هي صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي، أبوها عبد المطلب بن هاشم سيد قريش بلا منازع في أيامه، وأمها هالة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب.
وهي عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وشقيقة أسد الله حمزة بن عبد المطلب، وأم حواري النبي الزبير بن العوام.
ولدت في عام 570 ميلاديا، أي قبل الهجرة بثلاث وخمسين عاما، توفي والدها وهي طفلة بعمر التسع سنين، فكفلها أحد إخوانها، والمرجح أنه أبو طالب.
زواج مبارك
نشأت صفية وترعرعت كباقي بنات عبد المطلب الهاشميات، ولما بلغت مبلغ النساء في الجاهلية تزوجها الحارث بن حرب بن أمية أخو أبو سفيان بن حرب، ولما مات عنها تزوجها العوام بن خويلد، فولدت له الزبير والسائب وعبد الكعبة.
إسلام وهجرة
أسلمت مع ولدها الزبير وأخيها حمزة، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وهاجرت إلى المدينة، وكانت من أوائل المهاجرات، ولم يختلف في إسلامها كما اختلف في إسلام غيرها من عمات الرسول.
اختصاص بالذكر
لما نزل قول الله تعالى وأنزل عشيرتك الأقربين، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ينادي في قريش، فكان ممن خصهم بالذكر صفية بنت عبد المطلب، حيث قال: "يا معشرَ قريشٍ، أو كلمةً نحوها، اشتروا أنفسَكم، لا أُغْنِي عنكم مِن اللهِ شيئًا، يا بني عبدِ منافٍ، لا أُغْنِي عنكم مِن اللهِ شيئًا، يا عباسُ ابنُ عبدِ المطلبِ، لاأُغْنِي عنك مِن اللهِ شيئًا، ويا صفيةُ عمةَ رسولِ اللهِ، لا أُغْنِي عنكِ مِن اللهِ شيئًا، ويا فاطمةُ بنتَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، سَلِيني ما شِئْتِ مِن مالي، لا أُغْنِي عنك مِن اللهِ شيئًا". (رواه البخاري).
شجاعة امرأة
عندما خرج المسلمون لغزوة الخندق أمام الأحزاب، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بحماية النساء والضعفاء في أماكن آمنة داخل المدينة، وكان ذلك في (فارع) حصن حسان بن ثابت، وتحكي هي عما حدث في ذلك اليوم فتقول: وكان حسان معنا في الحصن مع النساء والصبيان، حيث خندق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمر بنا رجل يهودي فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم أن أتانا آت.
فقلت: يا حسان، إن هذا اليهودي يطوف بالحصن كما ترى، ولا أمنه أن يدل على عوراتنا من وراءنا من يهود، فانزل إليه فاقتله، فقال: يغفر الله لك يا ابنة عبد المطلب! والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا!
قالت صفية: فلما قال ذلك، ولم أر عنده شيئا، احتجزت وأخذت عمودا ونزلت من الحصن إليه، فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن فقلت: يا حسان، انزل فاسلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل، فقال: ما لي بسلبه حاجة يا ابنة عبد المطلب. فكانت بذلك أول امرأة قتلت رجلا من المشركين.
صبر واحتساب
كانت صفية صابرة محتسبة، راضية بقضاء الله، ترى كل المصائب هينة مهما عظمت ما دامتْ في سبيل الله، وتجلى ذلك في صبرها على مقتل أخيها حمزة، كما روى ذلك بن إسحاق حيث قال: وأقبلت فيما بلغني صفية بنت عبد المطّلب لتنظر إلى حمزة، وكان أخاها لأبيها وأُمّها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير بن العوّام: القها فارجعها لا ترى ما بأخيها.
فلقيها الزبير فقال لها: يا أُمّه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي، فقالت: ولِمَ وقد بلغني أنه مُثّل بأخي، وذلك في الله قليل، فما أرضانا بما كان من ذلك، لأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله، فلما جاء الزبير رسول الله فأخبره بذلك، قال: خل سبيلها. فأتته فنظرت إليه، وصلت عليه، واسترجعت، واستغفرت له.
شعر وفصاحة
وكانت صفية شاعرة فصيحة، فقد رثت أخيها حمزة عند وفاته، ومن هذا الرثاء:
أسائلة أصحاب أحد مخافة *** بنات أبي من أعجـم وخـبير
فقال الخبير إن حمزة قد ثوى *** وزير رسول الله خيـر وزير
دعاه إله الحق ذو العرش دعوة *** إلى جنة يحيا بهـا وسـرور
فذلك ما كنا نرجي ونرتجي *** لحمزة يوم الحشر خيـر مصير
وكذلك رثت النبي صلى الله عليه وسلم عند انتقاله للرفيق الأعلى، فكان مما قالت:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا *** وكنت بنا بَرًّا ولم تك جافيا
وكنت رحيمًا هاديًا معلمًا *** ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكى النبي لفقده *** ولكن لما أخشى من الهرج آتيا
كأن على قلبي لذكر محمد *** وما خفت من بعد النبي المكاويا
إلى الرفيق الأعلى
عاشت في المدينة حتى توفيت سنة عشرين هجرية (640 م) في خلافة عمر بن الخطاب، ولها من العمر ثلاث وسبعون سنة، ودفنت في مدافن أهل المدينة بالبقيع.