دكتور كميل موسى فرام -
تتردد بعض الإناث ،والرجال أيضاً في الذهاب للطبيب بحثا عن النصيحة الطبية أو طلبا للعلاج، بل ونادرا ما نجد سيدة تطرق الباب الطبي وتحمل بين اسطر حديثها شجاعة إجراء الفحوصات الطبية؛ كمتطلب من برامج الكشف المبكر للبحث عن بوادر مشاريع مرضية بالمستقبل وقبل الدخول بمرحلة الشكوى للعلاج.
وربما يكون سبب التردد الرئيسي ،الخوف من اكتشاف مرض ببداياته أو توفيرا لنفقات تعتقد أن مجال صرفها الصحيح هو بمتابعة صرعات الموضة أو المكياج أو الجلوس بمقهى أو مطعم لاحتساء فنجان قهوة، ويتضاعف حجم البركان المرضي عند الفئة الأنثوية التي حُرمت من الزواج أو أن الظروف قد حذفتها لقطار الوحدة بعد زواج فاشل ؛انتهى بالطلاق أو الفراق أو خيانة زوجية أو قصة عاطفية ذابت حروفها بليل قاتم الظلمات.
أوراق خريفية
أو- في بعض الحالات- نجد أن القدر كتب لها أن تكون أرملة; منصفا إياها أو ظالما لها، فتقبل لنفسها مفاصل الألم والشكوى بصمت أو الاستماع لنصيحة بلدية بعنوان السترة، أو لديها ايمان مطلق بأن التفتيش عن المرض قد يبرر ولادته، لتدفع ثمن هذا الاستهتار الصحي بفصول معاناة وشكوى تكتب مفرداتها بدموع العين والتي إن جفت فيصعب تحليل حروفها ،لتضيع الحقيقة بين أوراق خريفية تتجرد من خضرتها فتصفر وتسقط على الأرض بدون ندم، فتحذف برياح غابرة أو يلتئم وجودها بحاوية النفايات تمهيدا للحرق والرماد.
وسائل التثقيف الصحي
المؤسف والمبكي أن وسائل التثقيف الصحي تحاصرنا في جميع مجالات العمل والحياة، وما انتشار اليافطات الاعلانية على جوانب الطرقات وخصوصا في منطقة الاشارات الضوئية (ببعض التحفظ على شعاراتها) إلا واحدة من وسائل التذكير التي ترسل رسالة لكل منا بأهمية المحافظة على متطلبات الصحة الأساسية وبعيدا عن زلازل المرض ومهما كانت صوره، فأفراد عائلة وسائل الاعلام هم بتوالد وتزايد يفوقان التوقع خصوصا بعد أن أصبح كوكبنا الكبير قرية صغيرة، وانتقلنا بسلم الأمان الصحي لمركز مرموق نتيجة قدرتنا على نشر وتوفير المراكز الصحية التي تقدم الارشاد والنصيحة، ودخول قنوات الأطباق اللاقطة للمحطات التلفزيونية ذات التواصل مع الأقمار الاصطناعية للمنزل قدر لا يمكن اجتنابه أو إنكاره، ناهيك عن شرارة عصرنا بشرائح الهواتف الخلوية التي تستعمل كمخزِّن للذاكرة بحجم خدمتها التلفونية، وتصل حُمى السباق والمنافسة بين الشركات الصانعة للتفنن بالرسائل القصيرة او الانفراد والتميز بدقة الصور الملتقطة بكاميراتها والتي توظف حصريا لهدر الوقت والمال.
الصورة المؤسفة تتجسد عندما تتواجد إحدى الاناث بعيادة النسائية على استحياء بشكوى مرضية تتمثل بإضطراب الدورة الشهرية أو نزيف رحمي مؤثر أو ألم بأسفل البطن ومرافق أو مرتبط لوظائف الجهاز الأنثوي أو ملاحظة زيادة حجم البطن بشكل متدرج أو وجود إفرازات مهبلية بمنطقة العجان، ليبدأ الطبيب بتحليل أعراض السيرة المرضية وهو يحمل بحديثه عتبا على التأخير للبحث عن العلاج والشفاء أو التشخيص للخلل، ليجد قنبلة أخرى وقد انفجرت وتركت آثارا سلبية تحتاج للترميم متمثلة باستخدام وسائل علاجية بدافع ذاتي أو استجابة لنصيحة طبية من أحد أطراف دائرة القربى، فتسببت بتأخير الحضور أو ساهمت بطمس أعراض معينة فأعطت أملاً بالشفاء، أو أن هناك خجلا وترددا بالحضور لاعتقاد متوارث أن زيارة العيادة النسائية تنحصر بالنساء المتزوجات، بواقع يحرم الباقيات من الحضور حتى لا تتكون شكوك بالسلوك أو اعتبار ذلك نقطة سلبية بالسيرة الذاتية تحرمها من فرص الزواج المستقبلية أو أن ذلك يمثل نقطة تهديد عائلية تحمل بأبعادها متاهة الدخول ببوابة التبريرات على حساب نفقات الصحة بأجوائها المثالية.
