د. كميل موسى فرام*
ربما يكون الهدف الأسمى لأي منا تحقيق حلم تكوين العائلة المثالية لواقع قابل للاستمرارية، فحياتنا مراحل ومحطات تبدأ منذ الولادة وإطلاق الصرخة الأولى إعلانا للاستقلال.
وهي المرحلة العمرية الأدق باعتمادها الكلي على الوالدين والعائلة وبصورة حصرية أقرب للواقع على الأم التي تصرف رصيد الأمل وتبذل الجهد المقدس لتوفير الظروف المثالية لمرحلة حساسة ستؤثر ظروفها بمستقبل الإشراق المنتظر، لتكون المحطة التالية بعد خفقان القلب خارج أسوار الرحم الفترة التي تصقل فيها الشخصية وتحدد ملامحها بعد إعادة ترتيب أولويات العائلة وظروفها وقدرتها على توفير معطيات المناخ الصحي بالصورة التي تترجم شخصية الطفل وضمن إمكانات تسقط الاعتبارات الفرضية ولا تعترف بالزمن كفيلا لإزالة ضباب القادم من الأيام، حتى إذا اجتاز الطفل مرحلة الروضة والمدرسة، فتتحدد ملامح العبقرية والإبداع الأولى بمساق ترجمة كنوز الخلايا الدماغية وضمن خطة التعاون والتشجيع بين المنزل والمدرسة، ليكون الطالب قادراً على الاختيار بعيدا عن ضغوطات العائلة والمجتمع لأنه الأقدر على ترجمة قدراته بعد بلوغه سن الرشد.
قدسية مهنة الطب ليست موضع خلاف
اثق بدرجة بعيدة عن مفاصل الغرور بأن قدرات الإبداع متوفرة بمجالات محددة بصورة فطرية ليكون المطلوب نقل شيفرتها وترجمتها لمفاصل الحياة العملية، مؤكدا أن قدسية المهنة مصانة بحكم التعامل في واقعها، لتكون المهن التي نمارسها حلقات مكملة ومترابطة بمسبحة الحياة التي نعشقها ونتمناها، فكلها ضرورية بأولويات لتوفير عناصر المناخ المثالي للمجتمع.
وركوب منطاد الحمل والتحليق بفضاءه يحتاج لعوامل السلامة برحلة آمنة للقبطان والراكب، وضمن شروط محددة لا تعترف بالفزعة ولا تترك للزمن فرصة للحكم والسيطرة، فالبداية الصحيحة تحتاج لمناقشة زوجية بليلة رومانسية وعلى أنغام رحبانية لصوت فيروزي، تفرد فيها ظروف الحمل لتناقش بمثابة بطاقة تأمين على حياة الوافد الجديد، وتفرد مساحة لظروف الواقع المادي المؤهل لتوفير المتطلبات الأساسية لطرفي المعادلة اليوم والغد، خصوصا بانتشار عيادات رعاية الحمل تجنبا لبراكين الدهر وعواصفه فتكون الزيارة الطبية الأولى بعد الشكوك بحدوث الحمل أو اليقين بالفحص المخبري للاستفادة من النصيحة الطبية لأهل الاختصاص لتحديد الموقع الجغرافي لإنغراس الجنين كخطوة أولى بجوهريتها.
فالتأكد من بريق مصابيح الرحم يمثل البطاقة الطبية الأهم بالرحلة العائلية لأن الانحراف ومهما كانت ظروفه يترجم باستغاثة للنجدة والتدخل السريع من أهل الاختصاص، فوجود الحمل داخل تجويف بطانة الرحم يترجم البداية الصحيحة للرحلة، وينقلنا لمحطة التدقيق الثانية مباشرة للتيقن من بدء علامة الحياة بمشاهدة و/أو سماع نبظات قلب الجنين وضمن فترة محددة لبداية الحمل وربما يكون القدر قد أنصف الزوجين بحمل متعدد الأجنة حيث تتضاعف الجهود بالتزامن الطردي مع الواقع، فتحلل أعراض الشكوى المرضية إن وُجِدت للوقوف على ظروفها ودلالاتها للتعامل معها، خصوصا أن ظروف الحمل تحاصر الطبيب وتقيد تصرفه بوصف العلاجات الشفائية المناسبة لربطها بفرصة التأثير على سجين العائلة.
السخاء بعمل الفحوصات المخبرية بشقيها الوقائي أو الاستكشافي يمثل مهارة يطبقها بشكل مطلق من يؤمن أن مستوى التقدم العلمي بتوفير فرص التشخيص والعلاج منذ البداية، خصوصا أن متطلبات هذه المحطة قد تشكل بابا إضافيا للصرف الضاغط على ميزانية العائلة، فلا يمكنني قبول العذر تحت بند النسيان أو التوفير أو البخل بتحديد فصيلة الدم للسيدة الحامل بزيارتها الأولى ويطبق الحال على تحديد قوة الدم للمقارنة والاستعداد لتحديد جرعة الحبوب المدعمة تحت عنوان الوقاية أو العلاج، فبرنامج الرعاية المثالي يحتاج لإلتزام السيدة الحامل بزيارات دورية ومنظمة تتحدد فواصلها حب الظروف والمستجدات ولا تتعدى أسابيع الشهر الواحد تحت أي عذر أو ذريعة، فالاهمال يمثل صورة واقعية للجريمة المنظمة بأركانها، وربما النتيجة أحيانا تفصل كابوسا يغلف حياة العائلة ويقزم فرص السعادة لديمومة الجرح النازف بخاصرة الوالدين، فالرسالة الطبية تترجم حروف السعادة بالحرص على سلامة الطرفين بظروف حياتية تغيرت معطياتها بعالمنا المجنون، فتشخيص الخلل ببداياته كفيل بالتقويم المبكر بنفس القدر الذي يبرهن على سلامة الطرفين اليوم بدون ضمانة للغد، فالحكم على عواصف المستقبل وتوقعها لا يمثل أكثر من حلم يراودنا، يخفق بقلب الزمن اللئيم ليذكرنا بقدرتنا المحدودة.

