ضربت أروع الأمثلة في التضحية والفداء والشجاعة في سبيل الإيمان بالحق والهدى
إعداد - محمد حسين أبوالحسن:
سيدة شجاعة القلب سوية الفطرة زكية النفس ,آمنت أن الإسلام دين الحق فدخلته ,وصدقت نبيه وآزرته, وحفظت آيات القرآن الكريم وعلمتها... فكانت سببا في هداية كثير من المسلمين, وعلى رأسهم الفاروق عمر بن الخطاب, الذي أسلم على يديها وببركة شجاعتها وقوة شخصيتها وشدة إيمانها ,مهما عرضها ذلك للمحن والأخطار, فصار إسلام عمر فتحا, وهجرته نصرا, وإمارته رحمة, وخلافته عدلا, ومسيرته علما وعملا وذكرا عطرا إلى يوم الدين.
سارت السيدة فاطمة بنت الخطاب في طريق الهداية, مع زوجها الورع سعيد بن زيد, أحد المبشرين بالجنة.بعدما تمكن الإيمان من عقلها وفؤادها, فعكفت على كتاب الله عز وجل حفظا وفهما وترتيلا وشرحا وإفهاما للآخرين , فسطرت بذلك صفحة خالدة في سجل فخار المرأة المسلمة ,حينما تنهض بحمل يعجز عن حمله  أشجع الرجال وأقواهم ,دون وجل أو كلل. يقف المؤرخون وكتاب السير طويلا طويلا أمام المشهد الأبرز في حياة السيدة فاطمة بنت الخطاب المرأة الداعية راوية الأحاديث المشاركة في أحداث كثيرة غيرت مسيرة تاريخ الإسلام, ومن ثم مسيرة تاريخ العالم, دون تهويل أو مبالغة, ونعني به مشهد إسلام شقيقها عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وأرضاهما على يديها وزوجها... فقد دعا الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأن يعز الله الإسلام بأحد العمرين, واستجاب المولى سبحانه وتعالى لدعائه وكانت فاطمة بنت الخطاب سببا في إسلام أخيها, ودخوله في دين الله. وينقلنا ابن سعد في "الطبقات" و ابن حجر العسقلاني, "الإصابة في تمييز الصحابة" إلى قلب تلك اللحظات الحرجة التي أحاطت بإسلام الفاروق رضي الله عنه , خاصة أنه كان قبل إسلامه شديد العداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه, فقد خرج عمر (رضي الله عنه) في يوم من الأيام قبل إسلامه شاهراسيفه عازما على قتله ( صلى الله عليه وسلم), فلقيه نعيم بن عبد الله, ورأى توتره.. فسأله عن وجهته, فأجابه: أريد أن أقتل محمدا. قال: كيف تأمن انتقام أهل محمد, إن قتلته? ..أفلا أدلك على العجب يا عمر! إن أختك وزوجها قد أسلما, وتركا دينك الذي أنت عليه. فغضب عمر أشد الغضب, وتحول  مسرعا إلى بيت أخته , ولما اقترب من البيت سمع همهمة, فقد كان الصحابي الجليل خباب بن الأرت  يقرأ على فاطمة وزوجها سعيد (رضي الله عنهما) سورة "ط¯¯¯ه", فلما سمعوا صوت عمر (رضي الله عنه), أخفت فاطمة (رضي الله عنها) الصحيفة, وتوارى خباب في البيت, فدخل وسألها عن تلك الهمهمة, فأخبرته أنه حديث دار بينهما. " فقال عمر- رضي الله عنه: فلعلكما قد صبوتما, وتبعتما محمدا. فقال له صهره سعيد: يا عمر أرأيت إن كان الحق في غير دينك", عندها لم يتمالك عمر نفسه, فوثب على سعيد فضربه, ثم أتت فاطمة مسرعة محاولة الذود عن زوجها,ولكن عمر (رضي الله عنه) ضربها بيده ضربة أسالت الدم من وجهها , لكن الصحابية الشجاعة فاطمة بنت الخطاب واجهته بثبات نادر وإيمان لا يتزعزع : يا عمر إن الحق في غير دينك, أشهد أن لا إله إلا الله, وأشهد أن محمدا رسول الله"....هنا تزلزل الجبل وأخذت غشاوة الكفر تنقشع عن بصيرة عمر وقلبه, بعدما حار أمام ثبات أخته على إسلامها أمام جبروته وغلظته, وأراد أن يتعرف إلى سر هذه العقيدة التي تكسب الضعفاء شجاعة ويقينا في مواجهة أكثر الناس قوة وبطشا , فطلب منها الصحيفة, فقالت له فاطمة (رضي الله عنها) وقد طمعت في أن يسلم: القرآن لا يمسه إلا المطهرون, فقم فاغتسل, ففعل ,ثم أخذ الكتاب فقرأ فيه: ( بسم الله الرحمن الرحيم. طه. ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. إلا تذكرة لمن يخشى. تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى. الرحمن على العرش استوى...) فقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! ,... دلوني على محمد". فلما سمع خباب خرج من مخبئه مسرعا إلى عمر وبشره وتمنى أن تكون فيه دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث قال: " اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل بن هاشم".
وفي ذلك الوقت كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) بدار الأرقم, فخرج عمر (رضي الله عنه) متجها إلى هناك, فضرب الباب, فقام أحد الصحابة, ونظر من الباب فرأى عمر ,ففزع ورجع مسرعا إلى الرسول الكريم, فأخبره بما رأى, فأذن الرسول صلى الله عليه وسلم له  ,فدخل ابن الخطاب عليه وقال : يا رسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله ,وبما جاء من عند الله , فلما سمع الرسول الكريم ذلك كبر تكبيرة عرف أهل البيت من صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن عمر قد أسلم.
المفكر الكبير عباس العقاد وقف أمام موقف السيدة فاطمة بنت الخطاب, في كتابه الذائع "عبقرية عمر", إذ كانت مكة  تخاف من بطش ابن الخطاب  في جاهليته, لكن أخته الصحابية الجليلة ضربت أروع أمثلة التضحية والفداء والشجاعة , في سبيل الإيمان بالحق والهدى , فلم تخشه قط, وتحدته وقارعته الحجة والبرهان حتى استضاء قلبه وعقله بنور الإسلام , فبات الفاروق رضي الله عنه منذ هذه اللحظة أحد حصونه القوية ودروعه الحامية وحاملا لمشاعله إلى كل بقاع الدنيا, فقد جهر الرسول صلى الله عليه وسلم بدعوته بعد أن كانت سرية, عقب إسلام عمر الذي كانت امرأة عظيمة شجاعة مؤمنة سببا فيه, ضاربة القدوة الحسنة لكل نساء الدنيا, فرضي الله عنها وأرضاها.

JoomShaper