تعاون الزوجين على رسم بنود الخطة العلاجية وتنفيذها يمثل صمام الأمان للنجاح، والحصول على رأي طبي آخر قد ينير شرارة السعادة التي تمثل تحقيق الطموح، ولكن تشرذم الأفكار بين الأراء الطبية سيؤسس لضبابية تدفع بهما لنفق والدخول من بوابته اليتيمة يحتاج لمهارة النفاذ من خرم ابرة المستحيل والتي دخلها البعض بنجاح بظروف مساعدة نادرة وحصرية ليبقى السؤال قائما وماذا بعد؟.
..غالبا ما تبقى محطة المهمات الصعبة في رحلتنا العلاجية التي انتقلنا خلالها بالصعوبات التي تواجه الزوجين للحمل والانجاب، فكان التحليق بفضائها أحيانا يمثل مغامرة تحتاج للجرأة لامتطاء منطادها بدون ضمانة لإيجاد كنز المشكلة، أما التجديف بشراعها فوق أمواج متناحرة فيتطلب التسلح بالعزم وتوظيف مهارات السباحة والعوم بدون ضمان أيضاً لختام يريح، لنختم بمرحلة المسير فوق صخور الألم والمعاناة والتي تراقب بعيون محيطة، ضمن نسائم النصائح من فلاسفة الخبرة على أمل الاهتداء للخلل لنرتاح ونريح. منطق الشفاء العلمي
ادراكنا لمنطق الشفاء العلمي الذي يتمثل بواقعه على توجيه مركبة العلاج المناسب حسب التشخيص، فمستوى البحث العلمي قد أماط اللثام عن خمسة وتسعين بالمائة من أسباب التأخير، بمعادلة منطقية أرقامها لا تقبل التجزئة وتتمثل بحزمة من خيارات العلاج لكل سبب، وأما اللجوء للخبرات السوقية بوقتنا المعاصر فذلك يمثل نوعا من الانهزام أو ارتداء ثوب اليأس أو استمرار التمسك بعادات اجتماعية قد حُـكمت بالاعدام، أو أن الزوجين قد أسرا نفسيهما بكوخ الحُجب وقراءة الفنجان.
العديد من الأبحاث العلمية تشير لاحتلال العقم غير المفسر المساحة الأكبر على الخارطة البيانية فيذهب البعض لتقديرها بنسبة قد تصل إلى ثلاثين بالمائة، خصوصا بعدم وجود إجماع بين أهل الاختصاص أو تصنيف البعض لها تحت منظومة معينة بدون اليقين ولأسباب مختلفة، وعودة على بدء، فإنني أجزم أن الالتزام بالتعريف الأساسي لحدوث الحمل يبنى على قاعدة بديهية - يمنع العبث أو التحايل على عنصريها – بضرورة تواجد الحيوان المنوي والبويضة، ومنها ننتقل برحلتنا للبحث عن الحلقة المفقودة في إطار رحلة اللقاء، الذي سيحدث حتما – وهذا نقطة ليست خلافية- ولكننا نعجز أحيانا عن تحديد الوقت الزمني والذي يشكل شرارة الشعلة لفتيلة الأعصاب بعد اقتناء خوذة المغامرة، فواقع المشكلة مبالغ فيه لعجزنا عن تحديد الخلل ضمن حدود الاجتهاد.
وسائل المساعدة على الانجاب
إن التقنيات الحديثة بوسائل المساعدة على الانجاب قد رصفت الطريق الزوجية لقصور السعادة بوقت زمني قياسي فتغني عن دوامة البحث أو العبث بالمصطلحات، عوامل تجعلني أتحفظ على التشخيص للبحث عن تسمية أخرى لسبب مقدر بحدوث الحمل بعد وقت ,إعلانا لظلم التسمية. هناك مقدمة أساسية لا بد من التذكير بها للزوجين اللذين ينشدان عضوية الانجاب بضرورة تواجدهما المشترك بكل مراحل الرحلة العلاجية بغض النظر عن صاحب الخلل، الامتناع عن تناول المنشطات الجنسية وأغذية بروتينات البناء العضلي وكمال الأجسام لتأثيرها السلبي على وظائف الجهاز التناسلي، الاعتراف أمام الطبيب المعالج بأية ظروف أو ممارسات سلبية على الأداء الزوجي، الإدراك والايمان بأن مشكلة الحمل هي مشكلة زمنية وليست مشكلة فنية.
أساسيات الحياة الزوجية
يمكن للأسباب الكامنة وراء المشكلة أن لا تكون محددة أو هناك صعوبة بتحديدها ضمن الخطة العلاجية التي تعتمد الأسباب الأكثر شيوعا، فيكون القفز عنها مصدرا للقلق الزائد، والمؤسف أن أحد الاحتمالات التي تحتل ركنا مهما بالخطة التشخيصية تعتمد بديهية صعوبة الوصول للسبب أو أنه لا يوجد سبب واحد واضح لفشل الحمل بالنسبة الزوجين، وأن مشكلتهما قد تكون نتيجة لانحرافات بسيطة متعددة في كيفية نظمهما الإنجابية ومنها التعاون لأداء المهمة الزوجية بقدر يختلف عنه كمفصل من أساسيات الحياة الزوجية، وفي ذلك مغامرة بدخول فضاء الضغط النفسي الذي يحبط أي محاولة لتجاوز المطبات.
