الرابطة الأهلية لنساء سورية
على طريق بناء السلم الاجتماعي في عالم ننتمي إليه تتداعى عليه الأمم، وتتكاثر على أبنائه وبناته الدعوات والشبهات تستوقفنا صورة نمطية شوهاء للمرأة المسلمة أو المرأة العربية تشكل ملامحها المزورة مدخلا لشن حرب عنيفة على قيم الحق والخير بالنفوذ المباشر عبر تفاوت العقائد والعوائد والثقافات...
ففي صراع حضاري تختل فيه موازين القوى المادية بأبعادها المعرفية والمنهجية والأدواتية تتكرس صورة (المرأة المسلمة) كعنوان للعبودية، أو التخلف، أو الارتهان للماضي، أو الإذعان للظلم والحيف في حالة من الذلة والانكسار والتبعية للرجل، الذي يذهب بكل شيء، ويسوم المرأة (الجارية) أفانين العذاب، الرجل ( الذكر ) وليس الإنسان الذي يحاصر المرأة ( الأنثى ) بين قوسي: الفراش والمطبخ..!! صورة مزورة مهينة للمرأة المسلمة أو بعبارة أدق للمرأة التي تعيش في المجتمعات المسلمة مهما كان مدى التزامها بالإسلام !!
وتُحمّل الشريعة الإسلامية أولا مسئولية هذه الصورة الشوهاء، ثم تنسب هذه الصورة إلى ما يقرر من تخلف المجتمعات العربية والمسلمة، والعقلية الذكورية ( !!) المسيطرة على هذه المجتمعات، وكأن الرجل أو الذكر ليس أبا ولا أخا ولا زوجا ولا ابنا، وكأن المرأة أو الأنثى ليست أما ولا أختا ولا زوجا ولا بنتا؛ صورة من أبسط ملامحها وسم المرأة المسلمة بالهوان والتخلف والغباء والانقياد..
وتكرس هذه الصورة إيديولوجيات وثقافات غربية متسللة من رواسب حروب تاريخية بين الغرب والعالم الإسلامي.
فهذا الغرب الذي استمد تصوراته عن (المرأة) المسلمة من أساطير حكايات ألف ليلة وليلة وصبغها بهوج أحلامه الجنسية كما فعل شعراء وأدباء القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.. عاد في القرن العشرين أو النصف الثاني للقرن العشرين ليعكس الصورة بطريقة مختلفة، فيرمي عالم الإسلام والمسلمين بكل نقيصة، مدعياً تفوقه في ميدان العلاقات الإنسانية، والنظم الاجتماعية قياساً على تفوقه المادي أو المعرفي..
ويشارك في تشويه صورة المرأة العربية والمسلمة بعض المخطوفين والمخطوفات من أبناء هذه الأمة، المجندين في الترويج لمشروع الغرب الثقافي، والذين يمعنون في تزييف الواقع وتزوير الحقائق توسعا في رسم الملامح القاتمة للصورة، واستخدام الرموز والمصطلحات الإعلامية المثيرة، لإعلان النفير على واقع مجتمعي يلف رجالنا ونساءنا بكل نقيصة وسوء.
ابتداء لا ندعي..
أن واقعنا الاجتماعي بريء من كل نقيصة وعيب.. ونقر أن مجتمعاتنا، مع الخيرية العامة، التي تحكم أرضية وجودها، تعاني من عدد غير قليل من العادات والتقاليد التي تنسل من عوالم التخلف والجهل والتي تحتاج إلى جهود المصلحين لمواجهتها والتصدي لآثارها السلبية.
ونؤمن..
أن الشريعة الإسلامية التي تحكم الخلفية الوجودية لهذه المجتمعات، تثقيفاً وتهذيباً وتقنيناً، ستظل قابلة لقراءات تجديدية تجعلها أكثر انسجاماً مع مستجدات العصر وحاجات المسلمين وهذا واجب مناط بالفقهاء المتنورين، وهي بعض الأمانة التي أسندها الله سبحانه وتعالى إليهم وحملهم مسئوليتها..
ونرفض
أن تساق مجتمعاتنا تحت عناوين الحرية المزيفة والتحديث الموهوم لإغراقها في وحل المجتمعات والحضارات التي تئن بناها الاجتماعية من ثمرات الفوضى التي تسودها. ليس لأننا نرفض الاستفادة من التجارب الخيرة للمجتمعات والحضارات الأخرى؛ بل لأننا قادرون بالنظرة الموضوعية الناقدة على تمييز الخير من الشر والنافع من الضار. ولأننا قادرون في عصر شيوع المعرفة وتعميمها على تتبع الثمرات المدمرة لتلك المناهج ورصدها.
ولأننا ثالثاً سنظل الأمناء على مجتمعاتنا الأوفياء للرجال والنساء فيها. فالرائد لا يكذب أهله، ولا يخادع قومه ، وهذا الذي سيحكم رؤيتنا ومسيرتنا.
وأما بنعمة ربك فحدث
وللتعاون من أجل تصحيح الصورة (النمطية) السلبية للمرأة المسلمة، نتداعى للجهر بالحق، للحديث عن النعمة التي تعيشها الجدة والأم المسلمة، والزوجة المسلمة، والأخت المسلمة والبنت المسلمة..
للحديث عن الصورة الإيجابية المشرقة بالقسط. ولمواجهة الحالات السلبية ليس بإنكار وجودها وإنما بتتبع ملامحها..
ولخوض مضمار الإصلاح، مدركين أن إصلاح المجتمعات يبدأ من عالم الأم، مصدر التربية الأولى ومعدنه.
إصلاح يعتمد منهج التربية القويمة، والتثقيف الصحيح، والانغماس المنجز في معطيات عصر لم يعد يحسن فيه الصمت أو التواري وراء الأعذار.
مطلوب من المرأة المسلمة المستظلة بظل دوحة المجتمع المسلم الوارفة بكل ما فيها من خير وبر ومودة ورحمة أن تتحدث بنعمة الله عليها..
ومطلوب منها أيضاً أن تقوم على أمر هذه الدوحة، رعاية وعناية وتشذيباً وإصلاحاً.
وإذا كانت شريعتنا كاملة فإن واقعنا ليس كذلك..
إنها دعوة للعمل وللجهر بالحق. لنعمل معا لنقوم بحق الشهادة على الناس: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون