المحافظة على المستوى الصحي بدرجة المثالية هو مسؤولية شخصية، فتخصيص فقرة بميزانية العائلة للعناية بالصحة يمثل قمة الفهم على أن يكون الصرف من الرصيد المتوفر وليس وعدا لقرض قادم أو أولوية مؤجلة يتقدمها جيل جديد من صرعات الخلوي
الحديث عن الأورام السرطانية يمثل نوعا من الجرأة المختلطة بتوابل الجنون لاعتبارها تجاوزا عن سقف الحرية المسموح أو المألوف أو فرصة لارتداء ثوب الوحدة بعيدا عن جحافل المرض اللعين الذي أخشى من ذكر اسمه (مثلاً)، والمؤسف أننا نحاول الابتعاد ما أمكن عن التحليق بأجواء أمراض الأورام حتى لا تثار غباره الصحية الساكنة وكأن جرأة التحليق بفضائها سيساهم بروي بذورها وشتلاتها بسماد قاطع وسريع الفعل لتقصف من ربيع العمر سنوات كان بالامكان تفاديها، فسياسة الكشف المبكر ما زالت بمرحلة الخداج داخل حاضنة الأبحاث بسبب افتقارها لهدف الاهتمام بقدر اهتمامها بالفقرة المادية على أجندة الرعاية، وعقارب الساعة والزمن تشير ليوم بعيد للشكوى المرضية التي نركب بسببها صاروخ البحث والاستكشاف للشفاء والذي يمتزج بفصل ايماني يولد بحكم الظروف، حيث تختلط أوراق الأمل بالخوف حتى لو تطلب الأمر للاعتراف وإنكار الشكوى. الورم السرطاني للرحم يحتل أولوية تشخيصية وعلاجية بسماء الجنس اللطيف، ولا مناعة من الاصابة به لكونه الأكثر شيوعا بين أفراد الجهاز الأنثوي، والمؤسف أن برامج الكشف المبكر عاجزة عن تحديد وتسمية فحص يساعد بتشخيص المرض بمراحل النشوء والتطور علما أن عينة من بطانة الرحم وإجراء الفحص النسيجي تعطي كلمة حاسمة ولكن مثل هذه العينة تفتقر لمواصفات التعميم بسبب الحاجة للدخول للمستشفى والخضوع للفحص تحت التخدير الذي يتبعه أخذ العينة من بطانة الرحم بعد إجراء التنظير الرحمي المناسب، فتخضع العينة لدراسة تشريحية مفصلة للتشخيص.
هناك فئة أنثوية تحتاج لنشرات التوعية والشرح لظروف زيادة نسبة الاصابة بورم بطانة الرحم، على أن أبين بعدم الربط والشرط لكل حالة ليبقى الواقع ضمن مؤشرات تحتاج لنوع من الحذر والمتابعة، فوجود تاريخ صحي يؤشر لحدوث دورات شهرية تفتقر للاباضة، واقع يساهم بفعل مطلق لهرمون الاستروجين السحري وبدون رمز المعادلة من هرمون البروجيستيرون الذي يفرز من الجسم الأصفر بالمبيض بعد حدوث الاباضة بالتوقيت المناسب، وذلك يساعد على تضخم بحجم خلايا الطبقة المبطنة للرحم لدرجة أكبر من المناسب لحدوث الحمل بالظروف الطبيعية، وأكثر الحالات شيوعا لمثل هذا النوع من الدورات الشهرية يكون بين جيل المبيض المتكيس لافتقاره لمعادلة الاباضة بتوقيت منتظم، ويزيد هذا الخلل في حالات السمنة وزيادة الوزن أو الاصابة بمرض السكري بعمر زمني مبكر، أو هناك تاريخ شخصي بتناول علاجات هرمونية، فمثل هذه الحالات يجب أن تكون المبادرة بالبحث عن المرض وقبل حدوثه وقد كان موضوع مقالتي السابقة في هذه الزاوية.
ماذا نعني بالنزيف الرحمي ..؟
الفئة الأنثوية الأخرى تشمل جميع السيدات التي تعطي تاريخا مرضيا لحدوث نزيف رحمي غير مألوف حتى لو كان هذا النزيف الرحمي يقع ضمن المدة الزمنية للدورة الشهرية، والمقصود بعبارة النزيف الرحمي هذه صور مختلفة، فزيادة كمية الطمث من حيث النوعية والزمن يعتبر مؤشرا على خلل صحي وليس من الضرورة أن يكون هذا الخلل بسبب واقع سرطاني، كما أن حدوث نوبات من النزيف الرحمي بين فترات الدورة الشهرية يمثل شكلا آخر من أسباب القلق، وهناك فئة تكون الشكوى فيها كألم متكرر بأسفل البطن وتكون النتيجة بعد البحث والفحص أن السبب يعود لخلل بمنطقة الرحم، وربما الصدفة وحدها أحيانا تشير لشكوك بخلل معين بالرحم أثناء فحوصات الكشف الطبي.
يحضرني هنا أن أبين أن كلمة النزيف الرحمي لا تعني بالضرورة حدوث نزيف مؤثر كما هو مألوف بالتسمية، فربما إفرازات مهبلية تختلط بقليل من نقاط الدم بعد دخول السيدة لمرحلة سن الاياس كفيلة بالتحدي لخلل معين، يفرض التصرف بصورة فورية، وأنا لا أعارض بتوجيه الاتهام للرحم كمسبب حتى لو ثبتت براءته فيما بعد، فمراجعة قيوده الوظيفية تجعله بؤرة للشك، خصوصا أن مشاكسته تبدأ عادة بعد استنفاذ وظيفته الانجابية واستصدار أمر إحالته للاستيداع، فيتحول من عضو منتج وأساسي بالمحافظة على سلالة الخريطة البشرية إلى عدو صحي شرس يفتك بالصحة ليحرم العائلة كاملة من الاستمتاع بسنوات العمر اللاحقة.