يجب أن تشمل الخطة العلاجية التي نتعامل فيها مع عقم غير مفسر الأسباب بتحليل عناصر مهمة ترتبط بها بالرغم من سلبية وجودها بخطة التشخيص الأولى، ويقيني أن الاعتماد على العبارة الطبية بفشل القدرة على تحديد سبب معين لا يعتبر وصفة علاجية كخاتمة للرحلة، وهي ليست أكثر من رأي مخدر أو وجهة نظر تحترم، حيث أن الخطة العلاجية تتطلب إعادة التفكير باحتمالية وجود بطانة الرحم الهاجرة كسبب خصوصا عندما يكون الخلل بدرجة خفيفة، طريق يقودنا لتحليل وظيفة المبيض بصورة أدق لاستثناء الشيخوخة المبكرة والتي عندما تنتج بويضات فتكون تلك من النوعية المنتهية الصلاحية، وإعادة التأكيد على وظيفة البوقين من باب الأداء الفيسيولوجي بحركته الهدبية، والتوقف بصورة إجبارية لتحليل العوامل المؤثرة على وظيفة مناعة الجسم، فشذوذ المناعة يمكن أن يكون سببا رئيسيا أو وحيدا لفشل الحمل لطبيعة الدور المحوري لهذه المحطة الانجابية.
وظيفة الغدة الدرقية والنخامية
الانتقال لاعادة تقييم وظيفة الغدة الدرقية والنخامية بدرجة تعتمد على أبعاد الدقة قد تكون كفيلة بحمل الجواب الذي ننتظره بالتزامن مع تركيز البحث على وظائف الحيوانات المنوية والهرمونات الذكرية، خصوصا أن الدراسات الحديثة تؤشر لوظائف بيوكيميائية لتمكين الحيوان المنوي من أداء مهمته المنتظرة، ومعيدا التذكير أنني لا أتحدث عن الفحولة المتمثلة بقدرة العضو الذكري على الانتصاب وأداء المهمة الزوجية والتي ربما تكون بفعل مساعدة عقارية تحت ظروف السرية.
الفحص الطبي تحت التخدير العام وإجراء عملية تنظير وتجريف لبطانة الرحم في النصف الثاني من الدورة الشهرية لإجراء دراسة نسيجية توضح طبيعة الطبقة التشريحية المبطنة للرحم ومدى ملائمتها من حيث التكوين الوظيفي لاحتضان الجنين، وهي تعكس صورة العلاقة القائمة بين الغدة النخامية والمبيض والرحم كمثلث السيطرة على الوظيفة الانجابية بواقع التنسيق الدقيق، ناهيك عن تشخيص انتنانات تمنع الرحم من أداء مهمته، وحبذا لو يتسلح الفريق المعالج بجرأة التنظير البطني بنفس الوقت فربما نصطدم بتشخيص يفسر لنا الخلل عندما نشاهد أعضاء الجهاز التناسلي، ويشترط هنا الادراك أن هذه الخطوات ليست كفيلة بالاجابة عن السؤال موضوع البحث، فربما يكون مفتاح الحل بواحد من عسكر الجهاز المناعي أو مطبات جهاز التميع بالجسم.
ارتداء ثوب الاحباط
التقدم المضطرد والانتشار الواسع لوسائل المساعدة على الحمل ساعدا على تحجيم المشكلة ومحاصرتها بزاوية ضيقة بتوفيره حلولا واقعية تساهم باختصار الزمن وتجنب الدخول في دوامة البحث عن مبررات الدفاع أمام أدعياء الاهتمام، ويستند العمل بها لأصول علمية وأخلاقية تسمح فيها القوانين التي تحكم العمل الطبي، كما أنها مجازة من دار الافتاء، ويقوم على تنفيذ بنودها أفراد الفريق الطبي الذين أقسموا بالاخلاص فكانوا سببا لادخال السعادة لقلوب جفت دماؤها بعد أن وصلت لطريق مسدود ليجور عليها الزمن بارتداء ثوب الاحباط، والتفكير بهذه الخطوة لا يحتاج لمماطلة عندما يكون التشخيص خللا بوظيفة البوقين أو صعوبة بالمهمة الزوجية أو بوادر شيخوخة مبكرة لأي من القطبين على أن يدرك الزوجان أن نتيجة المحاولة الواحدة تبقى ضمن حدود الربع الأول مهما كانت ظروفها.
تعاون الزوجين برسم بنود الخطة العلاجية وتنفيذها يمثلان صمام الأمان للنجاح، والحصول على رأي طبي آخر قد ينير شرارة السعادة التي تمثل تحقيق الطموح، ولكن تشرذم الأفكار بين الآراء الطبية سيؤسس لضبابية تدفع بهمها لنفق والدخول من بوابته اليتيمة يحتاج لمهارة النفاذ من خرم ابرة المستحيل والتي دخلها البعض بنجاح بظروف مساعدة نادرة وحصرية ليبقى السؤال قائما وماذا بعد؟ وللحديث بقية.
د. كميل موسى فرام
أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الاردنية