الرابطة الأهلية لنساء سورية
على عادة أكثر أهل زماننا، مضى بالأمس برنامج حواري حول (الثقافة الجنسية) بإدارة الأستاذ فيصل القاسم على قناة الجزيرة، في شجار لا منهجي يقوده طبيب عصري معتد بثقافته وحيويته، وسبعيني أزهري غابت عنه الحقائق فتعلق بسمادير تقاذفت بصره وفكره..
وموضوع (الثقافة الجنسية) أحد الموضوعات الساخنة المطروحة بإلحاح على الأجندة التربوية في عالمنا العربي والإسلامي. كنا نتمنى أن يسمع الرأي العام العربي في تلك الحلقة كلاماً مفيداً أو منهجياً، وإن من وجهتي نظر مختلفة. ولكي لا يستغرقنا الحديث عما كان في البرنامج نؤكد أن الرجلين اللذين قادا الشجار أو الحوار لم يكونا مختلفين إلا لأنهم جاؤوا ليختلفوا، وإن كانا لا يعلمان على ماذا يختلفان. لا ندري إن كانت تلك هي طبيعة البرنامج أو رغبة المدير. ومع ذلك فإنه من المفيد أن نؤكد أنه باستثناء الطريقة الحادة التي دار من خلالها الحوار أو الشجار؛ فإن بإمكان المرء أن يجمع بين ما قاله الطرفان بقليل من التؤدة ليخرج الرأي العام بفائدة..
ومع أنه لا أحد يستطيع أن يتهم المسلمين وثقافتهم وشريعتهم باحتقار أو استقذار أو كبت (الدافع الجنسي) فيزيولوجياً أو غريزياً أو وظيفياً، فإنه من المفيد تربوياً وهذا أمر ضروري أن نميط أو نبعد عن (المعرفة) ملتبسات الإثارة الغريزية في غير وقتها.
ثمة في تاريخ الحضارات والثقافات معركة دائرة على المصطلحات. لا يجوزأن نغفل أن مصطلح (جنسي) مع ما يشير إليه من حقائق معرفية، قد اختلط أيضاً بواقع مزرٍ، وتوظيف غير حميد تقوده جهات مريبة تحاول أن تفتح منافذ غير حميدة على عالم الإنسان، ولا سيما في عالم الطفولة..
في تقريرات ثقافتنا المعتمدة أنه لا مشاحة في المصطلحات. سيسامحنا الدكتور المثقف وربما السيد فيصل القاسم إذا أكدنا معهم على ضرورة، أن تدخل المضامين المعرفية التي أشار الدكتور إلى بعضها تحت عناوين أكثر شفافية وعمومية، نعم نؤكد على ضرورة أن تدخل معرفة الجسم البشري وعلم وظائف الأعضاء التربوي الممنهج تحت بعض عناوين علوم الإنسان. وهذا يتسق أيضاً مع قول الدكتور الذي جاء إلى البرنامج مشاجراً لا محاوراً، بأن هذه الثقافة العامة يعلمها أكثر من أستاذ في المدرسة العصرية تحت أكثر من عنوان.
محطة أخرى على طريق الحوار البنّاء..
كان الدكتور المثقف منصفاً ومصيباً، وهو يعرض الكتيبات الصغيرة بمضامينها المعرفية التي تجيب على تساؤلات الصغار، أو تعرفهم ابتداء بحقائق حياتية عن ذواتهم، لا ندري لماذا اقشعر لها بدن الشيخ الأزهري في هذا المقام؟! لا بد من الاتفاق على ضرورة أن تتقدم هذه المعرفة منهجياً، الجرعة المناسبة في السن المناسب بالطريقة المناسبة. وهذا الذي حاول الشيخ أن يقوله ولكنه عجز عنه..
نعتقد أنه من الخطأ التربوي والمنهجي أن يستمر الآباء والأمهات أو العمات والخالات في المراوغة في الإجابة على أسئلة الأطفال الصغيرة الكبيرة: من أين جئت؟! ثقافتنا الإسلامية، لا تقبل أسطورة مثل، بابا نويل، والمراوغة اللفظية لا تنفع. والأجوبة العلمية المدروسة ببساطة وبعلمية وموضوعية هي الحل..
إن الحقيقة الرديفة التي يجب أن نؤكد عليها في الحديث عن الجرعة والتوقيت، هي الحرص على تقديم المعلومة في إطار من العفة والطهر، تجنب الإنسان (الطفل والطفلة) تبعات الاستيقاظ الغريزي المبكر، وتجنب المراهقين والمراهقات التهييج الجنسي وعواقبه الوخيمة..