تشخيص الورم السرطاني بالمطلق يعتمد على نتيجة الفحص النسيجي، والتقرير يجب أن يشير لدرجة التميز بالخلايا الخبيثة ونوعية تلك الخلايا، فبالرغم أن أفراد المجموعة تشترك بالتسمية ولكنها تختلف بدرجة الانتشار وسرعته، إضافة لاختلاف جذري بالخطة العلاجية، والانحراف عن الأصول الطبية بالخطوة الأولى يمثل انزلاقا قاتلا يصعب علينا تعويضه، خصوصا عندما تختلط مفاهيم العملية الجراحية الشفائية صاحبة المركز الأول بالخطة الشفائية.
استئصال الرحم
وذروة الصراع حول مفهوم الأنوثة
وإذا كان هناك اعتقاد أن استئصال الرحم يعتبر ايذانا بدخول حلبة الصراع الأخيرة، فيؤسفني التوضيح أن تفكير خطوة كهذه يمثل التخندق بنقطة الانطلاق نتيجة خلل الاستجابة لصافرة البداية مع الصراع. وعليه، فلا عذر لاستئصال رحم من جسم سيدة بدافع المعرفة أو الاختصار أو الثقة متخطيا أصول الفحص الأول تحت التخدير العام وأخذ خزعة من بطانة الرحم لتحديد النوع ودرجة التميز وهما الأساس بتحديد نوعية العملية الجراحية.
استئصال الرحم والمبيضين يمثل خطوة مشتركة بين جميع الأنواع وفي كل الحالات، وربما يكون القرار بتوسيع الخطوة الجراحية لدرجات استئصال الرحم بظروف نتيجة الخزعة النسيجية من حيث شمولها لاستئصال الروابط الحوضية والجزء العلوي من المهبل إضافة لاستئصال الغدد اللمفاوية بمنطقة الحوض وتلك المجموعة المجاورة للشريان الأبهري بحده الأدنى، كما أن هناك أنواع تتطلب استئصال منديل البطن لكونه يمثل هدفا للانتشار المبكر وقبل استفحال المرض بأعضاء الجسم الأخرى. فترة النقاهة التالية التي تتبع العملية الجراحية هي فترة التقرير للخطوة العلاجية التالية والتي تتراوح بين جرعات العلاج الاشعاعي بجدول مبرمج أو جرعات محددة من العلاج الكيماوي التي تؤثر بزيادة فعالية الأشعة العلاجية على قتل الخلايا السرطانية ولكن خط العلاج الكيماوي لا يعتبر خطا رئيسيا بالخطة العلاجية إلا لنوع حصري من الأورام السرطانية التي تصيب بطانة الرحم.
وبالجرأة نشفى ونهزم المرض
الشفاء من الورم السرطاني أمر بديهي إذا استوعبت المريضة ظروف مرضها وارتدت ثوب الجرأة لكسب رهان المعركة، والشفاء يحتاج لجرأة المريضة بمواجهة الواقع بعيدا عن العواطف التي تغلفها أفكار رثة متوارثة من الزمن الأغبر عندما كان حلاق البلدة صاحب الفتوة الطبية، عنوانها الاصابة بالمرض تعني الموت والجهود التي تبذل تمثل نوعا من التوسد لـتأخير فيزا الرحيل، بتوقيت مبرمج مع شركات عملاقة تبذل جهودا متواصلة لاكتشاف المزيد من وسائل القضاء على المرض، وهي شركات تنفق أموالاً بأرقام يصعب ترجمتها وبسباق ماراثوني مع أفراد القبيلة الخبيثة التي أصبحت تحرم البعض من فسحة الاستمتاع لتخوف من مجهول لا يرحم، فالمرض والصحة حكمة ولكل منها ظروفها التي تفرض التعامل بالتوقيت الصحيح.
لنا الحق جميعا بأن نحلم بتوفر وسائل التشخيص المبكر لجميع أنواع الأمراض السرطانية التي تصيب الانسان، ولنا الحق أن ننحاز لاختيار تلك القائمة التي تهاجم معشر الجنس اللطيف وتصنيفها بدرجة الخطر الأحمر، فنرصف الجهود بحرب استباقية قبل نقطة الصفر بسرها اللعين، والمؤسف أن النتائج العلمية المسجلة ما زالت بدرجة التواضع لاعلان الانتصار بمعركة قبل أن تبدأ بواسطة رصد تحركاتها وتغيراتها المؤذية بالمهد، ولكنني كعادتي متفائل بالغد لننهي قرونا من الصراع وإعلان انتهاء مرحلة الخوف مذكرا بأن المحافظة على المستوى الصحي بدرجة المثالية هو مسؤولية شخصية، فتخصيص فقرة بميزانية العائلة للعناية بالصحة يمثل قمة الفهم للدرس على أن يكون الصرف من الرصيد المتوفر وليس وعدا لقرض قادم أو أولوية مؤجلة يتقدمها جيل جديد من صرعات الخلوي وللحديث بقية!
*أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
www.kamilfram.com