تنقية الجسم من السموم، الوقاية من الانتهابات, أو تعزيز الجهاز المناعي.
يمكننا تحقيق العديد من الأهداف الصحية المشابهة, بمجرد تناول أطعمة معينة أثبتت الأبحاث فاعليتها في ترميم الجسم.
عرف الناس منذ آلاف السنين أن للمنتجات الطبيعية استخدامات طبية. وعلى الرغم مما نشهده من طغيان لخيار التداوي بالعقاقير في العالم، إلا أن الكثيرين من أنصار العلاجات الطبيعية لا يزالون يفضلون تلك الخيارات التي لا تنطوي على أي تأثيرات جانبية مضرة بالصحة. ويشكل الطعام العقار المثالي بالنسبة إلى العديد من خبراء الصحة. ويقول المتخصص الأمريكي الدكتور هنري لودج: إن ما نعرفه بكل تاكيد ووضوح هو أن أجسامنا مصممة لتعمل مستعينة بسلسلة من المواد الكيميائية الموجودة في الطعام. ومن الضروري أن نوفر لها أكبر عدد ممكن من هذه المواد، وذلك لأن الجسم يبحث عن العناصر المغذية لترميم الأنسجة، تصفية المواد الكيميائية، مكافحة الجراثيم وتوفير الوقود لملايين العمليات الأخرى. فالمهمات التي يقوم بها الجسم لا تحصى ولا تعد، والنظام الغذائي الصحي يأتي ليوفر للجسم ما يريده من العناصر الضرورية. ويعلق المتخصص في التغذية الأمريكي الدكتور جون لا بوما فيقول: إن الجسم ينتج مليوني خلية جديدة في كل ثانية، وهو يأخذ العناصر التي يحتاج إليها في ذلك إما من الطعام الذي نأكله، وفي غياب الطعام اللازم يضطر إلى "سرقتها" من أماكن أخرى، ليس من مصلحتنا أن يلجأ إليها، مثل العظام. وتجدر الإشارة إلى أن المكملات الغذائية لا تمنحنا الفوائد نفسها التي يقدمها الطعام. والواقع أن فوائد هذه المكملات على المدى البعيد لا تزال موضع تساؤل ودراسات. والواقع أن أحدا لا يفهم تماماً ظاهرة التضافر والتفاعل الذي يحصل بين العناصر المغذية مع بعضها البعض في مصادرها الطبيعية، وهذا أمر لا يمكن تحقيقه عند تناول المكملات الغذائية، ما يجعلها بديلاً فقيراً عن الطعام الصحي. ويقول لابوما: إن العلماء تمكنوا من التعرف إلى 10% فقط من احتياجات جسمنا من العناصر المغذية. أما الـ90% الأخرى فلا تزال موضوعاً غامضاً.
لذلك فإن أفضل ما يمكن القيام به تناول كمية وافرة من الأطعمة الكاملة الطازجة كي نحافظ على صحة جسمنا. والواقع أن هناك لكل مشكلة يواجهها جسمنا نوعاً أو أنواعاً محددة من الأطعمة تساعده على التغلب عليها. ونستعرض في ما يلي أبرزها:
1- التعرض للمواد السامة
ليس في الإمكان تجنب جميع المواد السامة التي نتعرض لها في حياتنا اليومية. لكن لحسن الحظ فإن الجسم بطبيعته مجهز لكي يتعامل مع هذه المواد. ويقول الدكتور دافيد غروتو: إن كل عضو في الجسم يلعب دوراً في التخلص من المواد السامة، الفضلات، الخلايا الميتة والمواد الأخرى. فلا يحتاج الواحد منا مثلا إلى عملية غسل للقولون،أو إلى اتباع نظام تنقية معقد. وعوضاً عن ذلك، يمكن منح الجسم العناصر المغذية التي يحتاج إليها لينقي نفسه بنفسه.
