على الرغم من التقدم الملحوظ خلال العقود القليلة الماضية، لا زالت العديد من المجتمعات البشرية قاصرة عن تلبية الاحتياجات الصحية للنساء في خلال المراحل المهمة والمفصلية في رحلة حياتهن، خصوصاً مرحلتي المراهقة وسنوات العمر المتقدمة. هذه الحقيقة تتضح بشكل جلي في صفحات تقرير صدر مؤخراً عن منظمة الصحة العالمية بعنوان "النساء والصحة: أدلة اليوم وأجندة الغد". أدلة اليوم تلك، تظهر أن النساء يعشن في المتوسط بأكثر من ستة إلى ثمانية أعوام مقارنة بالرجال، ليصل متوسط أعمارهن إلى أكثر من ثمانين عاما في 35 دولة، وإن كان هذا النجاح ليس موزعاً بالتساوي بين جميع دول العالم، حيث لازالت متوسط أعمار النساء في الدولة الأفريقية لا يزيد عن 54 عاماً، أي أن النساء الأفريقيات يعشن ستة وعشرين عاماً أقصر من قريناتهن الأوروبيات أو الأميركيات.
وتتصف الحالة الصحية لنساء العالم بخصائص مميزة، منها أن الفتيات أكثر عرضة بقدر كبير جداً -مقارنة بالفتية- للاستغلال الجنسي، وأن حوادث الطرق لازالت تحتل رأس قائمة أسباب الوفيات للفتيات المراهقات في الدول الغنية والدول متوسطة الدخل، وفي الفئة العمرية بين سن العشرين والستين فيعتبر سرطان الثدي هو القاتل الأول لنساء الدول الغنية. أما الدول الفقيرة والنامية، فلا زالت تتمتع بنصيب الأسد، أو 99 بالمئة من إجمالي الوفيات الناتجة عن الحمل والولادة، والبالغ عددها نصف مليون حالة وفاة سنوياً في أرجاء العالم قاطبة.
ويتفق أفراد المجتمع الطبي والعاملون في المجال الصحي من هيئات ومؤسسات وحكومات، على أنه من الممكن تقسيم الوضع الصحي للنساء، والمشاكل الطبية التي تواجههن، على حسب مراحل عمريه أربع، هي: مرحلة الطفولة، ومرحلة المراهقة، ومرحلة النضج، ومرحلة الشيخوخة. المرحلة الأولى أو مرحلة الطفولة، والممتدة من تاريخ الولادة وحتى عمر تسع سنوات، تتميز بمعدلات وفيات متماثلة لحد كبير بين الذكور والإناث، وخصوصاً الشهور الأولى منها التي تعتبر الأعلى على الإطلاق في معدلات الوفيات بين مراحل العمر جميعها. وتنتج هذه الوفيات في الغالب من الولادة المبكرة أو المبتسرة، أو من الاختناق أثناء الولادة، أو من الأمراض المعدية. ومن بين الأمراض المعدية، يشكل الالتهاب الرئوي الشديد، والإسهال، والملاريا، جزءا مهماً من الأسباب الرئيسية للوفيات خلال السنوات الخمس الأولى من العمر، وخصوصاً في ظل وجود حالة مزمنة من سوء التغذية.
وإذا انتقلنا للمرحلة الثانية من عمر النساء، أو مرحلة المراهقة الممتدة من سن العاشرة إلى سن التاسعة عشرة، فنجد أنها تتميز بحجم هائل من الوفيات الناتجة عن حوادث الطرق، والتي كما ذكرنا تحتل رأس قائمة أسباب الوفيات في هذه الفئة العمرية. وتتميز المشاكل الصحية لهذه الفئة العمرية أيضاً ببعد نفسي كبير، حيث تعتبر الاضطرابات العقلية والنفسية وما ينتج عنها أحياناً من انتحار، مشكلة صحة عامة خطيرة تئن تحت وطأتها العديد من النظم الصحية في الدول المختلفة. ويمكن توسيع نطاق هذه الحالة، لتشمل إدمان الشباب بجميع أنواعه من كحوليات ومخدرات وتبغ، والذي إما أن يكون سبباً أو نتيجة للاضطرابات العقلية والنفسية في الأصل. مثل هذا الإدمان، حتى في أخف صورة، أو إدمان النيكوتين، دائما ما تكون له عواقب صحية وخيمة في السنوات اللاحقة من العمر، وخصوصاً إذا ترافق مع زيادة الوزن، وقلة النشاط البدني والرياضي اليومي.
وتتعرض المرحلة الثالثة من حياة المرأة الصحية، أو مرحلة النضج التام، لطائفة متنوعة من الأمراض والعلل. فعلى صعيد الحوادث، وبخلاف حوادث الطرق التي تندرج تحت أهم عشرة أسباب للوفيات في هذه الطائفة العمرية، نجد أن الحوادث الناتجة عن الحروق تعتبر من أسباب الوفاة الرئيسية، سواء كانت هذه الحروق ناتجة عن الطبخ وأعمال المنزل، أو من جراء عنف الزوج أو أسرة الزوج. وتتعرض النساء في هذه المرحلة لكم ضخم من الوفيات - نصف مليون سنوياً- نتيجة مضاعفات الحمل والولادة، بالإضافة سرطان عنق الرحم، والإيدز، والسل الرئوي، والاكتئاب وما ينتج عنه من انتحار. ويحتل العنف الموجه ضد النساء في هذه المرحلة أهمية صحية خاصة، إما نتيجة الإصابات المباشرة، أو ما ينتج عنه من اضطرابات نفسية وعقلية، وإذا ما كان هذا العنف من النوع الجنسي، فقد يؤدي إلى حمل غير مرغوب فيه، أو الإصابة بأحد أنواع الأمراض المنقولة عبر الجنس، مثل الإيدز أو الزهري أو السيلان.
المرحلة العمرية الأخيرة في حياة المرأة، وكنتيجة أن النساء يتمتعن بمتوسط أعمار أكبر من الرجال، نجد أن النسبة الأكبر من الشيوخ والعجائز هم من النساء. وهو ما يفرض تحديات خاصة على صعيد الخدمات الصحية، وخصوصا من منظور كيفية ونوعية وتوزيع الخدمات للنساء كبار السن. مثل هذا الوضع، وما سبقه من الاعتبارات والخصوصيات المتعلقة بصحة المرأة، تفرض أجندة جديدة على مخططي الرعاية الصحية في المجتمعات المختلفة، وخصوصا المجتمعات التي تتعرض تركيباتها السكانية لظاهرة التشيخ وزيادة نسبة النساء بين عجائزها.
جريدة الاتحاد