الرابطة الأهلية لنساء سورية

كثيرون وكثيرات يتحدثون ويتحدثن باسم المرأة السورية. كثيرون وكثيرات من رواد ورائدات الصالونات المخملية، أو من المهوسين والمهوسات بأجندات المرأة الأمريكية أو الأوربية، وإشكالات العيش أو العلاقة الاجتماعية في عالم غير عالمنا... كثير وكثيرات من هؤلاء وأولئك يملؤون ويملأن فراغ الشبكة العنكبوتية، وشاشات المحطات الفضائية، وصفحات المجلات والصحف والنشرات ضجيجاً على هموم موهومة تتراقص سمادير أمام أبصارهم أو تعشش خيالات في رؤوسهم ونفوسهم.

تعالوا أو تعالين نقارب الحقيقة والواقع لنتعرف أولاً على مشخصات النساء السوريات، من هن؟ وأين وكيف يعشن؟ وبماذا يؤمن ويحلمن؟ ومن خلال هذه المعرفة الإحصائية وإن كانت تقريبية؛ لنحاول أن نتلمس بعض الهموم الواقعية أو الأولويات الأساسية التي تشغل بال المرأة السورية في البادية والريف والمدينة. لنبحث وراء امرأة الواقع ولننس نساء الصالونات التي تنتمي لغير عالمنا في أحاديثها وهمومها..

نمضي مع مقولة المرأة نصف المجتمع، نقر بهذه المقولة عل مستوى (الإحصاء الرقمي) على الأقل، وإن كان هناك من يجادل في هذه المقولة حتى في ديار الغرب نفسه حيث لا تشغل المرأة في حضورها السياسي والاقتصادي والإداري

10% من المجتمع في تلك الديار.

 

نعود إلى مقولة المرأة نصف المجتمع. ونعود إلى الإحصاءات السكانية في قطرنا العربي السورية التي تؤكد لنا أيضاً أن أبناء وبنات الريف يشكلون نصف سكان سورية أيضاًَ..

دعونا نعيد التصور، إن نصف نساء سورية على هذا الأساس هن أولئك الجدات والأمهات والأخوات والبنات وبنات العم والخال اللواتي يملأن الريف السوري من سهول حوران في أقصى الجنوب إلى سهول الجزيرة العليا في أقصى الشمال.

ودعونا نعيد التصور مرة أخرى لنتساءل عن الهموم الحقيقية التي تملأ حياة هؤلاء النسوة مع ما يتمتعن به من كرم وشرف وإباء وحياء..

من أين تبدأ هموم ابنة الريف تلك وأين تنتهي، وهي التي ماتزال تعيش هموم زير الماء، ومصباح الكيروسين، يتهددها غول الأمية، والالتحاق المبكر كعاملة في الحقل في أرض أبيها أو حميها.

من أين تبدأ هموم ابنة الريف تلك وهي التي ما تزال أسيرة زواج الشغار أو المقايضة أو فقدان الخيار في الزواج أصلا أو في التعليم إن وجدته أو الحرمان من حقها في الإرث ...

من أين تبدأ مشكلات المرأة تلك وهي ما تزال تحمل وتضع كما عشب الأرض، من غير رعاية صحية، ولا متابعة لحصاد جسدها الطاهر، الذي تقرنه بحصاد أرضها..

التصورات الواقعية لمشكلات المرأة تلك، والسعي إلى طرح الحلول لها، ربما يكون أكثر أهمية وواقعية من الحديث عن مشكلات نساء الأجندات التي تفوح منها ريح الدعوات المنتنة في سياقاتها المعولمة التي لا تمت إلى واقع المرأة تلك بصلة.

خطوة أخرى إلى الأمام في البحث عن مشخصات المرأة السورية، سنجد أنفسنا أمام وجود نُسوي آخر من أمهات وبنات سورية يشكلن هن أيضا حضوراً عددياً كبيراً في مجتمعنا السوري..

النساء قعيدات البيوت تحت عنوان ربة بيت. عنوان جميل وشفاف، ولكن أليس من واجب المشتغلات في ترشيد واقع المرأة أن يحجزن حجرة تحت هذا العنوان الوارف، ليقدمن إلى ربة البيت هذه، وهي تمثل نسبة متقدمة في نساء الحضر، حصة إنجاز وإنتاج غير الجلوس أمام شاشات التلفاز، أو قضاء الوقت في الحديث المطاط على الهاتف اللزج مع الصاحبات والصديقات.

لدى ربات البيوت الكثير من الوقت الذي يمكن استغلاله وتوظيفه، فهل بوسعنا بخطوات عملية أن نقدم مبادرات مبرمجة ومحدودة تملأ حيز الفراغ بالنافع المفيد على المستويين الفردي والجماعي.

ربما يضحك البعض وهو يظن أنه يقود ثورة حين يطالب بإلغاء، مهمة ربة البيت، وهي في تصورنا مهمة أساسية في وجود المرأة وفي دورها الوظيفي الحقيقي الذي خلقت من أجله، ولكننا نؤمن في الوقت نفسه أن التطور التقني في إدارة البيت قد وفر للمرأة الكثير من الوقت القابل للتوظيف في الإنجاز...

والشريحة الثالثة الكبرى في عالم الرقم للمرأة السورية المرأة العاملة في القطاعين العام والخاص، المرأة العاملة في المصنع أو في الدائرة أو في المكتب، ولنقل بطريقة أدق/الأم العاملة/ لدى إحدى الجهات تلك. هذه العاملة الأم أو الأم العاملة لها هي الأخرى مشكلاتها، وتحتاج هي الأخرى إلى حزمة من النظم والقوانين والمبادرات لتمكينها من المواءمة بين المهمتين الجليلتين اللتين تقوم بهما في وقت معاً. وهذه العاملة الأم هي الأخرى بحاجة إلى المزيد من الاقتراحات العملية التي تعينها على تصويب أوضاعها اليومية. ليس من الصواب وليس من الحكمة استصغار أو الاستهانة بأحد الدورين على حساب الآخر. وعلى المهتمات بشأن المرأة السورية أن يجدن الأساليب الأفضل لتمكين هذه المرأة من حياة أفضل وأهنأ وهذا أفضل لهن من المضمضة بالحديث البوهيمي عن الجنس الاجتماعي أو وهم الجندر الغامض حتى في أذهان اللواتي يتمضمضن به ...

للذين واللواتي يكتبون ويكتبن عن امرأة قائمة في فراغ أذهانهم، أو للذين يكتبون واللواتي يكتبن عن امرأة في مسلسل تلفزيوني افترضه خيال كاتب كليل، أو للذين يكتبون واللواتي يكتبن عن امرأة وهمية استوردوا أنموذجها أو مشكلاتها من عوالم ( مدام بوفاري) في حمأتها اللزجة ؛ نقول لكل هؤلاء لا تتحدثوا عن المرأة السورية حتى تعيشوا حياة هذه المرأة في البادية والقرية في المصنع والدائرة وفي البيت.. توقفوا عن مسخ المرأة السورية، وعن تقزيم قضاياها...

وإن أصررتم على حديث من عالم الآخرين فليكن في حديث جان دارك ومدام كوري لكم غنى...

JoomShaper