الأطعمة المناسبة لحل هذه المشكلة: تشكل الكبد العنصر الرئيسي لتنقية الجسم، وذلك لأنها تنقيه من المواد الكيميائية الموجودة في الأطعمة. وللحفاظ على صحة الكبد يجب تناول الخضار الورقية الخضراء، طحالب البحر، البروكولي، فهي تنشط جينات التنقية في الكبد. كذلك فإن الخرشوف الغني بالـ"سيليمارين"، أحد أنواع الـ"فلافونويدز"، سهل على الكبد عملية التنظيف هذه. وتحتل الأمعاء المرتبة الثانية على لائحة الأعضاء المهمة لتنقية الجسم. ولتنظيف الأمعاء علينا أن نتناول الألياف الغذائية المتوافرة في الفواكه والخضار والحبوب والبقوليات، وهناك نوعان من الألياف: القابلة للذوبان في الماء وغير القابلة لذلك، ويلعب كلاهما دوراً في تنقية الأمعاء.
والألياف غير القابلة للذوبان في الماء موجودة في أطعمة، مثل: خبز القمح الكامل، الأرز البني، الكوسة، الجزر، وهي مفيدة، لأنها لا تتحلل في الأمعاء، بل تسهم في تنشيط الحركة داخل الأمعاء، وهذا مهم لأنه يعني تقصير المدة التي تقضيها المواد السامة في الجسم.
أما الألياف القابلة للذوبان في الماء فهي موجودة في: الشوفان، المكسرات، الفاصولياء، التفاح، الإجاص والفراولة، وهي تمتزج بالماء في الأمعاء لتشكل مواد هلامية تمتص السموم. ويعتبر غروتو الخوخ المجفف أفضل الأطعمة المنظفة للأمعاء، لأنه يحتوي على كلا النوعين من الألياف. وهو ينصح بتناول ما بين20و35 غراما من الألياف الغذائية يوميا للحفاظ على نظافة الأمعاء.
2- الالتهابات
تكون بعض الالتهابات واضحة، فنرى بعض عوارضها، مثل: الاحمرار والورم اللذين يظهران حول جرح أو إصابة. ولكن في كثير من الأحيان تكون الالتهابات غير مرئية داخل الجسم، مثلما يحصل في الجهاز الهضمي في حالات التحسس من أحد أنواع الأطعمة، أو عندما يؤدي ارتفاع مستويات السكر في الدم إلى تهيجات في جدران الشرايين. وعلى المدى البعيد، يمكن لمثل هذه الالتهابات أن تتفاقم وتصبح حالات مهددة للحياة، مثل: السكري، مرض القلب وحتى مرض الزهايمر.
الأطعمة المناسبة لحل هذه المشكلة: أقوى الأطعمة المكافحة للالتهابات هي تلك الغنية بأحماض أوميغا-3 الدهنية، التي تخفف الالتهابات. وأغنى المصادر النباتية فهي: الجوز، بذور الكتان وزيت الكانولا. من جهة ثانية فإن الالتهابات تنتج جزيئات حرة، وهي ذرات ضارة جداً يمكن أن تسبب أمراضاً خطيرة، مثل: السرطان ومرض القلب. ولمنح الجسم فرصة لمكافحة هذه الجزيئات من الضروري تناول حصة واحدة على الأقل من الأطعمة الغنية بمضادات الأكسدة، مثل: الشاي الأخضر، الفاصولياء السوداء، ثمار العليق، المكسرات، الشكولاتة السوداء في كل وجبة.
وكانت الأبحاث قد أظهرت أن الشاي الأخضر يحتوي على مضاد أكسدة قوي يعرف اختصاراً بـEGCG وهو فاعل في كبح إنتاج المواد الكيميائية المسببة للالتهابات في الجسم، بما فيها تلك المسؤولة عن التهاب المفاصل. كذلك يحتوي الشاي الأخضر على مضادات أكسدة أخرى هي الـ"كاتيشينز" التي تسهم في وقاية الغضاريف من البلى، ما يحافظ على صحة المفاصل لوقت أطول.