النصيحة الطبية لها الاولوية
البحث عن النصيحة الطبية لأي شكوك يحتل صدارة وأولوية على الأجندة الزوجية، لأن ترحيل المشاكل والهموم ليس جزءاً مكونا لدستور العناية الطبية، فالتجارب قد أثبتت على أرض الواقع أن الخسارة وأيّ كان حجمها هي وليدة زمن الثواني وليس الأيام، خصوصا مع الانتشار الواسع لأجهزة المراقبة الطبية المتخصصة بتحليل بنود الشكوى للعلاج، فالسيدة الحامل مطالبة بالتحمل والحرص والتنازل عن بعض المكتسبات الأنثوية لفترة زمنية عابرة، خصوصا بفصل زيادة الوزن الحتمي كنتيجة فطرية لظروف الواقع الجديد، وعليها بإعادة ترتيب أولويات الحياة وتصرفاتها إن هي صممت على ترجمة الحلم بطفل سليم لواقع ناطق، فارتدادات البركان تطال الملبس والمأكل والنشاط وتقيد الحرية، بل وتلزم الأم الحامل بقائمة غذائية قد يكون أحد أصنافها عدوا غذائيا سابقا وتحديدا لقائمة البيض والحليب واللحوم ومشتقات أي منهم، خصوصا أن البرنامج المثالي لرعاية الحمل يشتمل بفصوله الممتدة على تناول مدعمات الحديد وحامض الفوليك كاساس غير خلافي حتى نهاية فترة الحمل، يضاف اليه تناول حبوب الكالسيوم المدعمة لشكوى محددة ببداية المرحلة الثالثة من الرحلة المقدسة ولكن ذلك لا يمثل روتينا صحيحا خصوصا بتوفر فرص التبرع وسهولة الحصول على مصادرها، فالحبوب المدعمة ضمن البرنامج العلاجي هي مكملة للشق الغذائي وليست بديلة عنه أبداً. اما تحديد موعد الولادة وظروفها فيمثل العنوان الرئيسي لرحلة الحمل المثالية ويمثل خطوة صحيحة تعكس الحرص واليقظة المطلقة والمتبادلة بين الطبيب المشرف والعائلة، فاستقلال الجنين عن رحم أمه يمزج دمعة الفرحة وصراخها كتعبير عن دقة التوقيت للهبوط المبرمج للمنطاد على أرضية المحبة ومَدْرجها، فذكرياتي قد دونت وحفرت بضمير الزمن دمعة الفرحة لأبنائي ووالدتهم بقدر الحرص على سلامتهم نتيجة الالتزام ببنود العناية الطبية، فالواجب يلزم لتوفير أركان بنود الأحلام لطفولة بريئة وغير مقيدة للأبناء وترجمتها لواقع، لأن احتمالات النقش على صفحات الغد غير محددة، والطفل السليم يمنح الوالدين تذكرة الاطمئنان للغد المشرق وللحديث بقية.

*أستاذ مشارك/ كلية الطب - الجامعة الأردنية
استشاري النسائية والتوليد/ مستشفى الجامعة الأردنية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

JoomShaper