الرابطة الأهلية لنساء سورية
ترددنا منذ أسبوع في نشر المقاربة التي اقتبسناها عن السيدة نعمت البرزنجي تحت عنوان تعريف الذات كأصل لتحقيق العدالة بين الجنسين - نعمت برازنجي راجعي دراسات وأبحاث على موقعنا. أعجبتنا في هذه المقاربة أمور منها حديثها عن التجربة، ومنها كون التجربة سورية، ومنها أننا أنفسنا نقوم بنفس الجهد من حيث محاولة إعادة الفهم انطلاقاً من النصوص الشرعية، وإعادة تنزيلها على الواقع..
في ورشة عمل حول المقاربة رفضنا بل أكثرنا مصطلحين فيها يترددان عند الحديث عن المرأة: مصطلح (تحرير المرأة) ومصطلح (العقلية الذكورية).
أما أسباب رفض أكثرنا، لهذين المصطلحين فمتعددة. وبعد المداولة رأينا ـ أكثرنا ـ ً أن نشر هذه المقاربة مفيد لنا، مفيد للرأي العام، وللرأي العام النسائي بشكل خاص.
علقنا بين يدي النشر بكلمتين تجربة للاقتباس وأفكار للحوار.
أما الكلمة الأولى، فإننا نرى في تجربة اجتماع عدد من النساء لتدارس النصوص التي تتحدث عن المرأة في الكتاب والسنة أمرا مهما. وأن نعود في أمر هذه النصوص إلى كل ما قال العلماء الأثبات والأئمة الأعلام.
نعتبر التجربة خطوة منهجية جديرة بالاقتباس. في إطار مجموعة العشرة التي تحدثنا عنها في موطن سابق. نعيد التأمل في نصوص الشريعة المتعلقة بالمرأة، مستصحبين معنا مناهج الأصوليين وقواعدهم.
مؤكدين على ضرورة أن تكون رؤية كل عالم أو إمام مصباحاً معيناً على الفهم، كلام مهم وليس ملزماً هذا ما أعلنا عنه من قبل.
نعتقد أن كل بشر طاف بالنصوص الشرعية إنما فعل ذلك بمعطيات عصره. وأنه تحدث بكلام (زماني) عن نص غير زماني. والزمانية تعني البيئة العامة وظروفها التي عاش فيها كل إمام. ومنها بشريته وما فيها من سمو وقوة ومن ضعف وقصور.
تجربة السيدة نعمت البرزنجي، أو تجربة ورشة العمل التي تحدثت عنها متميزة. وهي صورة أخرى لأنشطة رابطتنا حتى الآن. المتابعة العلمية، والاطلاع الثقافي، مقرونين بالمعطيات الواقعية في سلوكيات المجتمع بل المجتمعات، ومقررات المنظمات. وإدماج كل ذلك يصنع خبرة جيدة في التقدم على السبيل القويم.
ليس علينا أن نعتقد أن كل ما عندنا من عوائد حسن وجميل وليس كذلك كل ما عند الآخرين. نعتقد أن على المرأة السورية والعربية أن تدرك جيداً موضع قدميها.
أما قولنا أفكار للحوار.. في تلك المقاربة فقد نوهنا في هذه الكلمة أن بعض المقررات في مقاربة السيدة البرزنجي قابلة للنظر والتأمل وإعادة الاعتبار.
الحديث عن (تحرير المرأة) كعنوان غير مقبول عند أكثرنا لأسباب سنعود إليها في مقام آخر.
وكذا الحديث عن (العقلية الذكورية)، الي يكررها الكثيرون، ويتمترسون وراءها في رمي مجتمعات الشرق والغرب بالنقائص والانحراف، فقد كان غير مقبول عند أكثرنا أيضاً.
ومرد عدم القبول لأسباب منها أولاً أننا لا نقبل، بل نرفض، هذه القسمة الشاقولية للمجتمع إلى ذكور وإناث. والعنوان الذي أصررنا على إضافته لرابطتنا (نساء في خدمة السلم الاجتماعي) هو الذي يختصر أسباب الرفض هذه..
حين نصف اجتهادات دينية وشروحات ونظماً وأفكاراً بأنها زمانية، فإنه ليس لنا فيما نعتقد، أن ندين ما كان مقبولاً في زمان ما من منظور زمان آخر.
القيم المطلقة في جوهرها فقط هي التي ينبغي الحفاظ عليها. حين تراجع كل واحدة منا طريقة المعاملة التي تلقتها من أبيها وأخيها، و التي تتلقاها اليوم من زوجها تشعر بالإثم أن تضع الأب والأخ والزوج في شق وتقف هي في شق آخر. وبعضنا يصررن على القول إنهن يشعرن (بالخزي) أن يتحدثن عن عقلية ذكورية تلف آباءهن وإخوانهن وأزواجهن، بالمعنى الذي يستعمله بعض الدارسين والدارسات هنا وهناك.
في حوارنا حول الطريقة اللائقة من التعامل التي تلقيناها في أسرنا تؤكد معظمنا أنهن لم يشعرن في أسرهن بالتمييز بينهن وبين إخوتهن الذكور. ولم يشعرن بسلطة الأب المباشرة على أي نحو من الأنحاء.
تؤكد العديدات منا أن الأم كانت هي الأكثر مباشرة في استعمال السلطة، وإصدار التوجهات. لم تُمنع أي واحدة منا بعد المذاكرة بيننا من مباشرة أمر كانت تريد أن تباشره. معظمنا قررن بأنهن لاقين تشجيعاً على المبادرة عندما استشرن آباءهن وإخوانهن..
أعدنا، كمجموعة استشارية عاملة، النظر في موقعنا هذا على أساسين..
الأساس الأول هو أننا وضعنا مقدمة قلنا من خلالها إن والدينا قد نجحوا في مشروعهم بتربيتنا على النحو الذي يريدون لذا نحن نتقمص شخصياتهم، ننظر بعيونهم، نفكر بعقولهم، ونقبل ونرد على طريقتهم..
ماذا عندنا يكون مشروع الوالدين فاشلاً؟! هي يمكن أن يتحول الأب إلى شرطي، والأم إلى حارسة على باب سجن.
أعدنا النظر في كثير من المعطيات، مازلنا نرى أننا على خير كثير. حتى ونحن نكتشف أن الوالد أو الوالدة كانا مفرّطين أو متشددين في بعض المواقف، وحتى ونحن نراجع بعض ما اكتشفناه من خطأ في أساليبهم وأفكارهم. لم نزل نصر على عدم القبول بنبذ (الوالد) بكل ما قدمه من عطف ورحمة ودلال وإيثار بلقب (الذكر) ولا (الأخ) الذي أمضينا معه أحلى أيام الطفولة وأجمل أيام الشباب بهذا الوصف على سبيل الغمز واللمز، والاتهام بالتسلط أو الاستعلاء أو سلب الحقوق.
وإمعانا منا في دراسة النماذج الواقعية التي نمثلها رأينا بعض الاختلاف في العلاقة بين أخت كبرى وأخ صغير، وأخ أكبر وأخت أصغر وأخ بعد أربع بنات..
ومع ذلك لم تستطع أي واحدة منا أن تنبذ أباها أو أخاها بأنه كان (ذكراً)أي سلطويا أو أثيرا أو مستأثرا في تعامله معها أو تعاملها معه.
أما الأساس الثاني الذي أعدنا فيه النظر لمراجعة أسباب رفضنا لمصطلح (العقلية الذكورية) فهو الوسط الاجتماعي الذي جئنا منه.
فنحن نمثل مجموعة (مدينية) على الجملة. الخُمس منا فقط من بنات بلدات أو قرى. ولمعظمنا آباء جامعيون، وبعضنا فقط آباؤهم مهنيون. ننتمي على العموم إلى ما يسمى بالطبقة الوسطى.
من مدننا المختلفة، ومن البلدات والقوى، وبنات المتعلمين والحرفيين كلنا على العموم متفقات على عدم قبول مصطلح العقلية الذكورية في تحليل وتفسير سلوكيات المجتمع.
بعض المتحفظات فينا على موقفنا هذا، يقلن علينا أن نستمع إلى آراء الأخريات اللواتي يرددن هذا المصطلح ويتبنينه لنعرف منهن حقيقة العلاقة التي ربطتهن بآبائهن وإخوانهن أو التي تربطهن بأزواجهن اليوم. فلعل لديهم تجارب ووقائع تعطي هذا المصطلح معاذيره.
ويؤكدن أن في المجتمعات الكثير من حالات الألم الصارخ، والكثير من معاناة النساء من الرجال.
نجيب نحن الأكثر: ولكن الجنينة تبقى جنينة للورد على الرغم مما فيها من أشواك.
يقولون لنا العقلية الذكورية تعني أن الذكور الذين كانوا يسيطرون على الحياة العامة كانوا يوظفون القوانين والنظم والعوائد لمصلحتهم، ولكن ألم تكن المصالح متقاطعة بين الابن وأمه والزوج وزوجه. ينسون وينسين التطور التكنولوجي الذي سهل على المرأة أن تخرج للحياة وتزاحم، في زمن كان الكسب فيه يتم بنقل الصخر وصيد الوعل.