نشأ الرسول يتيما، فوالده رحل قبل أن ولادته، بينما توفيت أمه وهو في السادسة من عمره، وكانت كفالته لدى عمه أبو طالب، وكان أبو طالب رجلا بسيطا لم يحقق شيئا من الثراء لأن شخصيته دفعته للترفع عن كثير من الممارسات المغلوطة التي تقوم عليها تجارة مكة، إلا أنه وقف بجانب النبي الكريم في طفولته وشبابه وبعد بعثته، فكان وأولاده العزوة الفعلية للنبي، ودونهم تمكنت قريش من النبي في مرحلة متقدمة من البعثة، فكانت قريش تخشى من ردة فعل الهاشميين على أي أذى يصيب النبي من قبلها، وكان في قصة إسلام حمزة بن عبد المطلب إنذار قوي لقريش بأن عواقبا وخيمة ستمتد لكل أرجاء القبيلة لو مست حياة النبي.
الجانب الذي لم يكن معلوما لكثيرين يتعلق بما وراء جدران بيت أبي طالب، بزوجته السيدة فاطمة بنت أسد، ومع أن المسلمون في ثقافتهم العامة يعرفون آمنة بنت وهب أم النبي، ومرضعته حليمة السعدية، إلا أنهم الفضل الذي ينسب لهذه المرأة يبقى متواريا، وحتى قلة من الكتب المدرسية التي تتبع السيرة النبوية العطرة لا تتوقف عند ذكرها، مع أنها هي الأم التي قدمت كل ما في وسعها من دعم معنوي ونفسي للنبي، وهي المرأة التي كان يناديها الرسول بأمي، حتى توفيت وقام بالوقوف على تغسيلها وأنزلها إلى قبرها، بعد أن كفنها بقميصه، وبقي يناجيها في القبر بعد أن صرف عليا ابنها وأبناءه.

هي فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، ابنة عم أبي طالب، وزوجته، وهي أول امرأة هاشمية تتزوج من هاشمي، ولم تأتي كتب التاريخ على تفسير لذلك، وكانت الثانية في الإسلام من النساء، فبعد السيدة خديجة أتى إسلامها المبكر لأنها لم تقع تحت ضغوط الحسابات القبلية القائمة لدى زوجها فحالت دون أن يعلن إسلامه، وكانت عاطفة الأمومة تجاه النبي ومعرفتها به وبطباعه وخصاله دافعها لأن تعلن تصديقها غير المشروط لرسالته، ولم تتوقف عند التصديق وإنما انتقلت إلى الفعل، وكانت أول امرأة تهاجر من مكة إلى المدينة، في هجرة صعبة، حيث كانت في عمرها المتقدم تمضي إلى الرسول الكريم على قدميها، لتبقى كما كانت قريبة منه منذ أن كان طفلا صغيرا يتيما في بيتها.
لدى وفاتها في السنة الرابعة للهجرة حدثا جللا في حياة النبي، لما أصابه من حزن على رحيلها، فيسأله عمار بن ياسر فداك أبي وأمي يا رسول الله! لقد صليت عليها صلاة لم تصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة ؟ فقال: «يا أبا اليقظان! وأهل ذلك هي مني لقد كان لها من أبي طالب ولد كثير، ولقد كان خيرهم كثيرا وكان خيرنا قليلا، وكانت تشبعني وتجيعهم، وتكسوني وتعريهم، وتدهنني وتشعثهم.»

 

JoomShaper