الرابطة الأهلية لنساء سورية
يقولون: الحرية هي الرشد. والإنسان الحرّ هو إنسان راشد بالتأكيد. وبالتالي فيجب احترام اختيار الإنسان الحرّ. نعتقد أنه كلام فيه الكثير من الغرور.
بين الحرية والرشد علاقة وثيقة. ولكننا نستطيع أن نزعم أن كل إنسان حر هو إنسان راشد، ولا أن كل إنسان راشد هو إنسان حر، بمعنى الحرية العام. للحرية ظروفها السياسية والمجتمعية الخارجية التي قد يتجاوزها الإنسان أو تتجاوزه. لا يقدر الإنسان دائما على صنع ظروف حريته الخارجية على الأقل، و فقدان هذه الحرية لا يلغي رشده. وكذلك فإن أحداً لا يستطيع أن يزعم أن الرشد هو مخرج من مخرجات الحرية. أو لازم من لوازمها.
حقائق الحياة ووقائعها تنفي التلازم بين الرشد والحرية على وجهيه الإيجابي والسلبي. وخيارات الإنسان الفردية والجماعية، النفسية والعملية، ليست معبرة دائماً عن الرشد أو عن مصالحه الذاتية على وجه خاص.
في القرآن الكريم (ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولاً).
التخلي عن المسئولية، والتهرب من معاناة اللحظة، أو الحرص على اقتناص مباهجها، أو إيثار عاجل المنفعة؛ كل أولئك هو جزء من الخيارات الإنسانية الحرّة أحيانا، يندفع إليها الإنسان: خوفاً أو طمعاً أو حرصاً، دون تقدير حقيقي لما ينفعه ولما يضره، ودون النظر في العواقب، والتبصر في المآلات. وأبواب التمثيل مفتوحة على كل ميادين الحياة.
بعض النضال الذي تخوضه الإنسانية اليوم بين قوى البقية الباقية من قيم الصلاح وبين دعاة أعط الطائر جناحيه واتركه يطير بعيداً عن السرب، وعن القواعد هو على هذا..
قبل أن يبلغ الشاب أو الصبية سن الثامنة عشرة يكون التعليم والإعلام قد هيأه وأخبره أنه في ذلك اليوم سيصبح ولا سلطان لأحد عليه. وأنه سيصبح من حقه أن (يفعل بنفسه) وجسده وعقله وماله ما يشاء. احترم دائرة الآخر، ودمّر حقلك على الطريقة التي تريد..!!
كثيراً ما نسمع الفتاة تهدد أمها التي تقترح عليها طريقة في اللبس أو في الكلام أو في الدخول أو في الخروج؛ أنها في اليوم الذي تبلغ فيه السن القانونية ستغادر مملكة التعليمات.
يقول لها أبوها: إن هذا الشاب أو هذا الزوج لا يصلح لك. تقول: إنها حياتي. ويؤيدها فيما تقول: النظام والقاضي والمحامون.
وما نقوله عن الصبايا نقوله عن الشباب. تقوله عن الرجل و عن المرأة، شعار: إنها حياتي. إنه جسدي. إنها أنا.. تصرخ أو يصرخ بها الشباب في وجه أبويه حتى وهو يوجهه إلى أن لفافة التبغ تضر بصحته. أو أنه من الضروري أن يلبس جرزة الصوف لأن اليوم بارد.
إن فلسفة الإشادة بفكرة الحرية المطلقة تقوم على حقيقة أن الحياة الإنسانية تفضل أن تقتات على حطام بعض البشر. والحرية المطلقة هي الطريقة الأقرب لترك بعض الناس يتطوعون بتحطيم أنفسهم وتدمير ذواتهم.
كل الخيارات السيئة أو التي يصنفها العقلاء سيئة حسب معايير الرشد العام هي بوصف ما مجرد خيارات ضرورية لدوران مسننات الحياة المتوازنة فيما يزعمون.
ولذا يسبقون أو يصرون على وقف تنميط أو تصنيف أشكال السلوك من خلال المدرسة والإعلام. ويكتفون بتمجيد الحرية فقط..
يقول صاحب السلعة نحن بحاجة إلى أجساد نساء تساعدنا على الترويج الاقتصادي. أجساد تلصق على سلع محددة بأوضاع محددة تدفع المستهلك إلى إخراج النقود. ويجب أن يتم ذلك بموافقة أصحاب العلاقة. تأمين احتياجات هذا التاجر هي جزء من مهمة من يسمون فلاسفة ومفكرين، والحرية هي المدخل المزخرف لكل عمل مشين. وعند هذا المثال نتوقف ونترك للمخيلة أن تذهب بعيداً في عالم الأخلاق وفي عالم الاقتصاد في عالم السياسة وفي عالم الثقافة..
الحرية كما يعبر هؤلاء هي الجسر الأساسي لإمداد المجتمع بحاجاته من كل النماذج الإنسانية التي يُطلب إليها أن تتوزع عن خيارعلى تأديه الأدوار..
ومقابل هذه النظرية. هناك نظرية تقول بأن الإنسان المخلوق من عجل هو دائماً بحاجة ليبقى تحت إشراف. وأن الحرية المطلقة ليست إلا حالة من الفوضى يمكن أن تنتهي إلى تمكين الإنسان من تدمير ذاته. والإنسان الراشد هو ذاك الإنسان الذي لا يسير وراء هوى نفسه..
الإنسان الذي يقف دائماً أمام المرآة الحقيقية. الإنسان الذي يخرج من رعاية الوالدين (الأسرة) ورعاية (المدرسة) ليدخل في رعاية عامة المجتمع. المسجد والصاحب (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر)..
والحكم الرشيد في نظر هؤلاء، ليس هو الحكم الذي لا يتدخل إلا عندما ينهدم السور أو يُقتحم السياج. أو بمعنى آخر ليس هو النظام الذي يحمل العصا ليضرب بها عندما يتم الاختلال. وإنما هو الحكم الرفيق الرشيد الذي يضيف إلى وازع السلطان وازع القرآن، فيرشد ويعلم وينبه ويتعهد ويرفق ويشتد.. هو الحكم الذي يعرف أن له دوراً أكبر في حياة الناس. ليس السيطرة المباشرة على خياراتهم وإنما في رسم آفاقها وتحديد مجالاتها، وتقديم مدخلاتها ومراقبة مخرجاتها.
يقول ربنا تبارك وتعالى عن أبوينا وعن الشيطان: (وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) ويقول (فدلاهما بغرور..).
هذا الغرور هو القياد الذي يقاد منه الإنسان المعاصر إلى حتفه حين يقال له أنت أنت..
الإنسان الراشد.. والحكم الرشيد
- التفاصيل