ومن جهة يحتوي الزنجبيل على مواد كيميائية مضادة للالتهابات لا تقل فاعلية عن الأدوية الخاصة بذلك. غير أن الزنجبيل يحتوي أيضاً على مواد تعزز سيلان الدم، لذلك، وفي حالة تناول أي دواء آخر، يجب استشارة الطبيب قبل تناول الزنجبيل.
3- الأنسجة المتضررة
عندما تشيخ الأنسجة تفقد نسبة من مرونتها، أي أنها بعد التعرض لإصابة ما، لا تتمكن من العودة إلى حالتها الطبيعية بسرعة كما كانت تفعل عندما كانت يافعة. ومعظم أنسجة الجسم داخلية لا يمكن رؤيتها، ويشكل الجلد مرآة تعكس حالة أنسجة الجسم بشكل عام. ويقول شون تالبوت، المتخصص الأمريكي في التغذية البيوكيميائية: إن الجلد اليافع مرن ورطب وقابل للتمدد. وعندما يشيخ يصبح جافاً، قاسياً وقابلاً للتشقق، ويعتبر الظهور المبكر للتجاعيد مؤشر خطر يعكس ما يصيب الأنسجة العميقة الأخرى من الأضرار.
الأطعمة المناسبة لحل هذه المشكلة: ليس هناك أفضل من البروتينات لترميم الأنسجة. ولتشكيل البروتينات يستخدم الجسم 20 حامضاً أمينياً، وخاصة اثنين هما "أرجينين" و"غلوتامين"، يعتبران أساسيين في عملية ترميم الأنسجة. وقد أظهرت الأبحاث أن "الأرجينين" يلعب دور شرطي السير في توجيه البروتين إلى الموقع الذي يحتاج إلى ترميم. أما "الغلوتامين" تلعب دور مصدر الطاقة السريع الذي يسمح للجسم بتسريع عملية الترميم. أما أبرز الأطعمة الصحية الغنية بالبروتين فهي: البذور، المكسرات، اللحوم خفيفة الدهون (لحم الديك الرومي) وثمار البحر والأسماك. وتعتبر مشتقات الحليب مثالية، في هذا المجال، لأنها تحتوي على كل من "الأرجينين" والغلوتامين.
وفي حالات الترميم المركز على أنسجة معينة، مثل تخفيف ألم العضلات بعد ممارسة الرياضة، أو شفاء نسيج رابط تعرض للتمزق، ينصح تالبوت بتناول الأناناس والبابايا، فكلاهما يحتوي على أنزيمات "بروتيوليتيك"، التي تحلل أنسجة الندوب وتجدد خلايا الأنسجة. والعنصر المغذي الرئيسي في الأناناس هو البروملاين، وهو مضاد التهابات معروف. وفي البابايا، يعمل أنزيم اسمه باباين بتحليل أنسجة الندوب. فضلاً عن ذلك فإن الأناناس والبابايا يوفران فيتامين C للجسم، وهو عنصر ضروري أيضاً لترميم الأنسجة.
4- ضعف المناعة
الوقاية من الرشح والإنفلونزا والعدوى والأمراض بشكل عام تستلزم جهاز مناعة قوياً.
الأطعمة المناسبة لحل هذه المشكلة: يجب العودة هنا إلى الأمعاء التي تلعب دوراً رئيسياً في التحكم في الجهاز المناعي. والأمعاء تحتاج يومياً إلى الجراثيم الحميدة لإبطال مفعول الجراثيم الضارة التي تدخلها مع الطعام وتتكاثر فيها. لذلك من الضروري تناول الأطعمة المخمرة، مثل اللبن، الذي يحتوي على جراثيم حميدة هي Lactobacillus acidophilus إضافة إلى اللبن ينصح الدكتور ودسون ميريل، المتخصص الأمريكي في الطب التكاملي، بتناول الفطر، ويقول: إن الفطر هو واحد من أكثر الأطعمة قدرة على تقوية الجهاز المناعي. وكانت الدراسات قد أظهرت أن سلسلة السكريات الطويلة الموجودة في الفطر، أو الـ"بوليساكارايدز"، تقوي المناعة عن طريق رفع مستويات خلايا Tالقاتلة الطبيعية، إضافة إلى تعزيز إنتاج "السيتوكينز" التي تتضافر مع الخلايا المذكورة لمكافحة العدوى. ومن المفيد تناول الفطر مرة أو مرتين أسبوعياً. وعلى الرغم من أن جميع أنواع الفطر مفيدة، إلا أن نوعي "تشيتاكي"، و"مايتاكي" هي أفضلها لتعزيز المناعة.
