د. كميل موسى فرام
- يعتبر الحمل والإنجاب الفصل الأهم في دستور الحياة الزوجية، باعتباره يمثل مدخلا وشكلا من أشكال الاستقرار العائلي، قد يبدأ الحديث به قبل تاريخ الاستحقاق، فأصبح واقعه اليوم يتمثل بشكل من أشكال الحصانة لاستحقاقه، واعتباره حدثا زوجيا يستحق الاحتفال به بسبب زيادة نسبة حالات الفشل بترجمة الحلم لواقع ضمن فترة زمنية تختلف معطياتها باختلاف ظروف رعاياها، ليصبح الزوجان بؤرة الاهتمام للنصائح التي تطلق سهامها بقالب يحمل في ظاهره صورة الحرص ويترجم بحسن النية، وهما يمتلكان في البداية مبرر التأجيل والتأخير للاستمتاع بفصول الزوجية ونسائم الليالي الحمراء تحت فاصل الفطرة الإنسانية ولكنهما سرعان ما ينخرطان بركب الباحثين بعد دخول هواجس الشك لقدراتهما، فتصبح أحاديث الأيام أوراقا خريفية تتساقط بحكم الفصل العمري كنوع من أنواع الصحوة التي تحتل مرتبة الاستعجال.
المعادلة الطبيعية للحمل
وللتذكير، فالمعادلة الطبيعية للحمل تتمثل بنتيجة تلقائية لاتحاد المادة الجينية في الحيوان المنوي للزوج مع المادة الجينية في بويضة الزوجة وضمن شيفرة الوراثة المحكمة الترتيب، بعد لقاء جسدي ضمن أحكام الطبيعة الإنسانية مجرد من كل أشكال الممنوع، بتوقيت مناسب لموعد الاباضة الشهرية، لقاء يعلم الزوجان بأهمية تكرار حدوثه لاختلاف توقيت الاباضة الشهري بالرغم من انتظام حدوث الدورة الشهرية، فحصول الحمل ليس نتيجة حتمية للتجربة المنظمة بالمحاولة الأولى كما أنه لا يعتبر دليلا على خلل صحي عند أحد الأطراف حيث لا يمكن تشخيص العقم إلا بعد مرور سنة كاملة من الزواج يتخللها لقاءات زوجية منتظمة ضمن الأصول الصحيحة لكلا الطرفين ويشترط لحدوثه الاستظلال بمظلة الدفء التي ترتوي من مفاصل الاستقرار النفسي وبعيدا عن هواجس الخوف والاضطراب أو المقارنة بأقران آخرين، فقد أثبتت الدراسات العلمية عدم قدرة الغدة النخامية التي تسكن بالدماغ على إفراز المحفزات الهرمونية المسؤولة عن فقرة النشاط الإنجابي بالحياة عندما تتعرض لوابل من ضغوطات التشتت، ويحضرني هنا التوضيح بأن استجابة الجسم لأجواء الرومانسية يعتبر نتيجة فطرية بالتكوين، لكن أداء سيمفونيتها بفوضوية الرغبة لا يشكل صكا بضمان النتيجة كما يعتقد البعض.
مسؤولية الزوجة عن الفشل
تتعدد أسباب مسؤولية الزوجة عن فشل الحمل والإنجاب، وصور البحث تأخذ طريقا أصعب من الجانب الذكري لوجود منعطفات تشخيصية بسبب تعدد المحطات المحتملة فتتوزع عقوبة الفشل بنسبة المساهمة، ولتسهيل الوصول للمحطة التشخيصية فإن قمة الحكمة تتمثل في رسم خطة تشخيصية بتسلسل يحترم التوقيت والأهمية السببية، لنجعل الحديث عن فرضيات خلل الاباضة وطريق انتقالها يحتل عنوان الصفحة الأولى بمشروع البحث.
