امرأة من زمن آخر.. ليست فلاحة تصحو مبكرا للعمل بالحقل فيتغنى بنشاطها بقية المزارعين، بل هي مهندسة زراعية يحبها أهالي 74 قرية فلسطينية؛ فقد غيرت حياتهم بعطائها وتميزها، ونجحت على مدار 9 سنوات في تحويل العمل النسائي في قرى الضفة الغربية من عمل غير منظم إلى عمل يتم من خلال جمعيات نسائية تعاونية أو خيرية؛ وذلك تحقيقا لحلمها الرئيسي وهو تحسين أوضاع النساء في الريف، وجعل المرأة قوة اقتصادية مستقلة، مسئولة عن علم ودراية عن مشروع مدر للدخل بجوار بيتها وأبنائها.

هي "نبيلة الطيبي".. تعمل كرئيس قسم التنمية الريفية في مديرية رام الله والبيرة، وتشرف من خلال عملها على الزراعة في 74 قرية، وطموحها الأكبر أن تكون فلسطين مكتفية ذاتيا.

لم تكن يوما امرأة شعارات.. فوجود 18 من القيادات النسائية النشطة في الضفة الغربية بدأن معها من الصفر ليصبحن بفضلها من الأوائل في هذا المجال خير دليل على ذلك.

 

فتش عن المرأة

سعت بكل جد ونشاط لتثبت للمرأة الفلسطينية أنها في حاجة فقط للقناعة بأنها قادرة على الوصول لما تريده بالعمل والإنتاج، انطلاقا من إيمانها بأن الفلسطيني يجب ألا يعتمد على المساعدة المادية الخارجية؛ فأرضه موجودة وتحتاج فقط لمجهوده.

استطاعت نبيلة الطيبي بهذه القناعة من إشراك 1000 أسرة في مشروعها، موزعة في قرى الضفة الغربية، وقد أصبحوا الآن يمتلكون مشاريع زراعية مدرة للدخل في مجالات زراعية وحيوانية وصناعية، وركزت في خدماتها على الفئات الاجتماعية المعزولة كأمهات الشهداء والأرامل والمطلقات.

تقول: كثير من الظروف الاجتماعية تجعل النساء جثثا متحركة داخل البيوت، وهذا مؤلم للغاية؛ وهو ما دفعني للتوجه لهذه الشرائح من النساء بكل عزم وتصميم لدمجهن في المجموعات المشاركة، والآن أصبحت كل واحدة منهن مسئولة عن مشروع خاص بها.

وتتابع: لم يكن الأمر سهلا في الوصول لتلك النتيجة؛ ففي الدعوات الأولى لحضور ورش العمل للتوعية والتأهيل لم تلب أي من النسوة الدعوة، وقد أصابني ذلك بإحباط شديد في البداية، لكني لم أيأس، وقررت البحث عن سياسة تتجاوب مع عادات الريف المحافظ؛ ففكرت في دعوة الأزواج وأولياء الأمور بصحبة نسائهم.. وتدريجيا بدأ الرجال يشعرون بالتغيير الإيجابي الذي أصاب النساء، فبدءوا في حثهم على الذهاب والمشاركة، حتى إن بعضهن أصبحن من البارزات في المجتمع وكن في البداية يستحين من مجرد الكلام، وهو ما يثبت أن المرأة حين تجد من يرعاها ويحترمها فعطاؤها أكثر من عطاء أي إنسان آخر.

عطاء لا تمنعه ظروف

في قرى الضفة الغربية تتجول نبيلة الطيبي لتبحث عن حاجة لتلبيها لصاحبتها، أو تأخذ بيد محبطة لتصبح منتجة ومتميزة، لم يرضها أن يكون المجهود الحكومي منصبا على قرى دون غيرها فانشغلت بتوزيع الخدمات الزراعية على الجميع دون استثناء.

وبالرغم من أن الكثير من العاملين في المجال الحكومي ينصب جل اهتمامهم في السخط على وضعهم الحكومي، حتى إنهم قد ينشغلون عن أداء أقل المهام بسبب عدم الرضا، وبالرغم من أنها لم تحصل على ترقية وبقيت في الدرجة الخامسة من الوظيفة لمدة ثمان سنوات؛ إلا أن عطاءها كان مميزا وخارج نطاق المطلوب منها؛ فلم تنقطع عن التواصل مع الفلاحين ومشاركتهم حصاد أراضيهم حتى وقت الإضرابات الحكومية التي حصلت في الضفة، فكانت تذهب على نفقتها الخاصة لمتابعة المشاريع الزراعية في تلك القرى، خاصة مشروع "زراعة الفطر" أحد أهم المشاريع التي قامت على تنفيذها كمشروع صديق للبيئة يعيل الكثير من الأسر الفلسطينية، ويحقق فوائد اقتصادية متعددة.

تقول نبيلة الطيبي إن أكثر ما تكرهه بقاء الفلسطينيين معتمدين على المساعدات الخارجية، وتؤكد أنه من السهل أن تكون فلسطين لديها اكتفاء ذاتي في كافة المنتجات الزراعية، وترى في الاعتداءات الإسرائيلية بعض الإيجابيات، أهمها أنها دفعت المزارع الفلسطيني للعودة لأرضه.. ودللت على ذلك بعودة العمال الفلسطينيين إلى أراضيهم بعد أن تركوها للعمل بأجر عال داخل إسرائيل، وأن جدار الفصل العنصري الذي نهب الأرض دفع الكثيرين للإسراع باستثمار أراضيهم القريبة من الجدار حماية لها من هذه الاعتداءات.

في البيت.. نعم الأم

وإذا كانت معظم النساء العاملات يجتهدن في الجمع بين النجاح في العمل والبيت، وتحاول الأمهات منهن في معركة متواصلة أن تعطي لكلا الدورين جل اهتمامها، لكن الأيام والظروف قد ترجح كفة الاهتمام بدور على الآخر.. فإن نبيلة الطيبي نجحت في أن تكون مثالية في كلا المكانين، ويشهد على ذلك حجم النجاح الذي حققته، أو بالأحرى الذي حققه أبناؤها؛ فهم دراسيا متفوقون لا يقل مجموعهم المئوي كل عام عن 98%، وهم متعاونون داخل المنزل لإنجاز أمورهم بشكل كبير.

تقول نبيلة الأم: "بالنسبة لي لم يكن العمل أو البيت يطغى على واجباتي في أي منهما بفضل الله، والتعاون والنظام داخل البيت"، وتؤكد على أن" النجاح في المنزل ينعكس على العمل، والعكس صحيح".

ولم تكتف نبيلة بهذه الأدوار فقد عملت كأخصائية اجتماعية ساعدت الكثير من الأسر التي كانت تحت خط الفقر، ووفرت لهم مساعدات من خلال التشبيك مع جمعيات معنية بأمرهم.

وما تزال الأمنيات كثيرة لامرأة حققت الكثير لمجتمعها، لكن يبقى جل ما تريد أي فلسطينية أن تعيش بوطن يسوده الاستقرار، وتلك أمنية رئيسية لنبيلة، أما على صعيد العمل فتقول: أتمنى أن نتوسع في الخدمات الريفية، والعمل في المشاريع الصغيرة، وتكوين قيادات شابة، وأن تتوجه جميع المؤسسات للعمل والتوعية في جميع المجالات الخاصة بتنمية الإنسان الفلسطيني".


ميرفت عوف

 

JoomShaper