يمثل الحصول على الشهادة الجامعية لممارسة أية مهنة حياتية اليوم، رخصة الانطلاق لميدان العمل حسب الظروف الشخصية التي تحكم المهنة بعوامل متعددة يصعب حصرها، ولكل مهنة ظروفها وكنوزها فيصعب التعميم ولكن العامل المشترك بهدف التميز والابداع خلاصة غير خلافية أبداً، والبداية المتواضعة تشكل الخطوة الأولى لدخول عالم الانجاز وقد تكون مفتاح الإبداع في المستقبل خصوصا إذا سارت الممارسة حسب الأصول مرورا بنقاط الاكتشاف لكسب مهارات تتراكم عبر الأيام وتشكل ذخيرة يمكن الفخر فيها كوازع للانفراد.
العطاء المطلق يمثل نتيجة حتمية ومقاصة رابحة لمن شق طريقه بجهد العمل وبعيدا عن جحافل التوريث، وربما يكون الأمر أكثر صعوبة ووعورة بالنسبة للطبيب حيث أن ظروف المهنة بتعاملها مع الشق الصحي في الحياة يتطلب الحذر والدراسة، ويزيد من عبء صعوبتها زيادة فرص التنافس وانشغال معامل الأبحاث العلمية وعلمائها باختراع وتحديث الأصناف العلاجية والوسائل العلاجية على مدار الساعة.
ازدواجية الهدف العلاجي
الطريقة الذهبية بعلاج خلل صحي اليوم قد تبدو ركيكة ويسقط سلطانها بالغد لولادة الأحدث منها حتى لنفس الفريق البحثي لإزدواجية الهدف العلاجي والمادي بنفس القدر والأحداث.
العالم اليوم قد أصبح قرية صغيرة بفضل التقدم التكنولوجي الهائل، والإبحار بأعماق البحور المرضية لم يعد مغامرة ذات خطورة مكلفة، فتسخير وسائل الإبداع التي كانت ضربا من أمثلة الخيال وأصبحت واقعا عمليا اليوم وبمتناول الجميع، يمكنها الوصول لدقائق الأمور ببرهة زمنية يصعب قياسها خصوصا أن وسائل التشخيص المساعدة تعمل بشيفرة ذكية ودقيقة، وتعتمد نتائجها على معطيات يدخلها الطبيب المعالج ليعلن بصراحة أنه مخرج الايقاع الأساسي بالفرقة الصحية، وحداثتها قد سهلت على الطبيب والمريض بالوصول للتشخيص ورسم الخطة العلاجية المناسبة تمهيدا لتحقيق هدف حصري يتمثل بأمل الشفاء والتجرد من موجودات المعاناة والألم فهدفنا الأسمى نحن أبناء المعشر الطبي عبر عصور الزمن بالقضاء على المرض وضمن الإمكانات المتوفرة لدينا.
المفتاح الوحيد
شهادة الطب الأولى هي المفتاح الوحيد الذي يؤهل حامله لدخول الأجواء العلاجية والتنقل بين تضاريس الخارطة الطبية والتي تبدأ بسنة الامتياز; سنة التدريب الإجبارية بحكم القانون والتي تمكن الطبيب الحديث من التعرف على الواقع العملي لمهنته السامية، وخلالها يأخذ فرصة الاختيار بالتخصص الذي يمكنه بقرار الاختصاص كوليد فكرة في مجال الإبداع بالمستقبل ليختار السير بطريقٍ صعب وطويل، ويعتمد الاختيار على العديد من العوامل وأهمها القدرة الداخلية والذاتية باعتراف شخصي لجواب الاختيار، حتى إذا أنهى الاختصاص بعد سنوات تدريبية مبرمجة يمر خلالها من أنفاق الامتحانات لحفر بصمات التصميم على الاشتراك ببناء الهيكل الصحي وضمن بند الواقع الذي يحقق فيه أمجاده، وبالتزامن على البدء فقد قفز الاختصاص من صرح العموم لصرح التجزئة، إيمانا منطقيا بقدرة الإبداع بدرجة أدق عندما تنحصر المهمة بجزء من العموم، ليكون الشفاء بتعاون فريق مؤهل للأمر.
لسمة السعادة التي نحلم فيها
ان مؤشر اجتياز المرحلة الدقيقة بسنوات الاختصاص يتكلل بمؤهل يمكّن صاحبه من ممارسة العمل الطبي بمدى أفقي وعامودي بتناسب سحري ينعكس على بلسمة السعادة التي نحلم فيها.
مواكبة التطورات الطبية الحديثة والاطلاع على المستجدات العلمية تمهيدا لتوظيفها واستخدامها يلزم الطبيب الذي يبحث عن التميز واحتلال مركز مرجعي بثقة العمل الصحيح ليفرض على الطبيب ولو أخلاقياً بتخصيص جزء من وقته بالبحث والقراءة وحضور المؤتمرات الطبية والدورات التدريبية، فالقراءة للبديهيات الطبية والعلاجية تنعش الذاكرة خصوصا بأساسيات البناء الوظيفي، وتمثل الطريق السهل لإعادة ترتيب الأولويات التشخيصية والعلاجية بما يتوفر من وسائل وليدة الساعة لتحتل مكانها بالعالم الحديث، ولا بد من التذكير هنا أن الواقع يلزم الطبيب بالبحث عن المعلومة الطبية والجديد بتعريفها لتوظيف مفرداتها بالخطط العلاجية.