وفي محطة ثالثة في إطار الحديث عن مثل هذا الموضوع غير الشائك، نحب أن نؤكد على أن واقعنا الثقافي في هذا المضمار ليس صفراً، أو ليس سلبياً وهو في الوقت نفسه ليس كاملاً. ففي عالمنا المسلم تقوم الأسرة والمسجد والمدرسة أيضاً بدورها بتلقين مبادئ هذه الثقافة على طريقتنا. وإن يكن أحياناً بطريقة تنقصها المنهجية والتكامل.
ففي الأسرة يتعلم الطفل والطفلة منذ سني عمره الأولى أمرين؛ الأول ضرورة أن ينظف نفسه مما يخرج منه، و الثاني خصوصية أعضائه الخاصة، وضرورة سترها. الستر هنا لا يعني الاستقذار الفيزيولوجي كما أسلفنا من قبل. الستر هنا هو جزء من ناموس الطبيعة العام. لقد خلق الله أكثر المخلوقات على حال من ستر تلك الأعضاء في جسمها.
خصوصية الأعضاء الخاصة هو بعض الثقافة التي ينبغي أن يتربى الإنسان عليها ليس في عالمنا المسلم فقط، وإنما في كل عوالم الإنسان. وينبغي أن يكون لهذه الخصوصية آفاقها من مستويات العلاقة مع الذات إلى أفق الوظيفة الإنسانية في مراحل متقدمة.
في الأسرة يتعلم الطفل المسلم كيف ينظف نفسه، كيف يستر نفسه، وكيف يحترم جسده، في المدرسة سيتعلم الفتى والفتاة ما يجب عليهما معرفته في سن المراهقة من تغيرات فيزيولوجية، ومن أحكام الطهارة، وموجبات الغسل، ومعاني الاحتلام والحيض والغسل. أحكام تقدم في كتب التربية الإسلامية بطرائق قد تكون بحاجة إلى شيء من إعادة الصقل أو التوجيه أو التعميق.
وفي محطة أخيرة لا بد من الإشارة، إلى ما غفل عنه الشيخ الأزهري ـ مع الاحترام له ـ من موقف الإسلام العام من القضية موضع الحوار. الرسول الكريم (الرجل) يقول لأصحابه حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء، ويقول لرجل استفظع أن تقع يده على فرجه، هل هو إلا بضعة منك، والرسول الكريم كان يعلم بعض أصحابه دروساً خاصة في مقتضيات العلاقة الإنسانية في إطار المودة والرحمة. ينهاهم أن يقع أحدهم على أهله كما يقع البعير. ويقول لهم (فليرسل رسولاً) ويستوضحوه فيقول: القبلة ونحوها، ويستنكر عليهم ما يقارفه أحدهم من عنف في حق صاحبه ثم لعله يعانقه آخر اليوم..
نحن أكيدون أن الطبيب المثقف، كان يمكن أن يكون أكثر فائدة لو أنه تجنب الحدة والشجار، نحيي فيه إعلانه أنه لا مشكلة له مع الإسلام والقرآن. كنا نتمنى أيضاً ألا تكون له مشكلة مع الفقهاء، وليس بمعنى الالتزام بكل ما يقولون، فما نقله من أمثلة في كتبهم تؤكد أن معارفهم هي من إنتاج عصرهم، وأنه ليس مطلوباً منهم بأدواتهم البشرية المحدودة أن يدركوا ما أدركه الآخرون، ولكننا نعتقد أيضاً أنه كان انتقائياً في الإشارة إليهم، انتقائية دفعته إلى مواجهة مع الشيخ العجوز.
في كتب التراث إلى جانب ما نقل المحاور الطبيب الكثير من الإضاءات التربوية في المجال المطروح تؤهله ليجعل منها مدخلاً إلى عالم يريده في القرن الحادي والعشرين.
لا ندري ماذا كان يضر الطبيب المثقف أن يكون عنوان كتابه (تواصل لا تناسل) (تواصل وتناسل) لأن هذه هي الحقيقة وإن رغمت أنوف. ولأن كل جهود المنظمات الدولية، ومصانع عقاقير وأدوات منع الحمل في العالم إنما تقوم أصلاً لتكريس الانفكاك بين التواصل والتناسل. ويأبى الله إلا أن يتم نوره، في صورة طفل يكسر كل الإرادات ليبتسم للحياة..