الرابطة الأهلية لنساء سورية

نلمس في هذه النافذة جانباً من مشكلة اجتماعية نكاد نقول إنها تحولت إلى ظاهرة. مشكلة نملك الحديث عن بعض أبعادها ومقاربة بعض الخطوات التي يمكن أن تحد من حجمها. دون الذهاب إلى حد القول باقتراح الحلول الناجعة لها. ففي مجتمعاتنا التي أضحت (لا شرقية ولا غربية) تتعقد المشكلات وتتداخل بحيث يعسر اقتراح الحلول لهذا الواقع المختلط، في قواعده تارة وفي بُناه أخرى.


تربيتنا على مقولة: أبغض الحلال إلى الله الطلاق. حدت كثيرا من الظاهرة البغيضة، في مجتمع تقليدي ننتمي إليه، ولا ندعي له الكمال. دور الأسرة الكبيرة كان حاضرا في صون المؤسسة التي كانت تُبنى، في الغالب، بقرار من هذه الأسرة نفسها. مع  ثقافة اجتماعية سائدة جعلت المرأة في تلك المجتمعات تضع حاجزا كتيما بينها وبين أن يُكتب على جبينها كلمة (مطلقة). ولم يكن الرجل في ذلك الحذر والحرص ولكنه لم يكن كما هو عليه اليوم بنفس الغرور. استمرار الشراكة، وبقاء المؤسسة ولو مع بعض الظلم والحيف يلحق بهذا الجانب أو ذاك، وغالبا ما يكون على حساب ذاك؛ كان هو الحكمة السائدة في ذلك الزمان.
تستطيع كل واحدة منا حيث تُلقي ببصرها في دائرة وجودها الاجتماعي اليوم أن تلمح العشرات من المطلقات الصغيرات عُدن إلى بيوت آبائهن بعد تجربة زواج فاشلة. تجربة استمرت من سنة إلى خمس سنوات، ثم انتهت بمأساة تحملت عبئها الأكبر فتاة ربما لم تتفكر، يوم أصرت على الفراق، بما يكفي في المآل الذي ينتظرها.
المقام هنا ليس لدارسة أسباب فشل تجارب الزواج. ومن يمكن أن يكون المحق أو المحقوق، من هو الجاني ومن هو المجني عليه، من هو الذي تعنت حتى أفشل التجربة ومن هو الذي تهور حتى أوقع أو وقّع  الطلاق؛ المقام هنا هو للحديث عن المشكلة بعد أن وقع الفأس في الرأس كما يقولون..
حقيقة المشكلة:
وقع الطلاق.. فالرجل أو لنقل الشاب الذي لا يدري، ربما، ماذا صنع، والذي ربما يكون ضحية أحيانا لتعنت فتاة مغرورة أو أمها أو أبيها، يسارع قبل أن يمضي على الفراق شهر إلى إحداث خطبة وزواج واستئناف تجربة جديدة مع امرأة جديدة. أصبح الماضي بالنسبة إليه غمامة عابرة. ربما لا يحب أن يذكرها أو أن يتوقف عندها، إلا عندما يكون للتجربة السابقة بعض الثمرات، من بنين وبنات، فإنها ستظل عندها تطل على ساحة حياته إلى أمد غير محدود. وربما سيظل يلازمه شعور بالشفقة أو الشماتة كلما سمع عن معاناة الضحية أو آلامها.
والفتاة، التي أصبح من الأفضل أن نطلق عليها اسم (امرأة) ولقب مطلقة، تعود لبيت أهلها، ليُعلَّق إلى أمد غير مسمى مشروع استئناف حياتها ككائن بشري. الفرصة الثانية، بالنسبة إليها،  نادراً ما تطل. وإن أطلت فمع رجل من ذوي الأوضاع الخاصة. رجل وفارق كبير في السن، رجل وحطام أسرة مدمرة. رجل و مشكلة اجتماعية أو صحية أو.. أو...
و(العنوسة) التي تشكل ظاهرة اجتماعية أخرى تكاد تبخل بفرصة الزواج الأولى على كثير من الفتيات، فمن أين تحظى بها فتاة مطلقة إن لم تكن تملك خصوصيات تغري على إعادة الزواج بها؟!
إن مرتسمات كلمة (مطلّقة) قاتمة مع الأسف في أبعادها الشخصية والاجتماعية. ومن هنا ينبغي أن تبدأ مقاربات العلاج. فالمطلقة في الإطار الإنساني والمجتمعي هي إنسان كامل الإنسانية والأهلية. وهي إنسان لم يفقد أي بعد من أبعاد الاحترام الذي يجب أن يعترف لها به. تجربة فاشلة نعم ولكن المجتمع ليس هو القاضي، وليس بالضرورة أن يكون أحد أطراف التجربة مدانا.
الموقف الاجتماعي الذي يصدر حكم الإدانة بناء على العناوين أو على الأحكام المسبقة يعتبر الفشل في تجربة بحد ذاته تهمة أو إدانة، ويحمّل مسئولية الإدانة بطريقة مباشرة للطرف الأضعف، للمرأة.
سيكون مرفوضا بالنسبة للمرأة المطلقة موقف التعاطف ممزوجا بالشفقة. لاشك أن هناك ضحية تستحق الدعم والتأييد ولكن من منطلق الاحترام أيضا، ولاسيما عندما تكون المرأة صاحبة قرار في طلب الانفصال.
في مقاربتنا لتلمس الحلول للظاهرة لا نملك أكثر من أحاديث متعانقة عن العمل المسبق لتجفيف أسبابها.