خلل الاباضة بأشكاله المختلفة
فشل الاباضة النسبي والمطلق يحتاج لوقفة تأملية وتحليلية، تترجم سلامة العلاقة الفسيولوجية بين مثلث محور التحكم المتمثل بالغدة النخامية- المهاد والمبيض، محطة رئيسية بخطة البحث تترجم نتائجها خلل الاباضة بأشكاله المختلفة، حيث تشكل النسبة الكبرى من الأسباب فشل الانتاج، تشخيص مرضي يحتاج لدقة التفسير بهدف تحديد العضو المقصر للتركيز على تشخيص سبب التقصير الوظيفي، فقد يكون الخلل ناتجا عن فشل وظيفي بالمركز الدماغي (الغدة النخامية) أو فشل المهاد، واسباب ذلك متعددة ولا يمكن التعرف عليها أحيانا حيث أن انخفاض مستوى الهرمونات التحفيزية المنتجة نتيجة التهاب أو خلل أو ضمور أو الاصابة بورم معين أو كون ذلك جزءا من متلازمة مرضية خلقية أو فقدان الوظيفة نتيجة حالة نزفية حادة أو تدمير الخلايا الوظيفية نتيجة التعرض لجرعات اشعاعية أو تناول جرعات من الأدوية النفسية بدون الالتزام بضوابط المتابعة وغيرها.
بويضات صحيحة التكوين
فشل المبيض في وظيفته الانتاجية لبويضات صحيحة التكوين يعتبر السبب الرئيسي بالجانب الأنثوي، فنجد المعادلة الهرمونية لهرمونات الاباضة في الدورة الدموية ضمن المستوى الطبيعي مع انعدام الدليل لفرصة الاباضة بشكله المعهود، ويمثل انتشار متلازمة المبيض المتكيس المثال الأقوى لنتائج الخلل الوظيفي بالقفز على رأس القائمة او ضعف الأداء الوظيفي كمحصلة لمتلازمة مرضية وراثية أو مكتسبة أو انتكاس المبيض والدخول بدوامة الفشل المبكر نتيجة شيخوخة مبكرة لخلايا المبيض المنتجة للأمشاج أو فشل المبيض بالاستجابة لهرمونات الغدة النخامية نتيجة خلل ذاتي أو خلل عضوي، أو انتكاسة وظيفية بمستوى المستقبلات العصبية والهرمونية للمبيض، فجميعها أمور تختلط صورتها المرضية مع نتائج التحليل المخبري لهرموناتها المتخصصة، واحدة من المحطات الطبية التي تستخدم وتوظف فيها فنون التشخيص والربط لتمنح الطبيب المعالج شهرة وشهادة تضاف لسيرته الذاتية بتميزه بربط النتائج دون أن يكون استنادا لمعادلة رياضية تمنع الاجتهاد.
«قناة فالوب»
الخلل الوظيفي بالعضو الناقل «قناة فالوب» يشكل حكاية أخرى بأحداث مختلفة، فانسداد المجرى سيمنع ببساطة فرصة انتقال الحيوان المنوي للقاء معشوقته بشرفة القناة الجانبية، وذلك يعني صراحة انعدام فرصة انتقال النطفات - لو كتب لها التكوين – من شرفة اللقاء بعد الاتحاد إلى منزل التكوين «الرحم»، وربما يكون الخلل الوظيفي بتشكل مطبات شافطة أو تخلخل بحركة القناة الهدبية لنقل النطفة، فرصة تزيد من امكانية حدوث الحمل الهاجر خارج الرحم، وللتوضيح فإن وظيفة القناة لا تنحصر بدور سلبي كطريق معبد بل تتعدى ذلك باعتبارها المكان المثالي لحدوث العديد من التحولات الحيوية مثل نزع ذيل الحيوان المنوي قبل التصاقه بالبويضة، حدوث مفصل الاتحاد الجيني لتتكون النطفة والجنين ثم الحركة الهدبية المسؤولة عن انتقال الجنين، مؤشر يحتاج للتدقيق بوظيفة الناقل وانسياب قناته، ضمن مفرزة من الأمراض التدميرية المؤثرة مثل التهاب الجهاز الانثوي الحاد أو التأثر بالتصاقات نتيجة عمليات جراحية أو نزيف داخلي أو تأثرها بالنتائج الجانبية لمسلسل بطانة الرحم الهاجرة أو ربما تأثرها بواحدة من الأمراض المدمرة مثل التهاب السل، أو التهابات الأمعاء الغاثقة.
