الرابطة الأهلية لنساء سورية
لا شك أن إدارة البيت، وتربية الأولاد، والقيام بأعبائهما، مع المقتضيات الطبيعية لدور الأمومة في ظروفها، تستغرق من المرأة وقتاً وجهداً غير قليلين. ونعتقد مؤمنات أن الوقت الذي تنفقه المرأة على إدارة بيتها، أو تربية أولادها، أو التفرغ لدورات حملها وولادتها وإرضاعها، هو وقت مقدس. تؤدي فيه المرأة واجباً أساسياً من الواجبات الفردية والاجتماعية ينبغي أن ننظر إليه دائماً بإجلال وإكبار.
ولكننا نعتقد مع ذلك أن الحياة العصرية بما وفرت للمرأة من تسهيلات ووسائل وتقنيات جعلت الوقت، الذي هو نعمة أولية من الله الخالق المدبر، يتسع لنشاطات أكثر وأكبر من تلك الأنشطة التي كانت تستغرق أوقات جداتنا وأمهاتنا إلى حد كبير. نحن الآن نستعمل الماء المسكوب، والخبز المخبوز، والغسيل المغسول، نطهو ونكنس ونغسل الصحون ونرتب غرف البيت، التي بدأت تضيق، وأسرّته التي بدأ تقل، بعُشر الوقت الذي كان تحتاجه نساء عقود خلت. وهذا بالتالي يضعنا أمام استحقاقات جديدة تفرض علينا أن نشغل أوقاتنا بالمفيد النافع لأنفسنا ولأسرتنا ولمجتمعنا بشكل عام.
هذا واقع جديد يخيم على حياة المرأة العربية يجعل منها، إن لم تبادر إلى عملية تنظيم منهجية لحياتها ودورها، تعيش حياة بطالة وفراغ وعبث، لم يرضها الإسلام أصلاً لأبنائه وبناته.
إن (فضل الوقت) الذي وفرته الحياة المعاصرة، وبتقنياتها المتعددة، والتي ملأت بيوت الناس، وإن على درجات متفاوتة، يؤكد أن المطلوب من المرأة المعاصرة في حياتنا العربية أن تعيد تنظيم وقتها للاستفادة من فائض الوقت، الذي يمكن أن تصنف عملية قتله، في الخفق في الأسواق، أو التسمر وراء شاشات التلفاز، أو في لوك الأحاديث مع الصديقات والجارات، أو في تقليب صفحات الانترنت من غير ما هدف ولا هدى؛ تحت عنوان الحرام الاجتماعي إن لم نكن قادرات على الحديث عن الحرام الشرعي.
وإعادة تنظيم الوقت، أو تنظيم الحياة بالنسبة للمرأة ربة البيت، أو العاملة، مثقفة كانت أو متعلمة ينبغي أن يتركز في توزيع هذا الوقت على محاور ثلاثة..
المحور الأول الحياة الشخصية:
ذاتكِ، ووجكِ، وأولادكِ وما يستحقون من اهتمام ورعاية. وعندما نقول (ذاتك) و(زوجك) نكاد نقصد (شخصية واحدة). إن هذا التنظيم يؤكد على ضرورة تجنب حالة المرأة (المنهَكَة المنهمِكَة) في شأن العمل أو البيت أو الأولاد، والتي تنسى نفسها وتنسى زوجها، حيث تنتظره في المساء لتبثه المزيد من عبارات الشكوى والأنين، وهو الذي كان طوال اليوم خارج البيت، في معترك الصراع مع الحياة، بما فيها من محبطات ومثيرات..
ومن معاني الحياة الشخصية على محور (ذاتك) ألا تنسي لحظة، رغم كل ما يسرد بعدُ في هذا المقال أنك أنثى، عليك أن تراعي معطيات أنوثتك واستحقاقاتها، بالقدر نفسه الذي تراعي فيه واجبات أمومتك واستحقاقاتها، بنفس القدر الذي تراعي فيه واجبات دورك الاجتماعي واستحقاقاته..
والمحور الثاني الذي يجب أن توازنيه في حياتك: بيتك..
إدارة متفوقة منظمة معتدلة. بين الإهمال واللامبالاة وبين وساوس النظاقة القهرية بون كبير. بيت نظيف مرتب، لقمة هنية تصنعينها بيديك. عودي أولادك وزوجك أن الوجبة السريعة المستحضرة من السوق هي الوجبة (الاضطرارية)، وأن اللقمة الأطيب والأمتع هي اللقمة التي تقومين بتحضيرها، والطبق الذي تتخايلين في إعداده.
الصحة البدنية، والدفء العائلي إنما يكونان في هذا الطبق المشترك وفي الاجتماع عليه، وفي التشاور في اختياره. تركيزنا دائماً في هذا الموقع على أن لنا اختياراتنا الحضارية الخاصة ينبغي ألا يسقط..
ولنترك للأطباء وللعلماء أن يرسموا لنا جميعاً الطريق الأفضل لمائدة عصرية، ولقمة أكثر نفعا. ولنتوقف عن الإصغاء لشركات الوجبات السريعة، والمشروبات الغازية التي تطالعنا كل لحظة على المحطات الفضائية. ولنتسامى عن (التظاهر) أمام الجيران والصديقات أننا نستخدم أو نستهلك ما ينصح به الإعلام الذي يصم آذاننا بالدعاية الأجمل ليس للسلعة الأفضل وإنما للشركة الأغنى والأقدر..
والمحور الثالث محور العمل المنتج:
محور مطلوب من الجميع أن يتوقفن عنده، وهو المحور الغائب تماماً عن حياة ربات البيوت المتفرغات لبيوتهن بشكل خاص. أو حياة الصبايا اللواتي ينتظرن بعد التخرج (ابن الحلال).
جغرافيا شاسعة من الجبال والسهول والغابات والأحراش ومن البحار والأنهار، يمكن لكل واحدة فينا أن تختار منها مربعا تعمل فيه. تتعرف عليه، تتعمق، تأخذ بأطرافه ثم تنزل إلى الواقع في مشروعات فردية أو شبة جماعية أو جماعية. لا يمكن للمثل أن يحيط بالمقترح هنا. ولكن الذي نريد أن نؤكد عليه أن اختزان المعرفة، مهما كانت سليمة، وإن كان مرحلة ضرورية، فهو ليس هدفاً يطلب لذاته.
نعرف كثيراً من المثقفات يجتمعن أسبوعياً على مناقشة كتاب تقرؤه إحداهن، وتلخصه، ولكن إلى متى وما هي الغاية؟! لا بد من الانتقال إلى مرحلة أخرى من العمل والإنجاز. ليكن حاضراً في أذهاننا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (الخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله..)
كيف ننفع الناس؟ الجواب هو المقصود في توظيف الجهد والوقت..
وإعادة الاعتبار لمثلث: الحياة الشخصية، وإدارة البيت، والاشتغال بالإنجاز. هو واجب العصر الذي يدخل المرأة العربية الجادة من بوابات العصر العريضة. نعم هذا هو وليس لون الثوب أو كثافة طبقة المكياج.