الزوبعة الصحية
يوجه التردد والخوف والبخل والخجل سهاما مدمرة للركن الصحي وكأن ترحيل المشكلة سيمنع تطورها أو هو كفيل بحل عقدتها، فتشخيص الألياف الرحمية نتيجة شكوى مرضية تتراوح بين النزيف الرحمي الزائد بصورته المنتظمة أو الألم المرافق لتلك الزوبعة الصحية بشكل شهري أو الشعور بثقل متدرج بأسفل البطن أو ملاحظة تغير سلبي بوظيفة الجهاز البولي و/أو الهضمي أو الشعور بانتفاخ متدرج بحجم البطن.
كل ما سبق ، مؤشرات تفرض الكشف الطبي بصورة فورية لا تحتمل التأجيل، وأما الاكتفاء بإقناع النفس أن ذلك النزيف أو الانتفاخ مثلا يمثل الوصف الحقيقي لخصائص الواقع تهربا من زيارة طبية قد تحمل مفاجأة، فذلك يمثل ضربا من ضروب القفز على حفرة التعذيب والحرمان بطيب خاطر على الهلاك والانتحار.
كما أن الخوف من تشخيص وجود أكياس على المبيضين نتيجة شكوى مرضية مشابهة الأوصاف السابقة بما يترتب عليها من خطط علاجية لن يحمل بين أسطره وصفة سحرية للشفاء إضافة لحمله أبعاد مضاعفات مرضية تحتاج لخطوات علاجية أصعب بالتنفيذ وأقل من الطموح بالنتائج، بل أن الخسائر الصحية أحيانا لا يمكن تعويضها أو التعامل معها بأسلوب الشفقة خصوصا أن دموع العين أحيانا تخدر النفس ولكنها لا تعالج الخلل.
برامج الكشف المبكر
لا يمكنني حصر قائمة الأمراض التي يمكن تشخيصها نتيجة الزيارة الطبية بالتوقيت الصحيح والمناسب، كما لا يمكنني الجزم أن الزيارة الطبية أو تنفيذ بنود برامج الكشف المبكر سيكفلان اكتشاف الأمراض، ذريعة يتسلح بها البعض نتيجة تجارب سابقة أو قصص مرضية مشابهة، فالفائدة الطبية ليست رقما مطلقا مهما بذلنا أو عملنا، ولكن النتيجة بالتأكيد تحمل أبعادا ايجابية سواء للنفي أو الشك أو اليقين، فتنفيذ جدول الأولويات الحياتية يتطلب إعادة الترتيب والمراجعة المستمرة على أن يحتل البند الصحي الأولوية المطلقة بالزمن والتوقيت والتنفيذ والصرف، فالمغامرة أو التأجيل قد يغير معالم طريق الغد، فالسير بحذر فوق ألغام صحية، سيقنن فرصة هبوب نسائم السعادة التي نتمناها، ويزيد فرصة هطول أمطار الحرمان بصيف العمر نتيجة الخوف من الواقع.
ثوب الخوف
تحديد نقطة البداية لحركتنا الدائرية المغلقة يمثل إحدى محطات العجز الطبي بالممارسة حسب الأصول بنتائج تثبط العزائم، فتكرار الاصطدام بالتشخيص المرضي لأمراض شائعة وبمراحل متقدمة لا يشكل جرعة مناعية للاستسلام، بل يمثل واقعا سلبيا مؤثرا يتطلب التعاون لنشر الثقافة الصحية بين فئات التكوين للمجتمع، فتبني برامج الكشف المبكر واعتماد خطة الفحوصات الدورية بصورتها السنوية يحتاج لسياسة صحية يتعاون فيها أطراف العلاقة بشكل مستمر وواضح، ويبتعد عن استخدام الوسائل الاعلامية بصورة الفزعة الموسمية نتيجة حدث معين أو كرد فعل يزرع الخوف والتردد بين أفراد العينة المستهدفة نتيجة لسوء الاختيار أو التنفيذ بطريقة الأداء أو الدعوة.
ان لمسات الاعلان الناجح ، تحتاج لأنامل تستخدم فنون التشويق بالاخراج بواقع يغلف جرأة التقبل للنصيحة بالمحبة بل وقبول النتيجة بسلبيتها، فاستبدال ثوب الخوف من المجهول بثوب الواقع مهما كانت تضاريسه؛ يحتاج لمقاص متبادل بين مقدم النصيحة ومتلقيها، فتذوق مفاصل الحياة والاستمتاع بسيمفونيتها ينحتان الروعة بالأحداث والأيام ويزرعان السعادة بالقلوب بدون الحذر من المطبات الصحية التي تحرم البعض من التمتع أو تجعل الاستمتاع بفقراتها تحت شروط قاسية، ويرتبطان بدرجة كبيرة باستعداد الجنس اللطيف لتخصيص الوقت والظروف للتنفيذ خصوصا أن براكين الصحة تغلف بترابها المتناثر وارتداداتها المتلاحقة أجواء العائلة كضريبة للمساهمة بالجريمة.
اكتمال عناصر الصحة المثالية والمحافظة عليها عنوانان لدقة الفهم وترتيب الأولويات، وهم كنز يملكه الجميع ويرتديه الجريء وللحديث بقية.
أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الاردنية
توقيت الزيارة الطبية.. جرأة الواقع وجُبْنُ التأجيل
- التفاصيل