د. سميح خوري-*
الحمل ؛عبء على جسم الحامل ويحدث تغيرات فسيولوجية عديدة وهي تتقبله بكل رضى وسرور, رغم انها تكتسب ما بين عشرة الى عشرين كيلو غراما اضافيا على وزنها العادي.
يرجع كل ذلك ، الى التغير الذي يظهر في عمليات الأيض «Metabolism» ويعلو معدل الكوليسترول, الذي هو منبع الهرمونات الستيروتيدية في دمها, كما يضطرب توازن بروتينات الدم, فمنها ما يعلو معدلها. كمادة الفبرينوجين «Flbrinogen» مساعدة في عمليات تخثر الدم, ومنها ما يقل كمادة زلال المصل «Proteinserum» ويضطرب أيض السكريات, وتزداد نسبة الانسولين, وتظهر خمائر جديدة متأتية من المشيمة الخ.
كذلك الامر في ميكانيكية الدورة الدموية, والمعلوم ان كمية الدم هي خمسة لترات تقريبا, لكن في وجود الحمل, تزداد كثيرا عن حجمها العادي, بهدف القيام بواجبها الاضافي, وهو تأمين الحاجات الأيضية (الاستقلابية) والاوكسجين للجنين.
لكن ازدياد حجم الكتلة الدموية, يقوم على عاتق السائل في الدم «Plasma», اكثر مما هو عليه في عدد الكريات الدموية. وهذا يتضح لنا في قراءة تفاصيل فحص الدم, عندما نلاحظ ان الراسب الدموي «Hematocrit» –أي معدل حجم الخلايا بالنسبة لمعدل البلازما- قد قل, تماما كما انخفضت كثافة الكريات الحمر. وهذا ما يعرف طبيا بفقر الدم الفسيولوجي, الذي هو بالفعل, فقر دم ظاهري, ليس إلاّ. أما الكريات البيض فتزداد نسبيا, كما ان الدم يصبح اكثر تخثرا, أي قابلا للتصدي للنزف ووقفه.
هذا التغير في ميكانيكية الدورة الدموية, يؤدي من الناحية الفسيولوجية الى ازدياد عمل القلب, الذي يضخ في كل خفقة كمية من الدم اوفر من ذي قبل والذي يضطر الى مضاعفة عدد خفقاته.
ومن الممكن ايضا, حصول هبوط في معدل ضغط الدم, لا سيما في الضغط الانبساطي (الواطي) وارتفاع في معدل ضغط الاوردة في الارجل السفلى, مما يؤدي الى ظهور ورم (استسقاء) فيها.
الجنين يتنفس
جيدا اذا تنفست والدته جيدا
اما الجهاز التنفسي عند الحامل, فهو يعمل بصورة انشط, مضيفا ما يقارب 60 بالمئة من المجهود على نشاطه العادي, فتصبح التهوية الجديدة المنشطة جديرة بتهوية الجنين ايضا الذي يتنفس جيدا اذا تنفست والدته جيدا ايضا, وجدير ذكره ان الحامل تستهلك عشرين بالمئة فقط من كمية الاوكسجين الاضافية, تاركة الباقية ليستهلكها جنينها.
وهذا يفسر انخفاض ضغط ثاني اوكسيد الكربون في الدم.
ومن التغيرات الفسيولوجية التي تحصل ايضا عند الحامل, كثرة التبويل, وتفسيره ناتج عن تضخم الرحم الذي يضطر لكبر حجمه المتزايد, من الضغط على المثانة البولية التي تُعلم الجهاز العصبي بضرورة افراغها, اذا انه عارض لا ضرر منه, بل على العكس, يُريح المثانة ويُفرغها, ودلالة واضحة على حسن مسيرة الحمل النامي.
الجنين يتخلص من بقايا سامة في دمه بواسطة المشيمة, ومن ثم بواسطة كليتي الحامل, وهذا مما يزيد التدفق الدموي الى الكليتين بنسبة الربع او الثلث مما يشرح تغيرات عديدة في معدل مواد متنوعة, لا سيما في معدل الصوديوم, لذا تشتكي الحامل من ورم في ارجلها, انما دون اهمية.
وظائف الغدد الصماء في جسم الحامل, تضطرب ايضا, بغية مساعدة الجنين في نموه.
« هرمون البرولاكتين
-هرمون الحليب»
اما الغدة النخامية, فيقل نشاطها للمواد المنشطة للغدد التناسلية, لكن افرازها لهرمون البرولاكتين (هرمون الحليب) المهيء لافراز الحليب لاحقا, يزداد, كما يزداد ايضا افرازها للمادة المنشطة للغدة الدرقية (T.S.H) واصدارها اكثر فأكثر لهرمون التيروكسين (T4), انما تقل نسبة هرمون آخر (T4) بغية توزان هرموني درقي في الحمل.
المذهل حقا ان جسم الحامل قد لا يشعر بهذه التغيرات. والغريب ان تلك التغيرات, يمليها كائن غريب (الجنين) عن جسمها, ودون ان تستطيع الحامل لفظه.
*مستشار الامراض النسائية والتوليد والعقم