عبد العزيز بكر
البشر أفراد وجماعات يتشابهون في الأفعال والصفات عبر التاريخ. فالتاريخ جملة واحدة، ترتكز على الصراع بين الحق والباطل، لا يتغير جوهرها من جيل إلى جيل، ولا من زمن إلى زمن، وحدها الوجوه والأشكال هي المتغيرة. فمرة يزول الباطل ويعلو الحق. ومرة تدب الحياة في أوصال الباطل. وهكذا تعاد الكرة حتى تنتهي الحياة!!
بين أيدينا صورة من صور الصراع بين الحق والباطل، ممثلة في صحابية شريفة عاشت في زمانها عمرا قصيرا، لكن فصول التاريخ حملتها إلينا ملهمة دائمة للمرأة المسلمة في كل زمان ومكان، ومثالا ناصعا على الانتصار بالله، والاعتزاز بالانتساب إلى دينه، تهون عليها الحياة ولا يهون دينها.
إنها السيدة سمية بنت خياط رضي الله عنها. تلك الصحابية الجليلة، وأول شهيدة في الإسلام؛ زوجة الصحابي ياسر بن عامر وأم الصحابي عمار بن ياسر. أسلمت في مكة، وكانت أحد السبعة الذين أظهروا إسلامهم فيها. وقتلها أبو جهل بطعنة بحربة في موطن العفة.
كانت السيدة سمية ممن بذلوا أرواحهم لإعلاء كلمة الله عز وجل، وهي من المبايعات الصابرات الخيرات اللاتي احتملن الأذى في ذات الله، وكانت من الأولين الذين دخلوا الإسلام، فهي سابع سبعة ممن اعتنقوا الإسلام بمكة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق وبلال وصهيب وخباب وعمار ابنها رضي الله عنهم.
ولسمية صورة مشرقة في البطولة، ووجه صلد على الهوان، وروح عظيمة لا تنكسر أمام الابتلاء والاضطهاد، حيث لم يكن لها أحد يمنعها أو يحميها من المشركين؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم، منعه عمه، وأبوبكر الصديق منعه قومه، أما هي والباقون فقد ذاقوا أصناف العذاب وألبسوا الدروع الحديدية وصهروا تحت لهيب الشمس الحارقة.

كانت السيدة سمية بنت خياط أمة لأبي حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، تزوجت من حليفه ياسر ابن عامر بن مالك بن كنانه بن قيس العنسي، وكان ياسر عربياً قحطانياً مذحجيًا من بني عنس، أتى إلى مكة هو وأخويه الحارث والمالك طلباً في أخيهما الرابع عبد الله، فرجع الحارث والمالك إلى اليمن وبقي هو في مكة.

حالف ياسر أبا حذيفة ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وتزوج من أمته سمية، وأنجب منها عماراً، فأعتقه أبوحذيفة، وظل ياسر وابنه عمار مع أبي حذيفة إلى أن مات، فلما جاء الإسلام أسلم ياسر وأخوه عبد الله وسمية وعمار.

حين أسلم آل ياسر عذبهم المشركون أشد العذاب من أجل اتخاذهم الإسلام ديناً، وصبروا على الأذى والحرمان الذي لاقوه من قومهم، فقد ملأ قلوبهم بنور الله- عز وجل- فعن عمار أن مشركي بنو خزامة عذبوه عذاباً شديداً، فاضطر عمار لإخفاء إيمانه عن المشركين وإظهار الكفر، وقد أنزلت آية في شأن عمار في قوله عز وجل: "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ.."النحل(106)،رواه الطبري في تفسيره، وورد في فقه السيرة للغزالي، وأعله الألباني في تخريجه بالإرسال.
وحينما يأتيه الرسول صلى الله عليه وسلم ويسأله: ما وراءك؟ فيقول عمار وهو يبكي: شر يا رسول الله! ما تُركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير!. فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: كيف تجد قلبك؟ قال: مطمئناً بالإيمان. قال: فإن عادوا لك فعد لهم"رواه الطبري في تفسيره، ونقله عنه ابن كثير وقال: رواه البيهقي بأبسط من ذلك، وقال ابن حجر: مرسل ورجاله ثقات.
ظلت سمية رضي الله عنها مع الفئة المؤمنة، يعذبون بالأبطح في رمضاء مكة، وكان رسول الله يمر بهم ويدعو الله -عزوجل- أن يجعل مثواهم الجنة، وأن يجزيهم خير الجزاء، وتبقى سمية تحت العذاب ومحاولات مستميتة لردها عن دينها، لكن رحمة الله بها أمكنت الإيمان من قلبها، فهانت روحها، ولم يهن دينها، وإذا بالفاجر أبي جهل يرميها بحربة في موطن عفتها، ولم يرحم ضعفها كإنسان، ولم يرحم ضعفها كامرأة، كما لم يرحم ضعفها ولا عجزها كامرأة مسنة لا تقوى على العذاب.

نالت سمية الشهادة بعد أن طعنها أبو جهل بحربته، لتكون أول شهيدة في الإسلام، لتكون سيرتها رسالة لبنات جنسها على مر الأيام والسنين، للشد على دينهن بكل ما يمكن، فلا يوجد أغلى من الدين.
لم تنته قصة سمية بموتها، فبقي الجزء الآخر المتعلق بقاتلها أبي جهل لعنه الله، الذي لقي جزاءه في غزوة بدر الكبرى، حين طعنه شبلا الإسلام معاذ بن الحارث، وأخوه معوذ بن الحارث، ولكنه لم يمت على أثر طعناتهما بسبب ضخامة جسده، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة على يد عبد الله بن مسعود رضي الله عنه الذي أجهز عليه.
هل ذكرتك سمية بحدث أو أحداث مشابهة في زماننا؟.. إن حملت لك سيرتها مشاهد وذكريات لأحداث تراها في الشاشات، فدعني أذكرك بمقولة النبي صلى الله عليه وسلم لعمار بن ياسر، بعد مقتل عدو الله أبي جهل: "قتل الله قاتل أمك ياعمار"رواه ابن سعد، ووصف ابن حجر سنده بالصحيح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:
ـ موسوعة ويكيبديا
ـ قصة الإسلام.
ـ مواقع انترنت

JoomShaper