الرابطة الأهلية لنساء سورية

المقدمة لكِ، والخطوات لطفلك

نسميها بالعربية الأثرة والأنانية وحب الذات والإعجاب بها والحرص على الاستئثار بالمادي والمعنوي. كل شيء لي، وكل ما هو لي هو الأجمل أو الأفضل أو الأكثر. وأنا دائما الأجمل.. عيوني، لون بشرتي، نعومة شعري وطوله، طريقة مشيي، أو لفظي، أو كتابتي أو خطي تبدأ مع الأنا الكبيرة وننتهي عند بطر الحق وغمط الناس...

الحرص على الاستحواز أو التفرد والتميّز غرائز أولية إنسانية لا بد لها من تهذيب وتشذيب وضبط. ومن هذه الأمثلة الأولية التبسيطية يمكن أن ننطلق إلى فضاءات السلوكيات والأذواق ومبادئ الأفكار...

ومع أن أمتنا تنتمي إلى إرث حضاري متقدم في الجمع والضم والاشتمال ، كما نستعمل في مصطلحات الرياضيات، إلا أن قرونا طويلة من عصور الانحطاط وضعتنا مع الأسف على سكة الرفض والنبذ والهجر والتكفير والاحتراب.

في مسجد الرسول الكريم كانت الحوارات بين الرسول واليهود، وفيه استقبلت الوفود فكانت المسابقات في خطب الخطباء وشعر الشعراء، وفيه لعب الحبشة بالحراب، وفيه أقام وصلى نصارى نجران، وفي بيته استقبل عدي بن حاتم وصليبه يتدلى من عنقه، وأكرمه الرسول الكريم فأجلسه على الوسادة وجلس هو على الأرض، في مسجد بني أمية صلى المسلمون والمسيحيون لعقود من الزمان...

وحين نعود إلى مجتمع بغداد في عصرها الذهبي نجدها تموج بالحوارات بين الملل والنحل والشيع والأحزاب. حوارات كان المسجد قادرا على استيعابها بممثليها وبالناطقين باسمها من مسلمين ويهود ومسيحيين وصابئة ومجوس وثنوية ومانوية وسنة وشيعة ومعتزلة وقدرية ومرجئة ودُهرية.. وتحفظ لنا كتب التاريخ والحضارة والأدب صورا رائعة

للحوارات والمناظرات التي لم تكن تجري فقط في مجالس الخاصة والخلفاء وإنما كانت تجري في مساجد الأمة التي كانت بمعنى إضافي نوادي يؤمها الجميع.

 

ومقدمتنا هذه ليست إضافية بل هي ضرورية للتأكيد على  قيمة إنسانية لحضارتنا في تاريخ الأفكار الريادة والسبق فيها. ومنذ أن اعتلى بلال الحبشي ظهر الكعبة للآذان أو منذ أن قال الرسول لأبي ذر ،لأنه قال لبلال يا بن السوداء، إنك امرؤ فيك جاهلية.

يشهد تاريخ الحضارة، أن ما نسميه الحضارة الإسلامية كان مظلة شارك في نسجها جميع أبناء المجتمع  لتظلل بنفس الحجم الجميع. وعندما تعود إلى كتب التراجم العلمية قلما تعرف، إن لم تدقق، حقيقة مذهب ابن سينا او الفارابي أو الحسن بن الهيثم أو المتنبي وأبي تمام والبحتري أو سيف الدولة أو ...

ما يجري الآن بين  ظهراني أمتنا يؤكد أن هذه الأمة قد أصابها شر كبير، وأنتِ كيفما تلفّتِ تقرئين فتاوى التكفير والتهجير وتسمعين أخبار القتل والنفي والتشريد...!! أين غابت عن هذه الأمة روح عمربن الخطاب يوم قيل له إن في العراق أصحاب دين اسمهم المجوس، ولا نريد أن نتحدث عن وثنية دين المجوس، فقال سنوا فيهم سنة أهل الكتاب بسياسة الاحتواء والاشتمال والتعايش تحت شعار (أن تبروهم وتقسطوا إليهم..)

هذه الروحية العامة التي تقوم أساسا على قبول الشراكة  والإقرار بتباين الأذواق، وتفاوت المدارك، وتعدد الحق الاعتباري، وتوزع الصواب، والقبول من الناس ما يلينا منهم، وأن الدين شطر منه للخالق كل يعمل فيه على شاكلته، وشطر منه للخلق يقوم على صدق الحديث وحسن المعاملة ..( الدين المعاملة ) وأن هدف إقامة الدين نفي الإكراه والفتنة عن حياة الناس..

للعودة إلى حقيقة  قبول الآخر بمستوياته الحضارية والاجتماعية  والثقافية تبدئين فيما نحن فيه مع طفلك أو طفلتك.. لتعززي فيهما الثقة بالذات فتخبرين أحدهما أنه جميل الصورة او حسن الوجه أو حلو العينين إخبار لا يجوز أن يكون أبدا على حساب الآخر، فما أكثر ما تدفعنا لحظة استرضاء لغرور طفل يظهر شيئا من العناد بالقول أنتَ أو أنتِ أو شعركَِ أو ثوبكَِ او لعبتكَِ أجمل أو أكبر أو أفضل من التي لأخيك أو أختك أو ابن الجيران.. على الطفل أن يعرف أولا وأن يتعود الإقرار ثانيا أنه ليس الوحيد في هذا العالم، وأنه يمكن أن يكون هو وأخوه او أخته أو ابن عمه أو ابن الجيران أيضا أو رفيقه في الروضة جميلين...

عليه  أن يتعلم أولا وأن يقرا ثانيا أن الجمال ليس شيئا يمكن امتلاكه  كما يمتلك قطعة الحلوى التي يحصل عليها. ركزي على أن الجمال والذوق والذكاء حقائق مشتركة لا تنقص ولا تنفد، وأنه إذا أخذ منها هو أو أخوه فإن أحدهما لا يأخذ من حصة الآخر كما في حصته من قطعة الكعك أو الحلوى..

وفي الطريق عليكِ  أن تنتبهي سيدتي إلى الفروق التربوية الأكثر حساسية بين الولد والبنت، تربية هي الأخرى لها قواعدها الأكثر الأهمية والتي أهم ما فيها ألا تُشعري الفتاة أن الأنوثة دونية، شددي على الإشادة بقيم الرجولة للصبي التي تعني القوة والصبر والاحتمال، وبقيم الأنوثة للفتاة والتي تعني اللطف والحنان والتضحية، وقربي لهما المثال: الرجولة في صورة الأب والأنوثة في صورتك وكل واحد منكما عنده وعندها ملك الكون.

ومن الأجمل والأحسن والأطيب.. سنتدرج بالطفل إلى التمييز بين المادي الرقمي وبين المعنوي القيمي. أخطر شيء يستقر في عقل الطفل أن يعتقد أن جميع القضايا المعنوية والمادية بتعلقهما بالخطأ والصواب هي في مستوى الحقيقة الرياضية: الواحد زائد واحد. معادلة خطيرة إن استقرت ستكرس في ذهنه أن العالم لا يتسع إلا لحقيقة واحدة هي ما يعتقده، وأنها لا تتمثل إلا في شخص واحد هو هو...

في الطريق إلى  تقرير حقيقة تعدد الصواب استعيني كمدخل تعليمي بتفاوت الأذواق الحسية لتشرحي له كيف يمكن أن تتعدد الحقائق في آن.. كأس الشاي هذا مناسب بالنسبة إليه ولكنه كثير الحلاوة بالنسبة إليكِ، وكلاكما على حق. وقطعة الحلوى لذيذة بالنسبة إليه ولكنها ليست كذلك بالنسبة إلى أخيه أو أخته، وأن كلاهما معه حق.

وأن رفيقته في روضة الأطفال  التي لا يروق له شكلها جميلة جدا، كما ترينها أنت أو يراها زميل له آخر ولكنه لا يدرك سر جمالها الذي يدركه الآخرون...

وهكذا ننتقل بالطفل كلما تقدمت به السن إلى حقيقة أن هذا العالم أكبر من أن يكون له وحده، وأنه أكبر من أن تنظر إليه عيناه وحده أو أن تصغي إليه أذناه وحده، أو أن يشتمل عليه عقل أو قلب إنسان واحد فقط...

العالم كبير والله  الذي خلق هذه الأرض خلق عليها  النمل والنحل  وما يزحف وما  يدب وما يطير ..

طفلك قبل سن التمييز  قابل للانطباع أكثر من قبوله للتلقين  انتبهي لهذه الحقيقة وتعاملي معه  على هذا الأساس.

JoomShaper