حقيقة بطانة الرحم الهاجرة
هذه الحقيقة توضح أن هناك توأمة بالوظيفة الطبيعية للقناة والتي تتمثل بضرورة تمتعها بالمسلكية وبيئة صالحة لمراحل فسيولوجية بالتكوين تكللها حركة هدبية لنقل الضيف لمكان الاقامة.
هناك حقيقة بطانة الرحم الهاجرة والتي لا يمكن تجاهل احتماليتها كلاعب مؤثر ورئيسي، ويجب أن يحتل مكانا بارزا بخارطة البحث، واقع صحي غير طبيعي يلعب دوره السلبي بالعديد من أسلحة التدمير كسبب ونتيجة جانبية، فتكون التصاقات حول الأعضاء التي تشغل حيز الحوض قد يسبب خللا ميكانيكيا بوظيفة القناة الناقلة نتيجة انسداد مجراها أو فقدان وظيفتها الحركية، كما أن السلوك المرضي للخلايا الهاجرة يتسبب بشكل من أشكال التفاعل الموضعي متسببا بارتفاع نسبة وجاهزية خلايا الدفاع بالجهاز المناعي التي تغير من معطيات البيئة المثالية الداخلية ويمكنها ابتلاع الحيوانات المنوية النشيطة.
سحر المعادلة الانجابية
الرحم يمثل المحطة الأولى والنهائية في رحلة الحمل، فوجود بطانته بظروف مثالية ومستعدة لاحتضان الجنين ورعايته يشكل سحر المعادلة الانجابية، والبطانة المثالية تعكس الاستجابة الصحيحة لهرمونات المبيض والتي تفرز ضمن معادلة محكمة استجابة لهرمونات التحفيز من الغدة النخامية، فتهيئة بويضة ناضجة مؤهلة للحمل تسير بالتوافق مع تهيئة بيئة الرحم لاستقبال الجنين المنتظر، أمور دقيقة ترتبط بنسبة الهرمونات المنتجة بالجسم.
من جهته استطاع العقل البشري التوصل لبعض ألغازها ولكن شيفرتها تمثل أحجية المستحيل بتحليل كينونتها لواقع يلزمنا استخدام علاجات معينة بفاصل الأمل فيعتمد الحكم عليها بالنتيجة والتي نفتقر لبرهانها حتى في حالات النجاح. تأثر الرحم بنمو ألياف رحمية أو نتوءات وزوائد لحمية يمثل شكلا آخر من اشكال الخلل الوظيفي بأداء الرحم، فأي منهما قد يسبب اضطرابا ببيئة الرحم أو تضاريسية التكوينية بل قد يقلص من مساحة التجويف الرحمي خصوصا للأرحام التي تتعرض لعمليات تجريف بصورة عشوائية ينتج عنها تكوين شكل من اشكال الالتصاقات الداخلية التي قد تحرم الحمل أو تمنع انغراس الجنين أوقد تؤثر بتغذيته، ناهيك عن إمكانية وجود خلل خلقي بتكوين الرحم وشكله ليحرمه من أداء وظيفته أو ربما ظروف تزلزل الرحم وعنقه ليصبحا خارج معادلة الانجاب، وللتذكير فإن مفاصل الدورة الشهرية تعتبر الصفحة الأهم لنقش الواقع الانجابي باعتبارها احدى الصور المترجمة لوظيفة الرحم.
الانسجام الزوجي
الدور الحيوي للمرأة بالانجاب يتطلب تمتعها بقدرة انتاجية للبويضات الطبيعية وإفرازها بمسارها الطبيعي عند الانسجام الزوجي بتوقيت مناسب لفترة الحمل من أجل استكمال مراحل الاتحاد والتكوين، واقع يتطلب الجرأة بالاعتراف والفهم والتعاون للتحليق بمنطاد العلاج، صفة حصرية للنساء اللواتي يؤمنّ بتوظيف الوسائل العلاجية للمساعدة بعالم ضبابي متقلب استطاع .. فرْض َ نوع ٍ من الحصار على هوامش التفكير والتصرف وللحديث بقية...
أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية.
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
www.kamilfram.com
الدور المحوري للمرأة بالإنجاب ..التحليق بمنطاد العلاج والأمل !
- التفاصيل