الرابطة الأهلية لنساء سورية
مازلتِ تطالعين الوجوه الكسيفة في برامج العاملين والعاملات على الأجندة النسوية المعولمة التي تسعى جهدها للذهاب ببهاء الأنوثة وجلالها، غض الطرف، وجمالها..
تطالعين في عناوين تلك الأجندة، وفي مفرداتها، وعلى وجوه القائمين والقائمات عليها، ظلال قوله تعالى (وإذا بُشر أحدهم بالأنثى، ظل وجهه مسوداً وهو كظيم. يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب..!! ألا ساء ما يحكمون)..
نعم ساء ما يحكمون..
هؤلاء الذين مازالوا يعيشون الحالة نفسها، الحالة التي تسيطر على عقولهم الظاهرة والباطنة، وتملأ مساحات نفوسهم المشغولة دائماً بالاستعلاء والأثرة والرغبة..
وبعد خمسة عشر قرناً هي عمر دعوة الإسلام، التي أكدت المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، في اعتبار (الإنسانية) الكاملة، ماتزال الأنثى في عقول أبناء الجاهلية وقلوبهم هي المخلوق الذي يجب أن يحوَّر أو يطوَّر أو يسلخ من أنوثته.
كان هناك، في الجاهلية الأولى، أعرابي بسيط يحكمه واقع صعب بئيس، وقوانين اجتماعية ضاغطة، يقدم على فعلته تلك، يقول لزوجه جهزي ابنتك لأرسلها إلى أحمائها، لتتم الفعلة الشنيعة (.. بأي ذنب قُتلت؟!!)
نبدأ حديثنا في هذا المقام عن سلوك سدس سكان العالم في ظل قانون (المولود الواحد) في الصين، وما أفرزه من إحصاءات العدوان على الأنثى، إحصاءات الوأد الظاهر التي تواطأ (العالم الحر!!) على السكوت عليها، والتي لم يحفل بها أحد حتى الآن من مجندي ومجندات الأجندة المعولمة، لأن ذلك القانون يخدم مآربهم، ولا بأس في سبيل تحقيقها بقليل أو كثير من القتل.
نتوقف هنا عند حالات من الوأد شبه الجماعي ينغمس فيه مجتمع بحجم سدس سكان العالم في القرن الحادي والعشرين، نقدر أن الجريمة (العالمية) تلك أولى بالمبادرة من هذه الأجناد المجندة لاستنهاض الهمم لوقفها، ولو بإسقاط قانون (المولود الواحد). هذه الأجناد المجندة التي تتحرك عبر خيط من الحرير عبر أفغانستان والباكستان وإيران وتركية والعراق وسورية والأردن ومصر لاستمرار التنديد بما يسمونه قانون العذر المحل أو المخفف في حوادث القتل (دفاعاً عن الشرف..)
نتابع في الحديث عن عمليات الوأد الفردي للأنثى في صورته الجاهلية الأولى (.. أم يدسه في التراب) للحديث عن صور أكثر حداثة: السبق إلى اكتشاف جنس الجنين، وما يتبعه من عمليات إجهاض أكثر أماناً ونظافة وتطوراً..
حالة أخرى لا نكاد نسمع حولها ضجيجاً ولا همساً، حالة تهدد أصل الأمومة في العالم، وهي تدب دبيباً غير خفي إلى مجتمعاتنا التي ماتزال تعيش في بعض جوانبها المعتمة الجاهلية الأولى..
بل إن بعض القائمين والقائمات على الأجندة الدولية المعولمة، مازالوا يناضلون لاعتبار قتل الجنين ( الإجهاض) حقاً من حقوق الإنسان يجب أن تكفله الشرائع والأنظمة والحكومات والشعوب. على ذلك البريء، تغتاله إرادة أمه ويد بقفاز أبيض، لا تذرف الدموع، ولا ترتفع الأصوات كما ترتفع دفاعاً عن الإثم في شخص ضحية، وليس دفاعاً عن الضحية نفسها..
وأد الأنثى..
مايزال قانوناً محمياً، بقواعد الحرية الفردية الذي ينهض للدفاع عنها مدفوعو الأجر المسبق ومدفوعاته...
