HTML clipboard

د. سعدي غزاي عمران (فالح الربيعي)

عائشة تیمور ( 1840-1902م)[1]

هي عائشة عصمت بنت إسماعيل باشا تيمور بن محمد كاشف تيمور.  ولدت السيدة عائشة سنة  1840م لوالدة شركسية الأصل ،أما والدها فقد كان وكيل دائرة محمد توفيق باشا ولي عهد الخديوية المصرية. وهي من عائلة علم، فقد كانت عائشة أختاً للمرحوم العلامة المحقق أحمد تيمور باشا، إلا أنه كان من أم أخرى .

تزوجت عائشة بكاتب ديوان ( همايون ) سابقاً السيد الشريف محمود بك الإسلامبولي ابن السيد عبدالله أفندي الإسلامبولي سنة1854م. وبعد زواجها اقتصرت على المطالعة والإنشاد وتفرغت لأعمال المنزل. أنجبت عائشة بنتین وولداً، أسمت الكبرى منهما بـ ” توحيدة ” أما ولدها فقد أسمته بـ”محمود بك”.

أحسنت عائشة تربية ابنتيها وولدها، فقد أوكلت إلى ابنتها الكبرى ” توحيدة” مهام المنزل حتى باتت مدبرته. ولكنها توفيت وهي لم تبلغ بعد من العمر 18عاماً، فحل بعائشة حزن وأسى ثقيلان على فقدانها ابنتها، وتركت العروض والعلوم وأمضت سبعة أعوام متواصلة ترثي ابنتها إلى أن أصاب عينيها الرمد. ولم تنفك عائشة عن رثاء ابنتها إلا بعد محاولات مضنية من الأهل والأولاد استمرت سبع سنوات، وبعدها بدأت عائشة بالتوقف شيئاً فشيئاً عن رثاء ابنتها التي كانت قریبة إلی قلبها إلی حد کبیر.

كان الأدب في عصر السيدة عائشة أمراً غير مستحسن من البنات، فقد كانت والدتها ترفض عزوف عائشة عن دروس الخياطة والتطريز لتتفرغ للكتابة والأدب، وكانت غالباً ما تجبرها على تعلم التطريز، إلا أن إجبار الأم لم يأت بنتيجة إيجابية، فقد كانت عائشة تزداد نفوراً من التطريز كلما ازدادت الأم إصراراً على تعليمها. وقد لاحظ والدها ميل ابنته الشديد لتحصيل الأدب، فكان يقول لأمها: ” دعي هذه الطفيلة للقرطاس والقلم ودونك شقيقتها فأدّبيها بما شئت من الحكم”.

كانت عائشة تصغي إلى نغمات الكتاب ويلاحظ أنَّ والدها أعطاها الحرية فيما تختاره من طريق، ولم يقيدها في حدوده، إنما كان لها نعم الأب والمعين والمحافظ، فقد رباها وأحسن تربيتها مع الحفاظ على الأصول الشرعية التي قررها لها الإسلام، فلم يرض لها أن تختلط بمجالس الرجال، ولم يفتر عزم عائشة، فحلَّقت في فضاء العلم، ونقشت حروف اسمها بمداد ذهبي على صفحة التاريخ.

وحين لفت ميلُها للأدب انتباه والدها، أحضر لها من المعلمين والمعلمات الأفاضل لتعليمها الشعر والأدب والعروض في اللغتين العربية والفارسية والتركية. وكان من أهم معلميها الأستاذ إبراهيم أفندي مؤنس، وقد كُلّف بتعليمها القرآن والخط والفقه، أما الأستاذ الثاني فهو خليل أفندي رجائي، وقد كلف بتعليمها علم الصرف واللغة الفارسية، وبعد وفاة زوجها، حكمت نفسها بنفسها، فأحضرت لنفسها اثنتين من الأساتذة لهما إلمام كبير بالنحو والعروض، حتى برعت عائشة في ذلك المجال وأبدعت فیه.  وحين أكملت عائشة تعليمها للقرآن الكريم، توجهت إلى مطالعة الكتب الأدبية وبشكل خاص الدواوين الشعرية.  ونهلت من علوم معلّميها ما نهلت حتى ارتقى مستوى شعرها إلى أعلى الرتب، وفاقت نساء عصرها في الشعر وعلوم الأدب والنحو والعروض.  هذا وقد تولى والدها عهدة تعليم ابنته بنفسه؛ لأنه لم يرغب باختلاطها بالرجال فقام بتدريبها كل ليلة بعد العشاء ساعتين، تارة في كتاب الشاهنامة للفردوسي، وتارة في المثنوي لجلال الدين الرومي، وكلاهما من عيون الأدب الفارسي والتصوف الإسلامي.