عملة سحرية للشفاء
وللعلم ومن واقع الخبرة؛ فان البحث والقراءة توأمان بدرجة الاتحاد وربما يشكلان وجهي العملة السحرية للشفاء، وبالرغم من ذلك، واعتبار كل منهما رافدا من روافد العطاء فهناك جانب آخر مكمل لهما يتمثل بحضور المؤتمرات العلمية وورش العمل والدورات التدريبية والتي تمثل طريقا لصقل المعلومات الطبية وفرصة للاطلاع على الجديد منها وكسب مهارات تطبيقها بشكلها المؤثر حيث أن واقعها المفيد يتمثل بدائرة علاجية بمحطات متكاملة أساسها المعلومة البحثية بالجانب النظري، ومهارة التطبيق بالجانب العملي، برابط الوصل المتمثل بالاستخدام الصحيح لتقنيات التشخيص المساندة التي ترسم بوضوح طريق العلاج والشفاء، فالاطلاع على تجارب الآخرين ومشاركتهم يمثل أحد أعمدة البناء لمنظومة التميز بما توفره من فرصة المشاهدة والبحث والتجربة والمناقشة، وهي فرصة للاحتكاك مع تلك النخبة من الباحثين والعلماء والذين قرروا بذاتهم دافع لرسم طريق الإنسانية بشكل يختلف عن المألوف ويبتعد عن الروتين بهدف التحديث والتسهيل وليس بقصد التغير كعنوان.
برامج الشبكة العنكبوتية
عناصر التجديد والتحديث المتوفرة أصبحت مغذيا لمهارات التفكير الطبية، خصوصا بانتشار معدات وبرامج الشبكة العنكبوتية واحتلالها مركزا محوريا بجوانب الحياة، ولكنها ليست البديل للمشاركة الشخصية أبداً، فسماع أو قراءة معلومة طبية حديثة يمكن أن تشكل انقلابا على المألوف أو تحديا جديدا لترتيب السلم العلمي، تحتاج للتعايش العملي مع الفريق المكتشف، ويحرم تطبيقها بحكم الأخلاق بدون امتلاك ضوابط الاستخدام الأمثل لأن الانحراف يشكل تهديدا مباشرا وربما قاتلاً أحيانا لحياة الفرد، فالاعتراف بالذنب لن يعيد شرخ الصحة، وهو أمر يلزمنا بضرورة تخصيص برهة زمنية سنوية لالتقاط الأنفاس، والشعور بالانتماء لفريق التحديث لأن الخبرة وعفوية العمل تصبح روتينا بدون فواصل التحديث التي نطمع بتطبيقها والاستفادة منها بمجالات خدماتنا، وحبذا لو تكلل هذا الجهد بتبويب بينات العمل وتحليل النتائج للمناقشة والبحث، تمهيدا للنشر بالمجلات العلمية المحكمة ذات الأساسيات البحثية، فذلك يمثل صورة أبهى من صور الاستيعاب وتوظيف الضروريات، خصوصا أن المهنة الطبية توفر لأبنائها دخلا ماديا يمكنهم من امتلاك أوتار العزف بسيمفونية السعادة لو كان مُجدا بسقف من الطموح لا يعرف الحدود.
رعاية مستمرة وتغذية صحيحة بنقاء
تبادل الخبرات الطبية ضمن المشاركة بورش العمل والدورات التدريبية يساعد على زراعة فنون جديدة بالتشخيص والعلاج وينقلنا من امتلاك الجانب النظري لنكون بمقدمة المبدعين بالجانب العملي بالتنفيذ، وهي فرصة حقيقية للانتقال من موقع المستورد العلمي لموقع المصدر ليكون لنا بصمة سحرية بالبحث والاكتشاف، فالجانب النظري يعتمد على جهد التواصل ولكنه لا يضمن التطبيق بنجاح إن لم يقترن بمحاولات التطبيق تحت الإشراف وضمن الأصول، خصوصا أن السمعة الطبية والمعلومة العلاجية تحتاج لرعاية مستمرة وتغذية صحيحة بنقاء، ويمنع الاجتهاد فيها تحت بند المغامرة لخطورة النتيجة.
امتلاك الوسائل العلاجية الجديدة
شبكة الانترنت وانتشارها قد أصبحت وسيلة للمرضى لمناقشة حالتهم والاطلاع على الجديد، فاندثر عهد المعلومة الحصرية ويتامة مصدرها، بخيارات تمنح المريض فرصة لرسم ومناقشة معالم خطته العلاجية بمراحلها المختلفة، بواقع يفرض الاحترام ويترجم الثقة بامتلاك الوسائل العلاجية الجديدة، ولن أبالغ بسقف الطموح عندما يبدأ التفكير بتحويل حلم الاكتشاف لواقع، فقصص التاريخ أعلنت ولادة محافل المفكرين والعلماء بفكرة بدأت بسيطة لديهم وكبيرة على كوكبنا، والمجتهد من يركب المنطاد البحثي للانضمام لفئة الخالدين، فجهد الوصول لعضوية الكبار أصحاب البصمات السحرية بالتاريخ يحتاج لدافع ذاتي وإنني أتسائل: لماذا لا يكون نوبل الطب هدفا خصوصا لمن يعتقدوا بإمتلاكهم درع وسحر الشفاء؟ سؤال يبدو بريئاً وبرسم الاجابة .
- أستاذ مشارك/ كلية الطب- الجامعة الأردنية - استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.