لها أون لاين
كانت السيدة أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة، القرشية المخزومية رضي الله عنها من النساء المسلمات اللواتي يمكن النظر في سيرهن، والأخذ عنهن والاقتداء بهن لما اتسمت به من الحكمة والفطنة والإيجابية في المواقف التي تحتاج إلى مبادرة كما فعلت مع زوجها عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه.
مثلت أم حكيم صورة الزوجة المسلمة التي تكون ردف زوجها تسدده وتشير عليه بما ينفعه، ويحفظ عليه دينه وحياته، وقد تزوجت من ثلاثة من كرام الصحابة الذين نالوا شرف الشهادة، رضي الله عنهم وأرضاهم.
تزوجت أم حيكم في صباها من عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه، وشهدت معه غزوة أحد ضمن المقاتلين في فريق المشركين، وفي السنة الثامنة من الهجرة حين فُتحت مكة دخلت في الإسلام مع من دخل؛ أما عكرمة فقد فر هاربا إلى اليمن.
ولم تترك الزوجة الوفية أم حكيم زوجها، فسافرت خلفه لتنقذه من الظلمات إلى النور، بعدما تذوقت حلاوة الإيمان وشعرت بها تملأ جوانحها.
وقبل أن تسافر ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه وتطلب الأمان لعكرمة إذا عاد مسلما، فأذن لها الرسول صلى الله عليه وسلم، فتضاعفت سعادتها وهي تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفح عنه ويأمنه.
انطلقت أم حكيم من فورها تحاول أن تدرك زوجها قبل أن يركب البحر، وما فيه من أخطار كان يخافها العرب، وتبشره بعفو الرسول صلى الله عليه وسلم عنه، ولم يخذلها الله تعالى فأدركته عند ساحل من سواحل تهامه وقد كاد يركب البحر.
فنادته قائلة: يا ابن عم.. جئتك من أوصل الناس وأبر الناس وخير الناس فلا تهلك نفسك وقد استأمنت لك منه فأمنك.
فقال لها عكرمة: أوقد فعلت ذلك؟ قالت : نعم. تهلل عكرمة بالبشارة وأسرع بالعودة مع زوجته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليعلن إسلامه بين يديه صلى الله عليه وسلم، وأحسن الرسول صلى الله عليه وسلم استقباله، بل لما دنا من مكة، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لأصحابه:"يأتيكم عكرمة بن أبي جهل، مؤمنا، مهاجرا، فلا تسبوا أباه، فإن سب الميت يؤذي الحي، ولا يبلغ الميت"رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك، وراجع أيضا الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.
ويستشهد عكرمة رضي الله عنه في معركة اليرموك ليترك أم حكيم وحيدة، ولم يمض وقت طويل حتى تقدم لخطبتها الصحابي خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه، وفي ذلك يقول الواقدي: "كانت أم حكيم بنت الحارث تحت عكرمة بن أبي جهل فقُتل عنها بأجنادين، فاعتدت أربعة أشهر وعشراً و كان يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه يخطبها، و كان خالد بن سعيد يُرسل إليها يعرض لها في خطبتها فخُطبت إلى خالد بن سعيد فتزوجها على أربعمائة دينار".
فلما نزل المسلمون مرج الصُّفر – و كان خالد قد شهد أجنادين و مرج الصُّفر – أراد أن يعرس بأم حكيم فجعلت تقول: لو أخرّت الدخول حتى يفضَّ الله هذه الجموع، فقال خالد: إن نفسي تحدثني أني أصاب(أقتل) في جموعهم، قال: فدونك فأعرس بها عند القنطرة التى بالصفر، فعرفت بها بعد ذلك، و سُميت قنطرة أم حكيم، ثم أصبح فأولهم عليها، فدعا أصحابه على طعام فما فرغوا من الطعام حتى صفّت الروم صفوفها، ، وبرز رجل منهم يدعو إلى المبارزة فبرز خالد بن سعيد فقاتل فقُتل.
وشدت أم حكيم عليها ثيابها وتَبدَّت، وإن عليها أثر الخلوق (نوع من الطيب) واقتتلوا أشد القتال على النهر، و صبر الفريقان جميعاً، و أخذت السيوف بعضها بعضاً و قتلت أم حكيم يومئذ بعمود الفسطاط (أي الخيمة) الذي بات فيه خالد مُعرِّساً بها، قتلت سبعة من الروم. راجع الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر.
وهنا تبدو شجاعة أم حكيم رضي الله عنها النادرة في موقف من أشد المواقف على المرأة حين تفقد زوجها.
وبعد استشهاد زوجها خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه تزوجت من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي استشهد في فجر يوم الأربعاء 26 ذي الحجة سنة 23 هـ على يد غلام مجوسي اسمه فيروز وهو عبد للمغيرة بن شعبة ويكنى أبا لؤلؤة، في صلاة الفجر انتظر أبو لؤلؤة عمر رضي الله عنه حتى سجد، ثم طعنه ثلاث طعنات بخنجر مسموم كان معه.
أم حكيم المخزومية الزوجة الإيجابية
- التفاصيل