خصائص شعرها

یقسّم شعرها من حیث الأغراض إلی خمسة أقسام: الغزلي والأخلاقي والدیني والعائلي وشعر المجاملات.ولها دیوان أسمته «حلیة الطراز» ، ولها شعر لطیف مشرق الدیباجة .[2]

وقد تميز شعرها بكل أنواع الصدق والمشاعر الخالصة و تأثرت بالقرآن كثيرا، فمن يقرأ شعرها يتضح له استعمال الاصطلاحات القرآنية، فقد ناجت ربها جلت عظمته كثيرا في شعرها، و مدحت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيضا وتعتبر من النساء الرائدات في هذا المجال الروحاني.

إلا أن شعر الرثاء كان له النصيب الوافر من الصدق والعمق والتأثير وجودة التصوير على حد سواء، ولا سيما رثاؤها ابنتها ” توحيدة” التي توفيت وهي في مقتبل العمر وبینما کانت في الشهر الأول من زفافها ابنتها.

و أمافیما یتعلّق بشعرها الغزلي، فلم يكن منه إلا من قبيل ” تمرين اللسان “، وذلك بسبب افتقاد روحها للبهجة والسعادة، وحزنها على ابنتها ؛ مما أثر على شعرها العربي وأضفى عليه صبغة من الحزن والأسى لا تخفى على القارئ والمتذوق. فكان منه:

فيا إنسانَ عيني غابَ عنها    وبدَّلنَِي به طولَ المـــلالِ[3]

عسى ألقاكِ مبتهِجاً مُعافى    وأصبح منشداً أملي صَفا لي

لِتهنأْ مُقلتي بسَنا حبيـبٍ     بديعِ الحسنِ محمودِ الخصال

وأنظمُ أحرُفي كالدُرِّ عِقداً     به جيدُ الصحائفِ كانَ حالي

ويبدو أن ثقافة عائشة كانت تطاول جوزاء المعرفة، فقد تاقت نفسها إلى مطالعة الكتب الأدبية المتنوعة، والدواوين الشعرية المختلفة لفحول الشعراء، فكان أن تولدت عندها ملكة رائعة من التصورات الفائقة، والتشبيهات الغزلية الرقيقة، وعمرها لم يتعد الربيع الثالث عشر، وكانت يد والدها الحانية، وتوجيهاته اللطيفة تمهد لها طريق التقدم، وكان يرشدها إلى قراءة الشعر وفنونه وأنواعه، ويشير إليها أن تبتعد عن الشعر الغزلي قائلا: «يا عائشةّ إنّكِ إذا أكثرتِ من مطالعة الشعر الغزلي، فسيكون ذلك سببَ زوال كلّ دروسك من ذاكرتكِ».

ودعت عائشة التيمورية إلى الحجاب الذي لن يعيق من أرادت التطلُّع إلى العلياء، وإلى سدّة الفخر والعطاء.

وكان لها من الشعر ما قالته عن زعماء الثورة بعد نفيهم والتنكيل بهم وكان منه:

ظلموا نفوسَهمْ بخدعةِ مكرِهمْ        والمكرُ يُصمِى أهلَهُ ويَحِيق[4]

فرّقتْ شملَ جموعِهمْ فمكانهُم         في الابتعادِ وفي الوَبالِ سحيقُ[5]

كذلك قالت في والدها بعد وفاته:

أبتــاهُ، قد حَشَّ الفراقَ حُشاشتي               هل يرتضي القلبُ الشفوقُ جفائي؟[6]

يـــا من بحسنِ رضاهُ فوزُ بُنُوَّتي              وعزيـزُ عيشتـِـه تمــامُ رَخائي

إن ضاقَ بي ذَرْعي إلى من أشتكي                 مِن بعـدِ فقدِكَ كافِــلاً برضائي[7]

