أحمد عثمان محمد/ شبكة الشاهد
ناقد اجتماعي، ولد فى أحد مضارب البدو الرحل جنوب مدينة جمامة، حفظ القرآن فى الدكسى وتلقى الفقه فى بيت والده. أتم الثانوية العامة فى كسمايو. خريج جامعة عين شمس. حاضر في علم نفس النمو فى معهد للمعلين فى ولاية (كنو) فى شمال نيجيريا. متعدد اللغات. له مقالات منشوره بالعربية والإنجليزية والصومالية. مقيم فى شمال النرويج ويعمل فى مجال إعادة التوطين.
“قد سمع الله قول التى تجادلك فى زوجها وتشتكى إلى الله، والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير” هكذا تقول الآية الكريمة. كان المستوى الإنسانى للمرأة بهذا السمو عندما كان الوحى يتنزل على من لا ينطق عن الهوى. تجادل خوله بنت ثعلبه “رسول لله” وجهاً ولوجه وتحاورة مباشرة دون وسيط وعندما لم تجد عنده حلاً مقنعاً لقضيتها ترفع قضيتها بحضوره إلى الله سبحانه وتعالى وتشتكى مباشرة إلى الخالق دون وسيط لأنها تدرى سلفاً أن الله اقرب إليها من حبل والوريد فينزل الوحى فى حينه ليحل مشكلتها.
لم تكن المرأة فى عهد النبوة مهمشة عن فضائها الاجتماعى فى فجر بل كانت حاضرة ومشاركة وفاعلة فى تشكيل هذا المجتمع القرآنى الجديد.
هنا تشتكى خولة بنت ثعلبة إلى خالقها وكلها رغبة فى تنفيذ سياسات خاصة بها وذلك من أجل تدمير وتحريم عادة “المظاهرة” وأخواتها من العادات والتقاليد الجاهلية البالية التى كانت تميز ضد المرأه و تنتقص من إنسانيتها وقدرها كبشر له حقوق عليها خطوط حمراء لا يجب لأحد تجاوزها ونجحت فى الحصول على ما قدمت الشكوى من أجله وحرمت “المظاهرة”و أخواتها من عادات الجاهلية الأولى التعيسة مرة واحدة وإلى الأبد.
ثم تم استبدال تلك العلاقات البالية بشروط وعلاقات أفضل للمرأة فى داخل اُسرتها وفى المجتمع الخارجى.
لقد استفادت خولة هذه بحكم حضورها فى فضائها الإجتماعى من الفرصة واللحظة التاريخية التى سنحت لها للتغيير وضعها المَنسى ووضع بنات جنسها نحو الأفضل، أى فترة تنزيل الوحى الذى لم ينزل إلا لإعادة تشكيل المجتمع فى أطر وعلاقات جديدة مختلفة ومغايرة للاُطر وأنظمة المجتمع الجاهلى القديم ويمكن اعتبار هذه المرأة الذكية “خولة بنت ثعلبة” بلغة عصرنا “مناضلة نشطة فى مجال حقوق المرأة”.
ومرت الايام وتغير وجه الدنيا، وجرت فى النهر مياه كثيرة بمتغيرات عظيمة فى العلم والأخلاق والسياسة والاقتصاد وصعد عمربن الخطاب رأس الدولة إلى المنبر فى المسجد النبوى يخطب فى الناس فى صلاة الجمعة ليحدد المهور بعد أن ارتفع أثمانها وطالب بعدم زيادة المهور عن اربعمائة درهم! فأوقفته امرأة على مرأى ومسمع الجميع وجادلته فى ما ذهب إليه ودافعت عن مكتسبات و حقوق بنات جنسها فى مهورهن المنصوصة فى القرآن وتقرأ أمامه عن ظهر قلب قوله الله تعالى: (وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا) فيتنازل رأس الدولة عن مطلبه فوراً وأمام الملأ ويقول من على المنبر قولته الشهيرة: أخطأ عمر وأصابت امرأة!
هكذا كان حال المرأة فى صدر الإسلام حاضرة فى فضائها الاجتماعى كعضو فعال فى المجتمع ومشارك نشط فى اتخاذ القرارات ومراقبة لراس الدولة من التعدى على مصالحها وحقوقها ومكتسباتها الشرعية المنصوصة فى القرآن.
ثم دارت الأيام ونحن الآن فى القرن الرابع عشر هجرى ، 1400 عام أو يزيد من يوم أن نزلت علينا أول أيه فى القرأن تأمرُنا بالقراءة لكى نتثقف ونفهم ما يدور من حولنا إلا أننا استيقظنا بعد سبات عميق على إسلام جديد لا يمت بصلة مع الإسلام الذى عرفناه فى عهد النبوة والخلافة الراشدة.
إسلام يحول نصف المجتمع(المرأة) إلى كائن معاق غير منتجع ومهمش عن فضائه الإجتماعى.
كائن مخلوق من العوره بما فى ذلك صوته وعليه أن يلزم عقر الدار، وإذا لزم الأمر بالخروج فعليه أن يخرج بالبرقع والحجاب وبرفقه مرافق ذكر يسمى “بالمحرَم” يضبط له غرائزه الحيوانية حتى لا يقع فى المحرمات.
هل كان مع خولة المناضلة التى كانت تسعى لإنتزاع حقوقها وتجادل وتحاور خير البرية مُحرم وعلى وجهها برقع؟ وهل كان صوتها عورة؟
هل كان هناك برقع على وجه السيدة الفاضلة التى وقفت أمام رأس الدولة الفاروق عمر تذوذ عن مكتسبات وحقوق بنات جلدتها أم كانت امرأة سافرة ترفع صوتها لكى يسمعها القاصى والدانى من الحضور؟
هل كان صوت هذه المرأة التى كانت تخاطب عمر بعد اكتمال نزول الوحى وانتقال رسول الله إلى الرفيق الأعلى بعدة سنوات عورة؟ أم أن هناك من بدء يحلل ويحرم على كيفه بعد رحيل الرعيل الأول من الصحابة؟
يقول ابن كثير فى تفسيره لسورة المجادلة هكذا: لقيت امرأة عمر – يقال لها: خولة بنت ثعلبة – وهو يسير مع الناس، فاستوقفته، فوقف لها، ودنا منها، وأصغى إليها رأسه، ووضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت. فقال له رجل: يا أمير المؤمنين، حبست رجالات قريش على هذه العجوز؟! قال: ويحك ! وتدري من هذه؟ قال: لا . قال: هذه امرأة سمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، هذه خولة بنت ثعلبة، والله لو لم تنصرف عني إلى الليل ما انصرفت عنها حتى تقضي حاجتها إلى أن تحضر صلاة فأصليها، ثم أرجع إليها حتى تقضي حاجتها.
لوكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بيننا اليوم لوجدنا من بين علماء العقم العقلى والتطرف من يصفه بالمذنب للأسباب الأتية:
• لإنه دنى لإمرأة لا تحل له!
• أمير المؤمنين أصغى رأسه واستمع إلى صوت امرأة لا تحل له وصوت المرأة كما نعلم عورة!
• بل الأنكى من ذلك أنه وضع يديه على منكبيها حتى قضت حاجتها وانصرفت!
كيف و من و متى دمر المستوى الإنسانى الرفيع الذى كانت تتمتع به اُمهاتنا وأخواتنا فى عهد النبوة والخلافة الراشدة؟


JoomShaper