الرابطة الأهلية لنساء سورية
أصدر السيد الرئيس بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 37 للعام 2009 القاضي بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات والاستعاضة عنها بنص آخر وفيما يلي نص المرسوم التشريعي..
الجمهورية العربية السورية
المرسوم التشريعي رقم 37
رئيس الجمهورية
بناء على أحكام الدستور
يرسم ما يلي..
المادة-1- تلغى المادة 548 من قانون العقوبات ويستعاض عنها بالنص التالي..
يستفيد من العذر المخفف من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد على ألا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل.
المادة-2- ينشر هذا المرسوم التشريعي في الجريدة الرسمية.
دمشق في 9-7-1430 هجري الموافق 1-7-2009 ميلادي.
رئيس الجمهورية
بشار الأسد
وزير العدل: المرسوم تصويب لمعالجة الحالات التي تنطبق عليها هذه المادة بما يتوافق مع أحكام القانون وقواعد العدالة
وحول المرسوم التشريعي رقم 37 صرح القاضي أحمد حمود يونس وزير العدل لوكالة سانا: إنه كثرت في الآونة الأخيرة جرائم القتل أو الإيذاء بحق الزوجات وغيرهن من القريبات بداعي مفاجأتهن بجرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء أو في حالات مريبة مع آخر وكان نص المادة 548 عقوبات الملغاة يعفي مرتكب جريمة القتل أو الإيذاء سنداً لهذه المادة في هذه الحالات من كل عقوبة ويحلله من أي مسؤولية أو عقاب على فعله.
التعديل القانوني المذكور أثار جدلا واسعا في الشارع السوري، وهو في توجهه العام يأتي متساوقا مع مطالب منظمات ذات أجندات غربية لا تخفى..
قوى وطنية سورية متعددة التوجهات نظرت بريبة شديدة إلى المادة، واستنكرتها قوى مدنية على خلفيات محافظة، أو خلفيات قيمية، بينما وجدتها القوى الحاملة للأجندة الدولية غير كافية.
واقترن هذا التعديل بضغوط شديدة من قبل حاملي مشروع التغريب في سورية من أجل سحب مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي لم يلب التطلعات الليبرالية لتلك القوى، المدعومة عموماً من قوى دولية ومنظمات تحمل عناوين أممية وإنسانية.
نعتقد أن المادة 548 من قانون العقوبات التي تمت الإطاحة بها، وكذلك المرسوم 37 / 2009 بديلها، مما يخص جميع أبناء المجتمع السوري رجالاً ونساء على السواء، ولذلك فليس من المنطق القانوني أو العلمي أن تعتبر المادة شأنا يخص المرأة وحدها وأن انعكاساتها هي على عالم النساء فقط..
في الجدل الدائر حول المادة، والكتابات المحمومة التي يدندن عليها فريق عامل منتشر عبر العالم الإسلامي من الباكستان ـ إيران ـ تركية ـ العراق ـ سورية ـ مصر ـ الأردن يرمي كله عن قوس واحدة ثمة الكثير مما يمكن أن يقال..
إن أول ما يتوقعه المرء أو المرأة من فريق يدعي العلم والتنوير والثقافة أن يكون منسجماً مع ذاته، منهجياً في طروحاته، موضوعياً في مقرراته وأن يسقط من طروحاته المجتمعية أساليب التضليل الإعلامي الرخيص التي يتبعها رجال الدعاية أو السماسرة في كثير من الأحيان.
ومن هنا، فإننا من منطلق إصلاحي اجتماعي وطني، وحرصاً منا على (السلم الاجتماعي) الذي هو الهدف الأول لتأسيس رابطتنا ندعو هذه القوى إلى دائرة اتفاق وطني يجمعنا، وإلى وضوح في الموقف، والتعبير عنه من غير مواربة تجعل أبناء مجتمعنا على بصيرة من أمرهم.
المقرر الأول في موقفنا الاجتماعي الإصلاحي أننا ندين جناية القتل تحت أي عنوان مهما تكن ظروف الواقعة، وذرائع المرتكبين لها ..
ندين الجناية على الروح الإنسانية من منطلق إسلامي شرعي، وندينها بمنطق عدلي حيث لا يمكن للفرد أن يجعل نفسه خصماً وحكماً، وأن يأخذ إنساناً بالظن، وأن يحاكم من لا يحق له أن يحاكمه..
ندين الجناية، ونرى في شيوعها عدواناً على حرمات الله، وإشاعة للفوضى في المجتمع..
ولكننا بالمقابل، ودون انفكاك، ندين الجريمة الدافعة إلى الجناية، ندين جريمة الزنا، ونعتبرها كبيرة شرعية، وفاحشة مجتمعية، جريمة لا تقل في حقيقتها، وفي تهديدها لبنية الحياة الاجتماعية وفي تمزيقها للروابط المجتمعية عن الجريمة التابعة..
