الرابطة الأهلية لنساء سورية
تبقى كل الصيغ التي تحدثنا عنها في القسم الأول من هذه النافذة صيغاً فردية يمارسها أصحابها على صعيد الأسرة، أو على صعيد اختيار الفرد لذاته. (أبوان يتآمران على طفل أو جنين). و(أم تتنكر لأنوثتها و لأمومتها).
ومع كل ما تلقاه تلك الصيغ من دعم مراكز سلطوية مسيطرة على المجتمع الإنساني ببعديه الدولي والعالمي، إلا أنها تظل في سياقاتها الفردية محدودة الأثر إلى حد كبير..
الأخطر من كل ما سبق هو النشاط الممنهج المدعوم بفلسفات وأفكار وعناوين، والذي تقوم عليه منظمات دولية وأممية ظاهرة وخفية، تلتحف ملاءات إنسانية!! وتجند في مشروعها عن يد واقتدار الرجال والنساء من كل الأمصار، رجال ونساء منزعو ومنزوعات الإنسانية يعملون ويعملن عن وعي وتصميم على تدمير الإنسانية في الإنسان.
ويسعى هذا النشاط الممنهج والعاملون في إطاره والعاملات إلى تشويه مكانة الأنثى في الحياة الإنسانية، وتحقير دورها الوظيفي الأساسي، والاستهانة به, وتقديم بدائل وضيعة وزخرفتها وتموييهها.
في مواضعات تلك الثقافة تتقدم المرأة العاملة على المرأة الأم بالمطلق. يصورون في أفلامهم ورواياتهم ومقالاتهم، أن خادمة أو نادلة في خمارة، تتناوثها أصابع السكارى رائحة غادية أكرم مكانة وأحسن حالاً من أم تحدب على أطفالها وتعيش في ظل زوج قاس لا يتوقف عن ضربها وإهانتها وتعذيبها وتعذيب أولادها!! ودائما استكمالا للعبة يجب أن يكون الزوج قاسيا أصوليا في بلاد وسكيرا خميرا في أخرى!! هذه الثقافة الملولبة يصبحنا ويمسينا بها العاملون على الأجندة الدولية أو الرأسمالية الكريهة في هذا العالم..
منذ القرن التاسع عشر ومع فورة الثورة الصناعية، طُرح عنوان المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، ليس كمدخل إلى إعادة التوازن للعلاقة بين الشقيقين في الوجود الإنساني، وإنما كوسيلة لإلغاء أحدهما وإلحاقه بالآخر..
وعلى مدار القرن العشرين تم تنفيذ المؤامرة في عوالم كثيرة على ظهر هذه الأرض. تم سلخ المرأة عن أنوثتها، وإلحاقها بعالم الرجل، وتحميلها بعض أعبائه مقابل التخلي التدريجي عن مهام أنوثتها الحقيقية وأعبائها.
لقد كان من مقتضيات طرح المساواة مطلباً و شعاراً، أن يتم الاعتراف بالشقيقين على قدم المساواة وأن يتم تقدير دورهما الحيوي الوظيفي، بنفس الدرجة، وأن يتم بالتالي توزيع الحقوق والواجبات على أساس هذا الاعتراف وهذا التقدير. ولكن شيئاً من هذا لم يحصل، وشعار المساواة الذي يردده المفتونون والمفتونات طويلاً لم يحقق إلا المزيد من إلقاء الأعباء على كاهل الشقيق المستضعف الذي يلقبونه تزلفاً باللطيف.
وبدون أي حياء مازال يشار إلى دور الأم في رعاية الأطفال والأسرة والبيت بأطراف الألسن على أنه دور دوني محتقر ومهمة تافهة!! ومازالت الدعوات المريبة التي تدّعي العصرية والحداثة تنادي على المرأة لتودع أنوثتها، وتهجر بيتها، لتلبي احتياجات (السيد) النفسية والاقتصادية، ولتحمل عنه عبء الرغيف الذي هو أساس مهمته ودوره منذ أن كان الصيد والقنص حتى أرقى ما يعرف بالمدنية الحديثة..
قالوا للأنثى الأم: إن كل ما تقومين به حقير وتافه. اهجري البيت، وانخلعي من أنوثتك، أو وظفيها في سياق آخر، سياق المتعة الأخف مؤونة من سياق الأمومة والطفولة والحمل والإنجاب والإرضاع..
كل آلة أداروها منذ القرن التاسع عشر كانت محتاجة إلى يد عاملة أرخص، يتم استغلالها بسعر أوفر، وإنتاج متر من قماش، أو زوج من أحذية، أو تعبيد شبر من طريق أهم عند أخطبوط الرأسمالية الجشع من بسمة طفل تضمه أمه إلى صدرها بحنان..
وكان كل مكتب أشادوه، ومازال، بحاجة إلى أنثى مستضعفة مثل (مونيكا..) تقيم فيه. تقدم خدمات أنثوية من نوع آخر. أنثى لا تحمل ولا تنجب ولا ترضع ولا تلقى على عاتق (السيد) مزيدا من الأعباء أو المسئوليات. أنثى تلبي الرغبات على النحو المشين الذي اكتشفه العالم ذاته في محراب قدس الأقداس، أو مطبخ السياسات العالمية الأضخم في البيت البيض.
نساء العالم أجمع يعلمن أن ما اكتُشف من مخبوء البيت الأبيض مكرور مرذول في أكثر المكاتب الأنيقة، بيل كلينتون، وفرنسوا ميتران، وبرلسكوني وموشيه قصاب شهود رغم أنوفهم على صحة ما نقول..