ولعلّ من أبرز صفات عائشة التيمورية، وملامح أخلاقها، بعدها عن الثرثرة، وتتبع عورات الآخرين والأخريات، فكانت تصونُ لسانها عن الإسفاف وعن ساقط الكلام، إذ إن حفظ اللسان من كمال الأخلاق، وخصوصا أخلاق المرأة العاقلة الفاضلة، بل تدعو عائشة لحفظ اللسان من ذمِّ الناس، وذكر مثالبهم، وتدعو لتركِ الخَلْق للخالقِ، تقولُ:

احفظْ لسانكَ من ذمِّ الأنامِ ودعْ               أمـرَ الجمـيـعِ لِمن أمضاهُ في القِدَمِ[8]

معايبُ النَّاسِ لا يكْبرْنَ عن غَلَطِي              إذا نمَمْتُ بهـا فـي مَحـفَلِ الهِـممِ

آثارها

1.نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال: هو كتاب عربي، فيه قصص لتهذيب النفوس، أسلوبه إنشائي وقد تم طبعه سنة 1305هـ – 1888م.

2.مرآة التأمل في الأمور: وهي رسالة باللغة العربية، تتضمن 16 صفحة في الأدب، وقد تم طبعه قبل سنة 1310هـ – 1893م.

3.حلية الطراز: وهو ديوان لمجموعة أشعارها العربية، وقد تم طبعه في القاهرة آخرها سنة 1327هـ  وأولها قبل عام 1289هـ.

4.شكوفة أو (ديوان عصمت): هو ديوان أشعارها التركية، وهو يحتوي على بعض الأبيات التي قالتها الشاعرة في أبنتها توحيدة، ومن هذا المنطلق ذهب الناس إلى أن هذا الديوان فارسي وتركي.

المختار من شعرها

قالت في رثاء ابنها التي اختطفتها المنیّة وهي في الشهر الأول من زفافها:

صُوني جهازَ العُرْسِ تذكاراً فلي              قد كانَ منهُ إلى الزفافِ سرورُ

إن سالَ من غَربِ العُيونِ بُحورُ             فالـدَّهرُ باغٍ والـزَّمانُ غَدور[9]

سُتِر السَّنا وتحجَّبتْ شمسُ الضُّحى           وغدتْ بِقلبِي جذْوةٌ وسـعيرُ[10]

لو بُثَّ حُزنِي في الورى لم يُلتَفتْ         لمصابِ قـيسٍ والمصابُ كثيرُ[11]

طافتْ بشهر الصَّوم كاساتُ الرَّدى       سَحَـرا وأكوابُ الدُّموعِ تدورُ

فـتـناولتْ منها ابنَتِي فـتغيَّرتْ        جـنَّاتُ خَـدٍّ شـانهَا التَّغييرُ[12]

فــذوتْ أزاهيرُ الحياةِ بروضِها          والقـدُّ منها مائسٌ ونـضيـرُ[13]

لبستْ ثياب السُّقمِ في صِغرٍ وقد            ذاقتْ شَراب الموتِ وهو مریرُ

أمّاهُ قد عَزَّ اللقاءُ وفي غدٍ                       سترينَ نعشي كالعروسِ يسيرُ[14]

وسينتهي المسعى إلى اللّحدِ الذي                هو منزلي ولهُ الجُموعُ تصيرُ

قولي لربِّ الّلحدِ رفقاً بابنتي                     جاءتْ عروساً ساقَها التقدير

إلى أن تقول:

أماه! لا تنسي بحق بُنَوَّتي                         قبري لئلا يحزنَ المقبورُ

وقالت في الدعوة إلی الحجاب وکونه لا یعیق المرأة المسلمة عن أداء مهماها:

مـا ضـرَّني أدبـي وحُـسنُ تعلُّمي           إلا بِـکونـي زَهــرةَ الألبـابِ[15]

ما ساءَني خِدري وعَقدُ عُصابتي                   وطِـرازُ ثـوبـي واعتـزازُ رِحَابي[16]

ما عـاقَنِي خَجَلي عن العَليا ولا                سَـدْلُ   الخـمـار   بلمّتي  ونقابي[17]

بل صـولَتيْ فـي راحَتِي وتفرُّسي             فـي حُـسنِ ما أسـعى لِخيرِ مآبِ[18]

