الرابطة الأهلية لنساء سورية
يظن البعض أن الإعلام الاجتماعي بأبعاده أقل خطراً من الإعلام السياسي. وقد ارتبط الحديث عن (الإعلام) بالحديث عن السياسة. بحيث اعتبر الإعلاميّ: حامل الميكروفون للسياسي، والمسوّق أو الممهد لقراراته أو المفسر والشارح لها. على الحقيقة يعتبر الإعلام الاجتماعي بأبعاده المتعددة، وبتنوع الشرائح المجتمعية التي يتوجه إليها، وبوسائله المباشرة وغير المباشرة، الإعلامَ الأخطر على النمط الحضاري والحياتي اليومي لدى المجتمعات الإنسانية كافة..
ويمكن أن نجمل سياق الإعلام الاجتماعي في ثلاثة أبعاد رئيسية ما يتعلق منه بالاقتصاد وما يتعلق بأنماط السلوك وأخيرا ما يتعلق بالثقافة الكونية والقومية.
في الحديث عن البعد الاقتصادي لهذا الإعلام، من حقنا أن نتسائل ما هو الهدف الأساسي لهذا الإعلام؟.. في ظل واقع تنموي عالمي يشكو دائماً من ضيق الموارد، وشحها، وعجز (المسكونة) عن الوفاء باستحقاقات السكان الأساسية. فتنطلق من هذا الاعتبار كل الدعوات المنظَّمة إلى تحديد النسل، والسيطرة على ما يسمونه الانفجار السكاني لأن موارد الأرض على ما يقررون غير كافية لسكانها..
توصيف الواقع على هذا النحو يقتضي أن تكون عناوين الإعلام الاقتصادي العالمي من نوعية التوصيات التي تنهى عن الإسراف والتبذير والانهماك في الاستهلاك. وعلى العكس من ذلك نجد أن التشجيع على الاستهلاك بكل أشكاله هو الهدف الأساسي للإعلام الاقتصادي. اشتر، استهلك، جدد، غيّر.. وهي نداءات تتكرر كل يوم وعلى جميع شاشات الفضائيات، وعلى صفحات المجلات والجرائد..
ومن منظور آخر يمر الإعلام الاجتماعي في بعده الاقتصادي، من وجهة نظرنا، على جملة من البرامج والمسلسلات التي تُقدم من خلال بيئة مصبوغة بألوان الاستهلاك، في الدول النامية أو الأكثر فقراً..
فإذا تابعنا البرامج التي تتحدث عن المطبخ المنزلي مثلاً، نجد أن الوجبات التي يتم تقديمها أو توصيفها هي وجبات بعيدة كل البعد عن متناول الشريحة المتوسطة من الطبقات الاجتماعية:
أحضري:
أوقية لحم - وملعقة زبدة - و50 غرام من اللوز المقشور
وثلاث بيضات منزوعة الصفار..
إن قراءة عملية لإيحاءات الكثير من /الوجبات/ التي تقدم على أجهزة التلفاز العالمية والمحلية تؤكد لك أن هذه الوجبات إنما تقدم لشريحة خاصة من أسر المجتمع من حيث القدرة والعدد..
وإذا تابعنا القراءة فلا بد أن نلحظ أن المطبخ الذي تقدمه هذه البرامج، في تجهيزه، وترتيبه وأدوات الطبخ كل ذلك يوحي بمستوى من الترف أو (الفنتازية) التي ليست دائماً في متناول الشريحة الأكبر من أبناء المجتمعات..!!
خطورة مثل هذا الإعلام بإيحاءاته الخفية حين يبني بشكل غير مباشر (تطلعات) أو (خيالات) الفتاة في مطبخ المستقبل التي تبدأ بالحلم به، ثم يفرض عليها الواقع بعد ذلك أن تقبل بأقل منه مما يخلق في الذات الفردية المجتمعية حالة انكسار مباشرة. بل لعل هذه الصور لمطبخ أكثر حداثة في التجهيز والترتيب، تكون بالمقارنة المباشرة مع واقع أقل، سببا للكثير من (النكد) الاجتماعي بين الزوجين مما يتسبب في تحطيم الأسرة أو يكدر سعادة زوجين!!
إن كل الصور (المصبوغة) التي يباشر الإعلام الاقتصادي الاستهلاكي تقديمها هي سبب مباشر أو غير مباشر لكثير من النقمة التي تنبعث في نفوس الغريرات أو المغرورات..
وفي الإطار نفسه يمكننا أن نصنف سلوك مقدمات البرامج، ومذيعات الأخبار على تلفزيوناتنا المحلية. إن مقدمة البرنامج أو قارئة الأخبار ما هي في حقيقة الأمر إلا عاملة مدنية تقوم بمهمة ذات أبعاد ثقافية وسياسية، ولكنهن بالتأكيد: لسن عارضات أزياء. إنه مما يثير العجب والاستهجان أن يتحول تقديم نشرة الأخبار إلى مسرح لعرض الأزياء في تسريحة الشعر وفي طراز الملابس وفي لون الأظافر.. حالة من التعدد والبهرجة، تخّلف هي الأخرى أثراً غير محمود على نفوس الشابات والمراهقات بشكل عام..
ولا يمكن أن نغفل عن التداعيات الاقتصادية غير الحميدة لأجواء المسلسلات التلفزيونية التي تتجاوز الواقع الاقتصادي والاجتماعي، لتقدم للناس انموذجا من الحياة لا ينتمون إليه.
نعتقد أن التشخيص السلبي للواقع لا يغني أبداً عن تقديم البدائل، ونعتقد أنه قد أصبح من الضروري أن توضع استراتيجية وطنية لإعلام اجتماعي هادف يخدم هويتنا وينطلق من واقعنا. وسيكون السؤال وأين سيقع هذا الخطاب من إعلام مفتوحة أسقفة على العولمة التي تجتاح كل شيء .. اعتراض لا يلغي حقنا في التأسيس لاستراتيجية مجتمعية اقتصادية تقوم على (القناعة والرضا)، ليس بمعنى التقاعس عن العمل والإنجاز، وإنما بمعنى رؤية النعمة بما يتيسر وإسقاط مزدوجة (الحاجة والإشباع) التي تضع أفراد المجتمع في حياة اللهفة ودوامة الشكوى واللهاث..