بصورتها الضيقة ليشمل أركان المجتمع الأخرى وللحديث بقية.
* أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
WWW.KAMILFRAM.COM