لا يحسن بالمرأة، كما يزينون، أن تكون عاملة في بيتها، في رعاية أطفالها، ثمرات أنوثتها الأساسية، وإنما يحسن بها أن تكون خادمة على قارعة الطريق يطؤها من هب ودب، وتُمنح للذين يجمّلون هذه الصورة القبيحة جوائز نوبل للآداب!! إن كنتم تقرؤون..
مفهوم مزيف للمساواة تم طرحه وتسويغه والإلحاح عليه حتى وجد رواجه في كثير من بقاع الأرض، ولكنه مازال متعثراً في بلاد المسلمين. وهذا الذي تتقطع له قلوب القوم ومجنديهم ومجنداتهم حسرة وأسفاً. وأدوا الأنوثة في وظائفها الطبيعية الأولية، وفي دورها المجتمعي الأول..
وبدلاً من أن تحقق الدعوة إلى المساواة بطرائق عصرية قاعدة (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجةٌ والله عزيز حكيم) انقلب شعار المساواة ليضاعف الغرم على المرأة فيما يجب عليها مع الإضرار والإكراه.
يعود الزوجان العاملان إلى البيت، وهي قد خلطت منذ أول الشهر دخلها بدخله، فتدلف المرأة إلى المطبخ، ويضطجع الرجل على الأريكة، ليحاسبها على كل صغيرة وكبيرة من أمر البيت والأطفال. وهو يتابع مباراة كرة قدم، أو يحتسي كأس البيرة، التي يحتج عليها لأنها ليس مثلجة جيداً. نتوقف هنا ولا نسترسل للحديث عن العنف المادي والمعنوي الذي يلحق بالشقيق المستضعف والذي يمارسه السكارى والمخمورون والمخدرون..
لقد عنت المساواة المزعومة ابتداء مزيداً من الأعباء المطروحة على الأنثى. وحاصرتها بين خيارين أحلاهما مر، مزيد من الاسترسال في سياق التحدي المرذول أو الانخلاع من الأنوثة. فكان أن ساد الخيار المضاد للفطرة وللطبيعة، وكان حصاده المر الذي تعيشه المجتمعات التي ساد فيها حتى اليوم.
وتأتي الخطوة التالية على طريق وأد الأنوثة، الإعلان عما يسمى بالجنس الاجتماعي أو (الجندر). الجنس الاجتماعي الذي يعتبر الأنوثة محطة في تاريخ الحضارة أو في تاريخ الاجتماع الإنساني يجب على الإنسانية أن تغادرها.
لم يكن شعار (الجنس الاجتماعي) أقل سوء في معناه ومبناه وتطبيقاته من شعار المساواة الزائف. الجنس الاجتماعي عملية التفاف ممنهج على أصل الأنوثة ككيان وجود. وبأدنى تأمل في أهداف ومخططات القائمين على هذا الشعار أو هذا البرنامج تدركين أن المقصود به، وببرامجه وتطبيقاته هو عالم الأنوثة. دون عالم الذكورة.
فلقد اعتبرت المنظمات الدولية والأممية وملحقاتها المحلية (الذكورة) بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية هي الأصل والأنموذج الذي يتمثل فيه الإنسان الكامل . كما اعتبرت عالم الأنوثة عالماً مهيناً مرذولاً ينبغي تجاوزه، وطلب إلى نساء العالم أن يغادرن طبيعتهن، وأن يلتحقن بالآخر على عجل..
وعملياً بدأت ملامح هذا الجنس الاجتماعي تنتشر في مجتمعات الآخرين، في صور تغيرات فيزيولوجية ونفسية، فقدت ملايين النساء هويتهن الطبيعية، وتحولن إلى أنظمة تشغيل كروبورتات بشرية فاقدة لخصائص وجودها الإنساني.
وعملياً بدأت الثمار المرة تخيم على مجتمعات انتشرت فيها الكائنات منزوعة الهوية تلك. مجتمعات منقرضة، تغلب عليها الشيخوخة والترهل، تعيش منذ عقود على جوع العالم الآخر وفقره وخوفه، تعيش بما تستقبل من مهاجرين من أبناء الآخرين. يمدون شيخوخة تلك المجتمعات ببعض شباب مستعار، وقوة مستوردة. إحصاءات السكان وحدها هي التي تحدد لنا ثمرات الجنس الاجتماعي في دول تأكل الشيخوخة مجتمعاتها.
ومازالت منظمات دولية تابعة لدول تخطط للسيطرة أو تابعة للمنظمة الدولية تسعى جاهدة لتنفيذ برامجها المريبة في عوالمنا المحصنة بفطرتها وإيمانها الرباني ( مسلمة ومسيحية )..
وأدوا الأنوثة في عوالمهم، نجحوا نعم، كانت المرأة هناك بلا حصن، تلوذ به، ولا شقيق يغار عليها حتى من نسمة الصبح تداعب خديها.. وهم اليوم يدبون إلى عوالمنا. ليس تقسيم فلسطين وطرد أهلها منها وتمكين الصهاينة منها أسوأ قرارات الأمم المتحدة هناك أيضا مواثيق المؤامرات السكانية، ومشروعات تسمى مواثيق الدفاع الزائف عن المرأة، وهناك السيداو بكل زيفها وغرورها، وهناك غربان الشر تنعب بين ظهرانينا.
الشاعر الإنكليزي كتب منذ عقود قصيدة ينعي فيها الأمومة والأنوثة
ويحذر من أن تسود العالم (الأرض اليباب..)
وأد الأنوثة صورة أخرى من صور التصحر في الروح والنفس والبدن...
وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت
نعم... بأي ذنب قتلت