موقف نريد من المحتجين على الجريمة الثانية أن نسمعه منهم في الجريمة الأولى. لأن صمتهم عن الجريمة الأولى، أو تهوين أمرها، أو تسهيلها ليس في مصلحتهم، وإن كانوا يرونها كذلك، فعليهم أن يكونوا صريحين أمام الجماهير التي يحاولون مخادعتها بدموع مزيفة للبكاء على الجريمة في بعدها المادي والتغاضي عن بعدها المعنوي المتعلق بحرمات الله وكرامة الإنسان...
إذاً لتطويق الجريمة، والحد من انتشارها، ينبغي أن نلح بنفس الوتيرة على ضرورة الحد من أسبابها، وتجفيف منابعها، ومصادرة الدوافع إليها. إذا كنا فعلا رافضين للعدوان على الحياة الإنسانية فعلينا ان نرفض بالمستوى نفسه العدوان على الكرامة الإنسانية. علينا ان نتبنى مشروعا وطنيا مشتركا لنحد من ظاهرة الانحراف والسقوط في مجتمعنا.
ثم نحن لا نعتقد أن موضوعاً بحجم الموضوع المطروح يمكن أن يعالج كما يظن البعض بتشديد عقوبة، أو تغيير قانون. ثمة جرائم كثيرة يعاقب عليها بالإعدام ثم تجد من يقارفها. الذين يتاجرون في المخدرات في مجتمعاتنا كثر مع شدة العقوبة وصرامتها.
وإذا كان الذين يدعون إلى تشديد العقوبة القانونية يرون فيها وسيلة للزجر فلماذا يخالفون في ضرورة تشديد عقوبة جريمة الزنا لنفيها عن حياة المجتمع، أو على الأقل الحد من انتشارها ومداها؟!. أليس في هذا نوع من ازدواجية المعايير؟! أم أنها الثنائية التي تختبئ وراء الرغبات الخفية لمن ينظر بعين الرضا إلى الجريمة الأولى، وكأنه يريد أن يطلق لمرتكبيها العنان.
ثم لماذا لا يتوقف المتابعون والإنسانيون هؤلاء عند انعكاس الجريمة الأولى على الحياة الاجتماعية بشكل عام كما يتوقفون، ونحن معهم، عند دم الجانية الضحية المسفوح ظلماً.. هل فكروا هم أو هل فكرت هذه الضحية الجانية، وهي تقارب خطيئتها أي عار وإثم تجلبه على أبيها وأخيها وأخواتها وبنات عمها وخالها وأهل محلتها..؟؟؟
حكم المجتمع، صواباً كان أو خطأ، لا يغيره قانون ولا مرسوم ولا برلمان ولا مقال صحفي، ولا مقررات نيويورك لمنظمات حقوق الإنسان.
حكم المجتمع، وحكم مجتمعاتنا في هذه القضية قاس ومتجاوز، يغيره مشروع إصلاح وإعادة تأهيل وتثقيف وتوعية وتنوير وصبر وجهد..
إن رؤيتنا العملية ترتكز على تعاطف مع كل ضحايا المأساة على ضفتيها المجتمعية والفردية، فكما نألم لمصير الضحية الجانية المؤسف نتصور أبعاد السقوط الاجتماعي يضرب أسرة بل عائلة وعشيرة وقرية تشتعل نار العار الاجتماعي بين ظهرانيها. نحن في دمشق وحمص وحلب ودير الزور والقامشلي ولسنا في نيويورك ولا لندن أو باريس لهذا المجتمع يكون التشريع والتقنين...
الصدق في طلب الإصلاح يتطلب مشروعا وطنيا لا بد أن تكون له بعض المرتكزات المنهجية لتطويق الإثم والشر على حد سواء وهذه بعض المقترحات ليركز عليها التربويون والكتاب والمصلحون..
أولاً.. تعظيم إثم الجريمة الفاحشة، جريمة الزنا، وتهويل أمرها وإغلاق جميع أبواب الفتنة التي تسوق أبناء وبنات المجتمع إليها، بما في ذلك عرام الشهوة الجسدية والشهوة الاستهلاكية الدافعة للانحدار في طريق الخطيئة..
ثانياً.. التأكيد في التثقيف التربوي على أن الجريمة فردية، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأنه لا يحق للفرد أن يكون خصما وحكما في الوقت نفسه، مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الأخذ بالشبهة والمعاقبة على الظنة..
ثالثاً.. أن نرسخ في العرف الاجتماعي حقيقة أن جريمة الزنا من الرجل والمرأة في عرف الشرع والقانون سواء..
رابعاً.. تعظيم حرمة الدم، وتفظيع جريمة القتل، بحيث تنتفي عن حياة مجتمعنا كل أشكال العدوان على الحياة مهما تكن مسوغاتها وأسبابها.
إن التربية المنهجية القاصدة التي تشترك فيها الأسرة والمدرسة والحي والمنظمات الشبابية ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني بجهد منظم وهادف وقاصد هي الطريقة الأكثر جدوى للانتصار للفرد والمجتمع وصون الحياة العامة من كل أشكال الفوضى والاضطراب.
إن الذين يدفعون إلى معالجة الحالة المدانة بالعقوبة وليس بالتربية إنما يسعون في وجه آخر إلى مضاعفة المصيبة على الأسرة المكلومة بشرفها وبأكثر من فرد من أبنائها...