الرابطة الأهلية لنساء سورية
يشتبه على الكثير من العاملين في الحقل العام أمر الإصلاح السياسي والإصلاح الاجتماعي. يدرك الجميع أن الإصلاح السياسي في تجليه الأبرز (علاقة السلطة بالفرد والمجتمع) يمكن إحداثه بمنظومة قوانين إصلاحية ترسم آفاقه وتفرض أبعاده ورسومه.
إن قياس الاجتماعي على السياسي بهذه الطريقة هو أول ملامح الخطأ في ارتياد عوالم الإصلاح الاجتماعي بأبعاده المختلفة. فكل المتابعين لمسيرة العمران البشري على ما يقول ابن خلدون يدرك أن التحولات الاجتماعية تحولات بطيئة مديدة يتداخل فيها العقائدي والثقافي بالحياتي واليومي.
بل إن كثيراً ما تؤدي التقنينات التي لم تنضج ظروفها بعد ردات فعل مدمرة تقطع الطريق على تطور مسيرة الإصلاح وارتقائها..
ولنضرب على ذلك مثلاً يكثر الضجيج والوضوضاء حوله في هذا العصر، حيث يحاول البعض أن يجعل منه أحد القضايا الرئيسية، ونقصد به موضوع زواج الصغيرات. والمعلوم أن للزواج عمراً بيولوجياً معروفاً وعمراً اجتماعياً وثقافياً يتعارف عليه أبناء المجتمع. وإذا كان العمر الأول تقرره الطبيعة البيولوجية لجسم الإنسان وهو ليس موضع نزاع بين أحد. فإن العمر الثاني هو العمر الذي تختلف عليه المجتمعات الإنسانية في مراحل تطورها المختلفة الزمانية والمكانية. فعمر الزواج في مجتمع رعوي أو زراعي لا يمكن أن يلحق بعمر الزواج في مجتمع مدني. تقول صديقتي، تزوجت جدتي وهي في الثالثة عشرة من عمرها وأنجبت أمي وهي في الخامسة عشرة. وتزوجت أمي وهي في السابعة عشرة، وتزوجت أنا وأنا في الرابعة والعشرين ولا أدري في أي سن ستتزوج ابنتي..
هذا التطور المجتمعي في عمر الزواج هو تطور تلقائي بل تطور ثقافي لم تحدثه قوانين السيداو ولا جهود الأجندات الدولية ولا قوانين مدونة الأحوال الشخصية.
وهذه الحالة التي تحدثت عنها صديقتي هي حالة شبه سائدة ومتقدمة مما يجعل الضوضاء التي تثار حول زواج الصغيرات ضوضاء مفتعلة. وتقديمها على أولوية أجندة الإصلاح الوطنية في الدول العربية والإسلامية إشغال للمجتمع بأمور (متنحية) كما يقول علماء الوراثة فالصفات الوراثية المتنحية المقهورة ليس من الحكمة تضييع الوقت بالانشغال بها.
نعتقد أن تثقيف المجتمع (بناته وأبنائه) بالقيم والأخلاق والعادات القويمة القائمة على المعطى الخيّر والإيجابي والعلمي العصري بمعناه الدقيق هو الطريق الأمثل لإصلاح المجتمع. إشاعة الخير بين الناس، وبث روح التعاون والتواصل والتواصي بالحق والعمل الصالح على ما عبر عنه القرآن الكريم.
وهذا يتطلب على الحقيقة جهداً غير قليل، بل هذا هو الجزء الصعب من المعادلة. وملابسة المجتمع والانغراس فيه والتماس مع قاعدته لنقل المفاهيم السليمة أصعب بكثير من عقد الندوات والورشات وكتابة المقالات وبث صوت النذير للشهرة أو التشهير.
وإنه حين تعلم داعيات الإصلاح ماذا يردن بالتحديد؟ وما هي أولويات مشروع الإصلاح ثم يحملن الرسالة إلى غمار الناس وجمهورهم تكون مسيرة الإصلاح قد أخذت سبيلها بكل تأكيد..
وقد تقول قائلة: هذا كلام جيد وموضوع اتفاق، ولكن ألا تظنين أن التقنين المناسب هو أحد طرق حمل الناس على الطريقة السوية. وفي رأينا أن التقنين إن لم يكن في وقته المناسب، الوقت الذي يجعل من الاستجابة حالة شبه سائدة فإنه غالباً ما يفوت المقصود منه. لقد تأخر في الإسلام تحريم شرب الخمر حتى نضجت ظروف الاستجابة في المجتمع المسلم..
وهذا هو الغرب يعظم العقوبة على العنف الأسري ضد المرأة، ويذهب في عقوبة جريمة الاغتصاب إلى مداها.. ولكن كل ذلك لم يفلح في اقتلاع هذا الخلق الذميم من رجال هناك مردوا عليه..
دور منظمات المجتمع المدني، والمرشدات الاجتماعيات المبادرة الدائمة إلى غرس المعرفة وتثبيت ركائز المعروف. أي علاقة أرادها الإسلام بين المعرفة والمعروف والمجتمع الآمر الناهي تلك هي بعض معطيات المعادلة.