5- اضطراب التوازن القلوي- الحمضي
واحدة من الحقائق الأقل انتشاراً ومعرفة عن أجسامنا هي أنها تعمل بشكل أفضل على المدى الطويل إذا هيمن توازن قلوي – حمضي فيها، أو إذا كانت البيئة العامة في الجسم تميل إلى القلوية. ويقول العديد من الخبراء إن ارتفاع مستوى الحموضة في الجسم يجبره على بذل جهد أكبر من المعتاد. وعلى الرغم من أن الجسم يمكنه أن يستعين تلقائياً بمخزونه القلوي ليعدل أي خلل في التوازن القلوي_الحمضي، إلا أن بعض الخبراء يقولون إن عملية إعادة التوازن هذه تسلب الجسم من عناصر مغذية رئيسية، وتخفض من مستوى حيوية الخلايا ونشاطها، وتتركنا أكثر عرضة للإصابة بسلسلة من الأمراض المزمنة.
وتجدر الإشارة إلى أن جميع عمليات الجسم البيولوجية لا يمكن أن تحدث إلا في ظل توازن قلوي- حمضي، أو في ظل خلل بسيط في المعادلة، لذلك يجهد الجسم دوماً للحفاظ على هذا التوازن. ويعتبر البروفيسور لوران كوردين، أستاذ الصحة والعلوم الرياضية في جامعة كولورادو الأمريكية، واحداً من الخبراء الكثيرين الذين يعتقدون أن ارتفاع نسبة الحموضة في النظام الغذائي الحديث، مسؤول جزئياً عن العديد من الأمراض المزمنة، ويقول: إن النظام الغذائي الغني بالمنتجات النباتية وباللحوم خفيفة الدهون أسهم في الحفاظ على التوازن القلوي- الحمضي في أجسام الإنسان القديم. أما اليوم فإن الإكثار من الملح ومن الكربوهيدرات المكررة ومن الدهون، وندرة الفواكه والخضار في النظام الغذائي المهيمن، يسهم في الإصابة بالأمراض ويجبر الكليتين على سحب المعادن من العظام.
الأطعمة المناسبة لحل المشكلة: يتم إحلال التوازن القلوي- الحمضي في الجسم عندما تشكل الخضار والفواكه مصدر ثلث الوحدات الحرارية التي نتناولها يومياً(أي ما يعادل ثلثي كمية الطعام التي نأكلها). ويقول كوردين: إننا إذا جعلنا الفواكه والخضار تشكل 35% من مجمل الوحدات الحرارية التي نتناولها يومياً، ننجح في الحفاظ على التوازن القلوي- الحمضي في الجسم.
وفي النهاية ينصح الدكتور هنري لودج، المتخصص الأمريكي في علم النفس والصحة العامة، بتناول الطعام مع الأصدقاء. ويقول إن أجسامنا تحتاج إلى التواصل مع الآخرين، وأن هذا التواصل لا يقل أهمية عن الرياضة والتغذية الصحية التي تقينا من الأمراض المزمنة، مثل مرض القلب والسرطان. فعندما نأكل مع الآخرين, تقل إمكانية التهامنا للطعام بسرعة, وهو أمر يضر بعملية الهضم بأكملها, وكذلك فوجود الآخرين معنا يدفعنا إلى الأكل ببطء وإلى مضغ الطعام جيداً، ما يساعد على امتصاص أكبر قدر من العناصر المغذية، والاستفادة منها في وقاية أنفسنا من الأمراض.
www.balagh.com

JoomShaper