إعادة النظر في أساليب الاختيار وقواعده، وطرائق اتخاذ قرار الزواج ومراحله. ربما اندثرت أو كادت طريقة الخاطبة التي تجمع الرأسين في الحلال. وربما توقف أسلوب قرع الأبواب ( عندكم بنات للخطبة). وطريقة أبي يعرف أباه، وأمه صديقة خالتي هي الباقية. وتزويج الشاب على سمعة أبيه، والفتاة على سمعة أمها أو رغبتها هو بعض المشكلة.
المشكلة أن هناك تقدما متفاوتا في أبعاد الحياة الاجتماعية، مضامير ساخت فيها سياقاتنا الاجتماعية، وأخرى ما زلنا فيها على الأعتاب. على رجال الإصلاح الاجتماعي أن يقترحوا طرائق أكثر أمانا لتقاليد الخطبة والتعارف واللقاء والزواج.  طرائق تلتزم الثوابت والآداب الشرعية وتكون أكثر أمانا بالنسبة للشباب والشابات.
الزواج مغامرة. إنه أشبه بشراء بطيخة من غير ضمان، الفتاة تعلم أنها حين تعطي موافقتها إنما تغامر على المجهول، لأنه ليس لديها بديل. ولن ينفعها في شيء تأكيدات أبيها أو خالها أو عمتها.
الحديث هنا ليس فقط عن المحيط الملتزم بالشريعة أو بالتقاليد، الظاهرة هي هي حتى مع نساء حداثيات، خضن التجربة على الطريقة الغربية، اخترن وتعرفن ودخلن وخرجن وتعاملن وأرضين وأغضبن وظنن أنهن تأكدن من البطيخة التي اخترن؛ ثم وصلن إلى النتيجة نفسها.
ثم تصحيح الثقافة والتصور المسبق عن الشراكة:
لن نغفل عن ذكر الدور السلبي للثقافة القاصرة التي تركز على تصور وردي لحياة واقعية. ثقافة ترسم أفق حالم في رحاب الأسرة. حياة متخيلة يشارك في رسم معالمها المقررون والممثلون وكتاب الروايات. ينبغي العودة إلى فقه الأسرة كأساس ثقافي. الحلم جميل والواقع حاكم. وتوازن التصورات المسبق يعين على معرفة موقع القدم.
المرأة العربية الأولى قالت لابنتها: إنك خرجت من العش الذي فيه درجت فصرت إلى فراش لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني لك أرضا يكن لك سماء، وكوني له مهادا يكن لك عمادا .
والقرآن الكريم نبه إلى أن الأدمة قد لا تحصل ولكن الخير ممكن: ( وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه  خيرا كثيرا). ونستطيع أن نخاطب في الأسرة الرجال والنساء. بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يفرك مؤمن مؤمنة إن سخط منها خلقا رضي آخر). تلك ثقافة مسبقة تمهد الطريق أمام تصور واقعي لما ينتظر الطرفين في مكابدة عملية التأسيس للبناء.
قاعدة أخرى للشباب والشابات، لا تتوقفوا عند السلبيات، لا تجعلوها تغلق عليكم الأفق، انظروا أيضا إلى الإيجابيات. والحب إن لم يسبق يصنع. عمر رضي الله عنه ينكر على من طلق امرأته ، قالوا لأنه لا يحبها!! تساءل عمر رضي الله عنه: أفلا تقوم البيوت على غير الحب، فأين الرعاية والتذمم إذن؟!! ثقافة تنظر إلى الأسرة كواحة للقاء، وخلية للبناء، ومظلة للمودة والرحمة أيضا.  
لا نريد العودة إلى ثقافة أن بيت المرأة هو قبرها؛ ولكن ثقافة المقررات والمسلسلات أفرزت مشكلات أخرى، ثقافة نظرية حالمة بدون غطاء عملي أو واقعي. بمثالية مقرر أو مسلسل يدخل الشباب والشابات تجربة جديدة تكاد تستوي فيها فرص النجاح وفرص الفشل.
لعل من تجفيف منابع الطلاق أن نسبق إلى إجراء دورات عملية عن أجواء الحياة الزوجية. والتخفيف قليلاً من الظلال الوردية للحياة. والتأكيد على أن هذا القادم الجديد ليس الفارس على الفرس الأبيض، الذي يراود الحلم. وأن هذه العروس ليست سندريلا الموعودة. وأنها وهي العفيفة الغضيضة لن تؤدي أدوار العارضات في (الفيديو كليب) الموبوء.
وتظل المشكلة عالقة. مشكلة (المطلقات الصغيرات) يملأن بيوت الآباء والأمهات أو الأخوة والأخوات..
وحين تغيب مع هذا الواقع الكئيب أي إمكانية لاستئناف نشاط إنساني مفيد على أي صعيد من صعد الإنجاز والعطاء؛ يكون هناك حياة إنسانية قد وئدت.
المهارات الإضافية، والأنشطة العامة هي بعض التعويض في رحاب المأساة التي سببتها طلقة طائشة سبق إليها شاب أو أصرت عليها غريرة من الفتيات.
أيها الآباء أيتها الأمهات، أيها الأزواج أيتها الزوجات..
اتقوا الله..

 

JoomShaper