تجارة الرقيق الأبيض، التي أصبحت مهنة قانونية تمارس تحت عنوان الحرية الفردية، حيث تستغل الظروف النفسية أو العقلية أو المادية لأنثى، يزعمون أنهم يعتبرون (إرادتها الحرة!!) ليتاجروا بجسدها بطرائق تترفع لغة بني البشر عن وصفها. وأد حقيقي للإنسانية في الإنسان يتم مع الأسف تحت سمع العالم وبصره، يتم باسم الحرية!! وتحميه منظومة القوانين المعولمة، ومقررات المؤتمرات الدولية، وتدافع عنه حزمة من الرجال والنساء المفتونين والمفتونات يمتدون على تقاطعات خطوط الطول و خطوط العرض في هذا العالم. لم نسمع من أحد من المتفرغين للدفاع عن نساء المغرب أو مصر أو حتى نساء سورية من يفتح ملفه أو يتحدث عنه..!!
نتحدث هنا عن الوأد النفسي، الذي يتم تحت عنوان يسمى (الإرادة الحرة) لإنسان فاقد الإرادة ابتداء أو فاقد الأهلية انتهاء.
أما الشطر الآخر من تجارة الرقيق الأبيض، الشطر الذي يقوم على اختطاف الأطفال من بنين وبنات من مواطن العُدم والفقر، ومن مخلفات الحروب والمجاعات ومن عوالم اللجوء والتشرد، ثم نزع الإنسانية من دواخل هذه الأعداد الكبيرة من أبناء الطفولة المعذبة.. فذاك أمر من المسكوت عنه في أجندات العاملين والعاملات على محور الأنثى المعولمة التي يراد لها أن تكون (طُعماً) حياً في لعبة الرغبة- الإشباع
خطوة رابعة أو خامسة على طريق رصد ظواهر الوأد في سياق سياسات العولمة، ستصطدم عيناكِ أو قدماكِ عند كل خطوة تخطينها في شارع معولم على ظهر هذه المسكونة بجسد أنثى موؤودة قد التطعت على رصيف تعرض إنسانيتها سلعة لمن يرغب. أو بصورة لأخرى قد علقت فوق شجرة عنوانا على سلعة قد تكون عند أصحابها أغلى من إنسانية أنثى!!
جسد المرأة الحي الميت أو ظله المرقوم على السلع يصبح في ثقافة الغولمة أو العولمة إذ لا فرق، يصبح سلعة ومادة إعلامية تستخدم للترويج لكل شيء. سياسات الترويج والتسويق تعتبر جسد هذا المخلوق الذي ابتذلته حضارة السوق، ووأده قانون السوق أيما ابتذال. جسد المرأة الإنسان المكرم، رغم أنوفهم وأنوفهن، أصبح مادة للإثارة والابتزاز وجسرا للعبور إلى رغبة المشتري وجيبه على السواء.
إن استخدام جسد المرأة كمادة ترويج إعلاني له دلالتان؛ الأولى هي تلك التي أشرنا إليها من امتهان الكرامة، ووأد الإنسانية. والثانية هي الإقرار غير المباشر أن المخاطب بهذه الإعلانات هو (سيد المجتمع)، هو (الذكر) الذي ينفعل بالجسد المؤود، الذكر الذي يعترف صانعو الإعلانات أنه هو وحده الذي يمتلك ( الرغبة ) و(القدرة).
عمليا يسقط صانعو الإعلانات المزينة بجسد امرأة مكشوف بطريقة مهينة من حسابهم جماهير النساء اللواتي لا تستثيرهن هذه الصور، إن لم نقل إنها تستفزهن سلبيا.
تقول إحداهن: كنت بحاجة إلى السلعة، وامتنعت عن شرائها للصورة المهينة التي كانت عليها.
وتقول أخرى: اضطررت لتمزيق الغلاف لأتخلص من الصورة بعد حصولي على السلعة مباشرة. ربما ما يزال في العالم شعوب كثيرة تمتلك قدرا من الحياء.
وأد الأنثى بصوره وأشكاله وإحصاءاته يشكل واقعا مؤلما وخطيرا تدير الأجندة المعولمة ومجندوها الظهر له، أما وأد الأنوثة فتدير تلك الأجندة وجنودها رحاه.
يتبع