نـاهـيكَ منْ سـرٍّ مَصونٍ كنهُهُ             شـاعـتْ غـرابـتهُ لدى الأغرابِ

كالمـسكِ مخـتـومٌ بدُرجِ خزائنٍ            ويَـضُـوعُ طـيّبُ طِـيـبِه بملابِ[19]

أو كالبحارِ حَـوَتْ جـواهرَ لؤلؤٍ           عـن مـسِّـها شُلَّت يَـدُ الطُّـلّابِ

كما كان لها أيضاً من الشعر في وصف دیوانها:

حبـّذا حليةُ الطرازُ أنتِ مِن           مصرَ تزهُو باللؤلؤِ المنظــومِ[20]

حِليةٌ للعقولِ لا حليةُ الوشيِ            وكـــرُّ المنطوقِ والمفهوم[21]

أنشأتْهُ كريمةٌ من ذواتِ المـــــــجدِ والفخرِ فرعُ أصلٍ كريم

شمسُ علمٍ تأتي القصائدُ منها ســــائراتٍ في الأفقِ سيرَ النجوم…

قد أعادَ الزمانُ عائــشةً               فيها فعاشتْ آثارُ علمٍ قديم

هامَ قلبي على السماعِ وأمسى        ذكرُهـا لذّتي وفيهـا نعيمـي

هي فخـرُ النساءِ بل وردةٌ في       جيدِ ذا العصرِ زُينِّتْ بالعلـوم[22]

فأدامَ المـولى لها كلَّ عــزٍّ        ما بدا الصبحُ بعـدَ ليـلٍ بهيم[23]


[1] راجع في ترجمتها :رواد النهضة الحدیثة لمارون عبود ص 173-176 ؛حلية الطراز، ديوان عائشة التيمورية؛

 

خير الدين الزركلي، الأعلام، المجلد الثالث، الجزء الثالث؛ الدر المنثور في طبقات ربات الخدور ؛ عباس محمود العقاد، شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي؛ محمد أمين زكي، مشاهير الكرد وكردستان في العهد الإسلامي؛ نساء من التاریخ ،احمد خلیل جمعه.

[2] رواد النهضة الحدیثة،مارون عبود ص173-176

[3] إنسان العین:بؤبؤها

[4] یصمي:یُهلک، یحیق: یحیط

[5] الوبال: العاقبة،سحیق:بعید القرار

[6] حش: قطع، الحُشاشَة: رُوح القلب ورَمَقُ حياة النفْس، وكل بقية حُشاشة. والحُشاش والحُشَاشة: بقية الروح في المريض

[7] ضاق بي ذرعي: شعرت بالضجر والملل

[8] لمن أمضاه في القدم: ترید الله الذي قرّر أمر الخلق منذ القدم

[9] غرب العیون: حدها وطرفها

[10] الجِذْوَة والجَذْوة والجُذوة: القَبَسة من النار، وقيل:هي الجَمْرة

[11] قیس:هو قیس بن الملوّح مجنون لیلی

[12] شانها: عابها ووصمها والمراد هنا خالطها

[13] ذوت:ذبلت، مائس:متمایل من النضارة واللین

[14] عزّ اللقاء: صَعُبَ

[15] الألباب جمع لُبّ :العقل

[16] الطِّراز: ما ينسج من الثياب للسلطان، فارسي . والطِّرْز والطِّراز: الجيّد من كل شيء. الخِدْرُ: سِتْرٌ يُمَدُّ للجارية في ناحية البيت ثم صار كلُّ ما واراك من بَيْتِ ونحوه خِدْراً.، والجمع خُدُورٌ وأَخْدارٌ، وأَخادِيرُ جمع الجمع

[17] الخِمار: ما تغطي به المرأة رأسها، اللِّمّة: شعر الرأْس

[18] تفرَّس فيه الشيءَ: توسَّمَه. والاسم الفِراسَة، بالكسر.

[19] یضوع: یفوح،

[20] تزهو: تتفاخر

[21] الوشي: الزینة بخیوط الذهب،الکر:التتابع

[22] الجید:الرقبة

[23] بهیم :مظلم شدید الظلمة

 

موقع أديب

JoomShaper